دخل الفنان المغربي عبد العزيز أوسايح الفن من بوابة التمثيل في تسعينيات القرن الماضي، ولد وعاش مع عائلته في بلجيكا قبل أن يقرر العودة إلى المغرب باحثا عن هويته وجذوره من خلال الفن الأمازيغي.
بعد بطولة عدد من الأفلام انتقل أوسايح إلى الإخراج، فأسس شركة إنتاج، وأنتج أفلاما وأعمالا درامية.
أخرج أول فيلم طويل سنة 2006، وعنوانه “طلحيلت توف العار” ومعناه الحيلة أحسن من العار، ثم بعده بسنة فيلما “تلوحت الوالدين” أي لوحة الوالدين و”إليس الوزير” أي ابنة الوزير.
يتذكر أوسايح هذه الفترة ويحكي للجزيرة نت أنه والفريق معه كانوا ينتجون هذه الأفلام بإمكاناتهم المادية ويوزعونها.
يقول أوسايح إنه يحرص على تصويره أعماله التلفزيونية والسينمائية في قرى بالعمق الأمازيغي وبعيدة عن المدن.
وفي نظره، لا تزال تلك القرى تحتفظ بالثقافة والهوية الأمازيغية كما هي، ولم تتأثر كثيرا بطبيعة الحياة في الحضر، فالمنازل مبنية بالطريقة القديمة وأيضا اللغة لا تزال أصيلة ولم تشبها شائبة.
يميل المشروع السينمائي لأوسايح إلى إزالة الغبار عن الثقافة الأمازيغية من خلال نقل الحكايات التراثية والأساطير إلى الشاشة وتوظيف الديكور واللغة وأماكن التصوير لربط الجيل الحالي بأسلوب العيش الأمازيغي، وهو ما ظهر في فيلم “زرايفا” و”ايسكل” وافوكو س اوحوكو” و”أحمد القران” وغيرها.
لكنه في أفلامه الأخيرة انفتح على قضايا اجتماعية في قوالب كوميدية وتطرق لمواضيع تتعلق بوضع المرأة الأمازيغية وأهمية الأرض لدى الإنسان الأمازيغي، والقيم الأخلاقية وغيرها.
سينما ناشئة
ظهر أول فيلم أمازيغي بالمغرب سنة 1991 للمخرج الحسين بيزيكارن “تيمغارت ن وورغ” أي المرأة الذهبية.
لاقى الفيلم نجاحا كبيرا وانتشارا وسط الساكنة الناطقة بالأمازيغية رغم الإمكانيات المحدودة التي أنتج بها، كونه أول عمل فني يتحدث بلسانهم ويتناول همومهم وقضاياهم الاجتماعية.
ودفع هذا النجاح مخرجين ومنتجين آخرين لإنتاج أفلام جديدة، مما أدى إلى تراكم في الفيلموغرافيا الأمازيغية.
لم يقتحم الفيلم الأمازيغي قاعات السينما إلا سنة 2006 مع المخرج والمنتج محمد مرنيش بفيلم ” تيليلا”، وفي السنة نفسها عرض فيلم “بوقساس بوتفوناست” أي بوقساس صاحب البقرة للمخرج عبد الإله بدر، ولم تمر سوى أشهر حتى بث التلفزيون المغربي العمومي أول فيلم أمازيغي من إخراج عبد الله داري وعنوانه “سات تضانكوين نيموران”.
موضوعات متنوعة
تنوعت الموضوعات التي تناولتها الأفلام الأمازيغية، غير أن الهاجس الأكبر في فترة التأسيس ظل يدور حول التعبير عن مسارات الهوية الأمازيغية.
يقول رضوان الصديقي الباحث في المجال السينمائي للجزيرة نت “إن الفيلم الأمازيغي في هذه المرحلة لم يكن سوى نتاج لقضية ناضل من أجلها المثقف الأمازيغي، لذلك كان مرآة للتراث والثقافة الأمازيغية وهو ما ظهر في الديكور، والملابس، والحوار واللغة، وموضوع الأفلام”.
ومع السنوات تنوعت القضايا التي يتطرق إليها الفيلم الأمازيغي لتشمل مواضيع تهم الحياة اليومية للمواطن الأمازيغي مثل الهجرة والتشبث بالأرض، وضعية المرأة الأمازيغية، العلاقات العائلية والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية من قبيل الحب والزواج والطلاق، ثم الأسطورة وتأثيرها في المخيال الشعبي، والفقر والتفاوت الطبقي، والمشاكل الفلاحية.
و يرى رضوان الصديقي أنه رغم التراكم الكمي وتنوع المواضيع في الأفلام الأمازيغية، فإنها ظلت تعالج بطريقة ضعيفة فنيا وجماليا بالنظر للتحديات التي واجهت وما زالت تواجه الفيلم الأمازيغي.
عقبات تمنع الانتشار
تواجه الأفلام الأمازيغية بالنظر لحداثة نشأتها تحديات وصعوبات متنوعة، وهي التحديات التي تواجهها السينما المغربية عموما.
ويوضح الصديقي أن أولى هذه التحديات ترتبط بالجانب المالي والإنتاج، ثم قلة كتاب سيناريو متمرسين في مجال الكتابة السينمائية، ويرتبط هذا الأمر الأخير في نظره بضعف الإنتاج الأدبي الأمازيغي الذي يمكن استيعابه في قالب فني سينمائي.
ويضيف إلى تلك التحديات، ضعف التكوين سواء تعلق الأمر بالممثلين الذين يتميز أداؤهم بالارتجال، أو تعلق الأمر بالطاقم التقني والفني من مصورين ومخرجين ومحترفي المهن السينمائية.
غير أن المخرج عبد العزيز أوسايح، يرى أن المشكلة الأساسية ترتبط بالإنتاج، ففي نظره يتأثر السيناريو الجيد في كثير من الأفلام بتدخل المنتج والميزانية الضعيفة التي يخصصها، مما يجعله يحذف مشاهد ويقلص بعضها ويقتصد في الديكور وغير ذلك.
ويرى أن نزوع المنتجين إلى إنتاج أفلام تجارية تحقق لهم الربح السريع يضر بالجودة والقيمة الفنية للأعمال وباختيار الممثلين الأكفاء والمحترفين.
من جانبه، يتفاءل رضوان الصديقي بعدد من الكفاءات الشابة التي درست في معاهد التكوين والجامعات المتخصصة في مهن السمعي البصري والسينمائي، مثل المعهد المتخصص في مهن السينما والكلية المتعددة التخصصات بمدينة ورزازات وكذا العديد من الجامعات المغربية التي أسست تكوينات في هذا المجال، متوقعا أن تترك هذه الكفاءات بصمة إيجابية في الفيلم الأمازيغي خلال السنوات المقبلة.
وبالنظر لمحدودية الأفلام التي طرقت باب المشاهد عبر قاعات السينما، فإن المهرجانات والتظاهرات الثقافية واليوتيوب والقناة الأمازيغية تمثل حاليا المكان الذي يجد فيه الجمهور ضالته من الإنتاجات الدرامية الأمازيغية.
قناة أمازيغية
كان لإطلاق قناة عمومية باللغة الأمازيغية منعطفا مهما في الترويج للإنتاج الدرامي الأمازيغية سواء مسلسلات أو أفلام أو برامج متنوعة.
بدأ البث التجريبي للقناة الأمازيغية الفضائية وتسمى أيضا الثامنة في يناير 2010 وانتقلت للبث الفعلي في مارس من نفس السنة، حيث تقدم برامج متنوعة 90% منها باللغة الأمازيغية بروافدها الثلاث تمازيغت وتشلحيت وتريفيت.
ولا يخفي رضوان الصديقي أن إنشاء هذه القناة كان له دور إيجابي في عرض الإنتاج الأمازيغي لفئة عريضة من الجمهور الذي يتحدث اللغة الأمازيغية، سواء في منطقة سوس أو الريف أو في الأطلس وحتى الجنوب الشرقي.
ويضيف أن الجمهور أصبح بإمكانه متابعة ومشاهدة آخر الأعمال الدرامية الأمازيغية التي تعرض حصريا على هذه القناة، وصار بإمكانه أيضا مواكبة هذه الأعمال الدرامية وتحليلها مع متخصصين في المجال من خلال برامج درامية.
ولفت إلى أن القناة الثامنة بوصفها تابعة للقطب العمومي، فهي تساهم في تمويل عدة أعمال درامية من خلال لجنة انتقاء المشاريع، وتتيح لشركات الإنتاج الأمازيغية تقديم مشاريع درامية وتنفيذها، سواء من إنتاج القناة أو بإنتاج مشترك.
المصدر: الجزيرة
تعليقات الزوار ( 0 )