شارك المقال
  • تم النسخ

الفايد.. كومة النار داخل قش أهل الدين

لا يختلف اثنان في أن الدكتور الفايد كما يسميه أتباعه، وكما يحبّ هو أن يُعرّف نفسه، قد خلق جدلا كثيرا وشغل الناس بما لم يسبقه إلى ذلك أحد؛ نظرا للتحول المفاجئ، ونظرا لما كان يحتله الدكتور الفايد من رفعة بين أهل الدين؛ حتى خاصموا به وعليه. هذه المنزلة والرفعة التي اكتسبها بسبب خطابه الذي وافق هوى في نفوسهم؛ والذي يقوم على أسس ثلاثة. نظرية المؤامرة التي لا يغلبه فيها أحد، والعداء للغرب وعلومه، والانتصار للثقافة والطب الشعبي.

وأظن أن الدكتور الفايد سيكون مسرورا جدا حين يجد من يتحدث عنه؛ فهو رجل يحب هذا الفخر، ويحب أن يُقال عنه وأن يقول هو عن نفسه إنه أعلم أهل الأرض، وإنه اطلع على كل العلوم وأسرارها؛ وهذا الظن لم يكن ليعترض عليه فيه أهل الدين عامتهم وخاصتهم ما دام الدكتور الفايد يوافق أهواءهم في تبخيس الغرب وعلومه، والانتصار للثقافه الشعبية التي تعتبر التربة الخصبة المؤهلة لتلقي الخطاب الديني بين عامة الناس.

وأظن أن الشرارة الأولى لانقلاب الدكتور الفايد كانت حين حاول واحد من الدعاة السلفيين الانتصار للشيخ الألباني بتقزيم الدكتور الفايد ودعوته للبقاء في مجال تخصصه في التغذيه، ولم يكن ذلك الداعي يدرك حدود ما يقوم به في المس بكبرياء الدكتور الذي يصنف نفسه أعلم أهل الأرض، ولا يجوز بحال مناقشته ولا مؤاخذته في الإساءه إلى أي كان؛ ولو كان الشيخ الألباني صاحب المنزلة الرفيعة عند أهل الدين وخاصة من السلفيين.

لم يكن ذلك الداعي السلفي يدرك حجم الفتنه التي سيتسبب فيها للتيار الديني ككل، والتي حوّلت الدكتور الفايد المقيم بين السلفيين إلى انتحاري يخبط خبط عشواء وبما لا يمكن إيقافه. وما كنت أظن أن الدكتور الفايد كان سيسير ويصير إلى ما سار و صار إليه لولا هذه النقطة؛ فهو إلى عهد قريب كان ما يزال وفيا لخطابه الذي يعجب أهل الدين.

لقد تحول الدكتور الفايد إلى انتحاري بين ظهراني السلفيين. إنه ليس الناشط الأمازيغي أحمد عصيد الذي يسهل عليهم ردعه ونعته بما شاؤوا، ولكن الدكتور الفايد تاريخ من الثناء والتقدير خاصة بين العوام الذين يعول عليهم أهل الدين في تكثير السواد، والمباهاة ضد التقدميين الذين لا يجدون إليهم سبيلا.

إن وصف الدكتور الفايد بالانتحاري وصف يليق بوضعه في مواجهة حلفائه بالأمس؛ إنه قنبلة تنفجر هنا وهناك لا يجد أهل الدين سبيلا إلى إيقاف تبعاتها؛ فالدكتور الفايد الذي اكتسب بخطابه الشعبوي القائم على البساطة وانتحال صفة رجل العلم الطبيب، والترويج للمؤامرة -محبوبة الجماهير- ؛ يتحول الى كرة من نار وسط تاريخ من القش لا سبيل الى إيقافه الا بالصراخ هنا وهناك، والتفرج من بعيد على فداحة الكارثة. إنه ليس رجل معرفة وعلم صاحب منهج يمكن الرد عليه ومناظرته، ولكن الرجل شحنة من التيه والافتخار بالذات يغذيها النشاط والحيوية يحقق بها النشوة، والردود التي يقضي أهل الدين وقتا طويلا في إعدادها لا تزيد الفايد إلا تقدما إلى ملامس كومات القش.

لقد سبق لكثيرين أن انتقلوا من الدين إلى نقيضه، ومن مذهب إلى مذهب، لكن انتقالهم غالبا ما يكون انتقالا سلسا محتشما مبررا في كتابات يمكن الرد عليها أو مناظرة صاحبها ومساجلته؛ ولكن حالة الدكتور الفايد تبقى حالة فاردة ينطبق عليها وصف الانتحاري الذي فجّر نفسه بعد تغلغل في عش الدبابير؛ وبما لا يمكن إيقافه، يجر معه جزءا ليس باليسير من عوام المتدينين وخاصتهم، والذين يؤهلهم ظنهم السابق بالدكتور الفايد الى السير معه أينما سار، حتى ولو ادعى النبوة، وحتى لو واقع ما واقع من الحِمى التي لم يكن يقدر على مواقعتها عتاة الذين يوصفون عادة بالزنادقه.

إن الجميع اليوم يقف مذهولا من حجم الكارثة التي تسبب فيها انتحار الدكتور الفايد، والذي لا يمكن إيقافه على كل حال بما يتمتع به من رغبة مرضيه في الاسترسال بالكلام وتحقيق النشوة في ما يقوم به. ولا أظن أن الدكتور الفايد سيقف ما دام حيا إلا باللجوء الى المخزن الذي يهابه الفايد ويمارس التقية منذ عقود لتجنب الصدام به، وأظن أن أهل الدين سيلجؤون للمخزن ولا محالة بعد استنفاذ كل الجهود لتوقيف كرة النار في اتجاة القش..فالأكيد بعد عجزهم لن يعود لهم صبر للتفرج على الكارثة.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي