ما الذي يفعله السياسيون ببلادنا خلال أزمة فيروس كورونا؟ هذا سؤال مستفز وللإجابة عنه، علينا أن نوضح ما الذي لا يفعلونه هؤلاء، خاصة في ظل سياق يتسم بالتراجع الكبير للممارسة السياسية الحزبية عن القضايا الحقيقية والتفرغ لمعالجة القضايا الزائفة، حتى إبان فترة ما قبل أزمة كورونا. وهذا ما يتم تكريسه خلال هذه الأزمة أيضا، الأمر الذي يسرع من وثيرة ذلك الإنسحاب غير المبرر للفاعل السياسي عن الساحة والإنصراف إتجاه ممارسة مهام أخرى غير مهامه الأساسية، ويجد أريحية كبيرة في انسحابه من الفضاء العام، وممارسة فعله السياسي بطريقة غير مباشرة غالبا ما يتوارى خلف الفاعل المدني أو “فاعل الخير”، في صورة تشبه إلى حد كبير التحايل من أجل إخفاء حقيقة فعله، إنه يعيش على إيقاع الإحراج من صفته.
إن هذه الشرنقة التي خلقها الفاعل السياسي لنفسه، تعتبر إحدى أهم المشكلات المزمنة التي تعاني منها الممارسة السياسية ببلادنا؛ السياسي ببلادنا لا يجدد ممارسته داخل الحقل الذي يشتغل فيه، بل يذهب إلى البحث عن الحلول لنفسه داخل مجالات أخرى، في محاولة يائسة منه لإخفاء دوافعه الحقيقية من وراء سلوكه الإجتماعي، يتقمص أدوارا أخرى غير دوره الأساسي ويتقنها أكثر. فبدل أن يخرج الوزير مثلا لكي يوضح للمواطنين، كل ما يتعلق بهذه الأزمة داخل القطاع الذي يشرف عليه، ويقدم الطمأنة الضرورية من خلال البرامج المقترحة والسيناريوهات المحتملة، نجده تاركا كل ذلك، ومنصرفا منشغلا بكيفية تدبير عدد أكبر من المساعدات الغذائية (القفة) داخل الدوائر الإنتخابية التي يراهن عليها، ويسعى إلى تحصينها من هجوم محتمل، مزاحما بذلك المؤسسات الموكول لها القيام بهذه المهمة. وهذا السلوك له انعكاسات وخيمة على الممارسة السياسية، لأنه ليس مؤلما فقط، بل لا يحتمل أخلاقيا ولا قانونيا. الغاية من تواجد الفاعل السياسي، لا تكمن في تكريس الأزمات واستغلالها وتربية المواطن على الخمول والكسل، والتصرف وفق كيفية تفكيره.. بل تتجلى في إيقاظ خمول المواطنين ورسم الأفق الواسع لتفكيرهم وصناعة الأمل لهم، واقتراح الحلول الإستراتيجية للخروج من الأزمة، والعمل على توفير الأنشطة التي تجعل منه غير محتاج لأية مساعدة غذائية هزيلة لا تكفيه لمدة أسبوع. إن الفاعل السياسي ببلادنا للأسف يحفر قبره بيده بشكل يومي من خلال ممارسته السياسية، بحيث لا يتميز بالجرأة اللازمة حتى يستطيع أن يدافع عن ممارسة جديدة تضع قطيعة مع الممارسة الكلاسيكية المبنية على الفهم الضيق للفعل السياسي.
ينبغي حماية المجتمع من مثل هذه الممارسات، وذلك بدفع الفاعل السياسي إلى الإختيار ما بين أن يكون فاعلا سياسيا وفقط، أو أن يكون فاعلا مدنيا أو ” فاعلا للخير”… بين ممارسة مهمته؛ التي ينبغي أن تكون محاسبته على أساسها من طرف المواطنين، وممارسة مهام أخرى أصبحت تؤثر على موضوعية هذه المحاسبة. خلال هذه الأزمة ولّد السياسيون لدينا انطباعا كما لو أن الأمور تمشي من تلقاء ذاتها، وليست في حاجة إلى الفاعل السياسي الذي يشرف على إدارة شؤون المواطنين من خلال القطاع الذي يشرف عليه، وهذا ما عبرت عنه صراحة الخرجة الإعلامية لرئيس الحكومة على بعد أيام من تفشي فيروس كورونا، بطمأنة المغاربة وحثهم على عدم التهويل من هذا الفيروس، على اعتبار أنه شبيه بالأنفلونزا العادية!!! بل إنه حمد الله داخل جلسة عامة على أن هناك ارتفاع في تسجيل ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس داخل بلادنا، ولو أنها زلة لسان، لكنها غير مقبولة بتاتا في ظرفية حساسة لا تسمح بزلة لسان ولا بزلة قلم ولا بزلة قدم. وتابعنا أيضا خروج وزير الفلاحة ينظر اقتصاديا لفترة ما بعد الأزمة، والغريب في الأمر هو أنه وزيرا في الحكومة لولايتين، فلماذا نزل الإلهام في التنظير ولم ينزل على مستوى التطبيق؟ ونتابع منذ مدة أيضا، كيف أن بعض مكونات التحالف الحكومي توحدهم الحكومة وتفرقهم الهرولة إتجاه محطة 2021. إن هذه الممارسات هي التي تزرع الشك وتخلخل اليقين وتؤسس للتلاشي التدريجي للثقة في الفاعل السياسي، وتجعلنا نجتر السؤال بخصوص الخلل الذي يساهم في إنتاج صورة الفاعل السياسي على هذه الشاكلة؟ أي صورة الضيفِ في منزله!!!
لا ينبغي علينا دوما أن نبحث عن الشروط الموضوعية فقط، التي جعلت من سياسيينا بدون طعم ولا لون، بل يجب أن نلقي الضوء عن الشروط الذاتية للفاعل السياسي، أي على الإستعدادات الدائمة التي تكاد تنفجر داخله، من أجل أن يلعب جميع الأدوار شريطة البقاء في مكانه. لقد تولد لديه إحساس شبيه بإحساس العجوز التي تجاوزها دوما الركب إلى حد ما، ولم يعد يحظى بالإهتمام من طرف المواطن ولا بالتقدير أيضا، إنه يعيش عزلة لا يكسرها إلا شبيهه. لقد فقد جميع أدواره؛ غاب دوره في تأطير المواطنين والتأثير عليهم، وغاب دوره على مستوى تنظيم الشأن السياسي، وغاب عنه تملك المشروع السياسي ولو من باب الدعاية فقط، وغاب دوره في تملك زمام المبادرة… إنه في الطريق إلى الإعلان عن إفلاسه التام.
إننا في حاجة ماسة إلى تجديد شروط الممارسة السياسية، لكي نتمكن من تذويب الهوة بين المواطن والممارسة السياسية، ولكي نحرر الممارسة السياسية من السيطرة المطلقة لمحترفي السياسة. وذلك عن طريق الحسم مع الأجوبة النهائية عن القضايا المطروحة للنقاش، بل وهدمها من أجل إعادة بنائها من جديد، لكي نسمح بانبثاق وجهات نظر جديدة، تنطلق من البحث والتشكيك النظري في الأفكار والممارسات السياسية التي سادت لحدود اليوم. وهذا كله لن يتأتى إلا بامتلاك الجرأة الكافية من طرف الفاعل السياسي لإعادة التوازن لذاته وللحقل الذي يشتغل من داخله.
تعليقات الزوار ( 0 )