نظمت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين جهة الرباط سلا القنيطرة حفلا بمناسبة الذكرى الـ46 المسيرة الخضراء، تحت شعار “ملحمة الأجداد… ذكرى للأحفاد”، بحضور محمد أضرضور، مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، وشخصيات بارزة من قبيل مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المحاربين وأعضاء جيش التحرير، ونورالدين بلالي القيادي السابق في جماعة البوليساريو الانفصالية، والذي عاد للمغرب سنة 1989 ملبيا نداء “الوطن غفور رحيم” الذي أطلقه الملك الراحل الحسن الثاني.
ومن الشخصيات الأكاديمية، حضر المحلل السياسي عبد الرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، هذا بالإضافة إلى شخصيات سياسية وتربوية وفاعلين في المجتمع المدني ووزراء سابقين.
ذكرى وتذكر للانخراط المسؤول في إحياء الملاحم الوطنية
افتتح الحفل محمد أضرضور، مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، جهة الرباط سلا القنيطرة، بشكر جميع المدعويين من الباحثين والسياسيين والأطر التربوية وآباء وأمهات التلاميذ، وأطر وأساتذة المركز الجهوي للتفتح الفني والأدبي، على التنظيم الجيد الذي شهده حفل إحياء الذكرى 46 للمسيرة الخضراء، وما تحمله هذه الملحمة من قيم ودلالات عميقة لدى كافة الشعب المغربي من ذكرى غالية وراسخة في أذهان الشعب المغربي قاطبة من طنجة إلى الكويرة.
وذكر أضرضور بحدث المسيرة الخضراء التي شارك فيها 350 ألف من المغاربة بقيادة المغفور له الحسن الثاني والذي يسير على خطاه الملك محمد السادس لتحقيق مسيرة النماء والازدهار.
وشدد أضرضور على أن تملك التاريخ وتمثل قيمه هو السبيل لمواصلة مسيرة النماء والازدهار، وذلك عبر تملكه جيلا عن جيل، مضيفا أن أطر الأكاديمية بالجهة “مصرون على التذكر والتذكير بالمسيرة الخضراء الغراء، لما تحمله من دلالات وعظات وعبر رمزية عميقة تؤكد جرأة شعب لم ولن يتوانى في المطالبة بوحدته الترابية المقدسة”.
كما أكد اضرضور أن حدث المسيرة الخضراء يشكل “لحظة تاريخية تظهر تلاحما حد التماهي بين الملك والشعب في سير حثيث نحو العلا بين الدول والأمم”.
واعتبر مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، أن حدث المسيرة الخضراء يجسد “ملحمة تبرز كم أن المغاربة معتزون ببلادهم ومستعدون لأن يفتدوها بالغالي والنفيس”.
من جهته، اعتبر مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المحاربين وأعضاء جيش التحرير، أن حدث المسيرة الخضراء المضفرة يشكل تعبئة شاملة للشعب المغربي قاطبة، معتبرا أن حدث المسيرة سنة 1975 كان حدثا عظيما شارك فيها المغاربة بالآلاف، وكان يمكن أن يشارك المغاربة أكثر لولا الظروف التنظيمية واللوجستيكية آنذاك، ومع ذلك فإن الحدث، برأيه، “شكل حدثا تاريخيا وملحمة وطنية ذاع صيتها في العالم كله”.
وعبر المندوب المندوب السامي لقدماء المحاربين وأعضاء جيش التحرير عن انبهاره ببرنامج الحفل وبالمشاركة الفعالة للتلاميذ التي طبعتها الروح الوطنية للتلاميذ المغاربة بالمدرسة العمومية.
واعتبر الكثيري أن الحفل الذي شارك فيه تلاميذ المدرسة العمومية يكشف عن مدى تمثل وتملك جيل اليوم لتاريخنا المجيد، حيث أعرب عن سعادته بالطاقات الخلاقة والمبدعة التي تجلت من خلال الحفل وما أظهره التلاميذ من قمة في الإبداع والابتكار.
وأكد الكثيري في مداخلته أن جيل اليوم، والذي يمثله تلاميذ المركز الجهوي للتفتح الفني والأدبي، يعد أملا في الانخراط المسؤول في إحياء الملاحم الوطنية، ومنها المسيرة الخضراء وما تحمله من الدروس والعظات والعبر والقيم الوطنية والدينية والإنسانية والكونية.
الدولة الأمة ودور التاريخ في صناعة المستقبل
من جانبه عبر الدكتور عبد الرحيم اسليمي عن انبهاره بالحفل الذي احتضنه المركز الجهوي للتفتح الفني والأدبي بالرباط، حيث شهد هذا الحفل تقديم عروض ولوحات فنية شارك فيها تلاميذ المركز، حيث أبدع تلاميذ وتلميذات المركز الجهوي للتفتح الفني والأدبي بوصلات موسيقية وطنية ولوحات فنية في قمة الإبداع، من موسيقى وشعر ورسم ورقص تعبر عن انفعال الأحفاد مع ذكرى الأجداد، والتي تمثلها ملحمة المسيرة الخضراء.
واعتبر اسليمي أن ذكرى المسيرة الخضراء ترتبط بكيان الأمة المغربية، وهو ذات المفهوم الذي ظل يردده اسليمي منذ سنوات خلت، حيث أعرب عن هذا المفهوم الذي يتجسد في الدول القليلة التي لا تزال تحتفظ بكيان الأمة في العالم، فهناك أمم خرجت منها أمم، وهناك دول حاولت أن تصنع أمما ولما تستطع إلى يومنا هذا، بينما اللأمة المغربية تحوي كل عناصر التي تشكل مفهوم الأمة من عناصر روحية وتاريخية ودينية ولغوية وحضارية ضاربة جدورها في التاريخ المغربي لأكثر من 12 قرنا، فالمغرب، حسب اسليمي، من الأمم التي نجدها في الكتب التاريخية التي لا يمكن محوها، والمسيرة الخضراء تدخل في هذه العناصر المشكلة للأمة المغربية، وهذا يعود إلى عدد المتطوعين الذين شاركوا في المسيرة الخضراء سنة 1975، حيث نظم المغاربة أنفسهم وشاركوا في المسيرة طواعية.
وتذكر المحلل السياسي حدث المسيرة الخضراء، حيث شارك الأستاذ الذي كان يدرسه في الابتدائي ومعه مدير المدرسة في المسيرة الخضراء، ولما عاد الأستاذ والمدير تغيرت التمثلات لدى التلاميذ تجاه أستاذهم وتجاه طاقم الإدارة. كما تذكر اسليمي قصص الناس العاديين، في منطقة سيدي بنور التي ينحدر معها، وكيف كان يتجمع الناس للاستعداد للمشاركة في المسيرة الخضراء، وهي قصص تبعث على الوطنية الصادقة التي ميزت ذلك الجيل من المغاربة.
وفي ارتباط حدث المسيرة الخضراء بالجامعة المغربية، أكد اسليمي على أن التاريخ ليست قصصا تصلح للحكي، وربما تبعث على الافتخار فقط، بل يجب أن “نضع التاريخ أمامنا وليس وراءنا، التاريخ هو منطلق للتقدم إلى المستقبل، نستحضره لنتقدم به، وليس لنرى به إلى الماضي”.
وشدد المتحدث أن المغرب يخوض صراعا بسبب ما وصفه امتلاكه لمفهوم “الأمة والدولة المغربية”، وهذا ما يجعل البعض “يحاول تزوير التاريخ، أو أن يصنع ذاكرة هي ذاكرتنا نحن المغاربة”.
واستحضر المتدخل روابط البيعة التي كانت تربط السلطة المركزية بحواضر توجد اليوم في بلدان مجاورة، وهو ما حاول الاستعمار أن يقوضه.
الخير يأتي من الصحراء… والشر يأتي من الصحراء !
من جهته، بدأ نورالدين بلالي، القيادي السابق في جبهة البوليساريو الانفصالية، حديثه بوصية الملك الراحل الحسن الثاني، والتي “وديعتي وأمانتي ووصيتي لكم جميعا لمن هو أكبر مني سنا، ولمن هو أصغر مني سنا، لا تنسوا الصحراء، وإياكم أن تنسوها، لأنه من قرأ تاريخ المغرب عرف أن الخير كله يأتي من الصحراء، وأن الشر كله يأتي من الصحراء”.
وأكد بلالي في مداخلته أن قضية الصحراء المغربية، هي قضية استعمار أجنبي قسم المغرب إلى ثلاثة أجزاء، قسم الشمال الذي تعرض للاحتلال الإسباني، كما تعرض القسم الجنوبي للمغرب من الاستعمار الإسباني نفسه، بينما وسط المغرب فقد تعرض للاحتلال الفرنسي، ثم دخلت صراعات الدول ومعاكسة المغرب ضد وحدته الترابية.
واشار بلالي إلى أن تدويل القضية بالأمم المتحدة حصل منذ سنة 1966، فكانت موريتانيا ترسل وفدا للأمم المتحدة كما أن إسبانيا كانت هي أيضا ترسل وفدا للأمم المتحدة، والمغرب أيضا، وفي السبعينات حاولت إسبانيا أن تؤسس دويلة تابعة لها قبل صدور قرار المحكمة الدولية في لاهاي، حيث أسست إسبانيا مجلس الجماعة وأسست حزب “البونس”.
كما أن “موريتانيا كانت تعاكس المغرب في وحدته الترابية، لأن المغرب كان يطالب بموريتانيا وكانت هنا بيالرباط وزارة تسمى وزارة الصحراء وموريتانيا” يضيف بلالي.
وأشار الدبلوماسي السابق بالبوليساريو، في كل من الجزائر وليبيا، إلى أن دخول الجزائر وليبيا على الخط بعد وقع تأسيس البوليساريو، لكن كانت المسيرة الخضراء، المسيرة المعجزة كما قال الدكتور عبد الرحيم المنار اسليمي، فتحرك الآلاف من المغاربة نحو الصحراء وشكل المغرب من خلال الحدث التاريخي، ملحمة الصحراء، ضغطا نفسيا وذهنيا على الاستعمار الإسباني وهو ما دفعه بالتسليم للمغرب في قضية الصحراء.
لكن بعد التضحيات التي قدمها المغرب من حرب أمكالا وغيرها من المواجهات حيث استمرت المواجهة إلى هذا الزمان، وبعد 1991 ودخول المينورسو والاتفاق على إنهاء المواجهات المسلحة ومجيء مراقبين من الأمم المتحدة، اتخذت الحرب هذه المرة بعدا قانونيا وحقوقيا واقتصاديا لا زلنا نعيش على وقعه إلى حدود الساعة.
إن قضية الصحراء، يقول بلالي: “وما تحمله من قيم وفضائل على المغرب، قيم الحرية والتضامن والوحدة وقيم النماء وحفظ كرامة وصيانة الأمة ومقدساتها”، وأما اليوم يرى المتحدث “أن أحسن مرافعة لقضية الصحراء هو أن تستمر مسيرة التنمية والبناء لأنها أقنعت العالم بوجاهة رأي المغرب والتف السكان حول ذات الفكرة، وهو ما نجد تعبيره من خلال نسبة المشاركة السياسية الكبيرة التي تشهدها الانتخابات بالأقاليم الجنوبية”.
تعليقات الزوار ( 0 )