متى تتخلص إسبانيا من عقدتها التاريخية تجاه المغرب؟ . فمغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس. فالإنجازات السياسية والاقتصادية التي حققها المغرب على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، فضلا عن استقراره الأمني في ظل بيئة إقليمية مضطربة شمال إفريقيا ، جعلته يتبوأ مكانة معتبرة ضمن المنتظم الدولي.
أضف إلى ذلك ، عودة المغرب إلى حظيرة الاتحاد الإفريقي والاستثمارات الكبيرة التي قام بها في عدد من الدول الافريقية والتقدم الذي أحرزه مقترح الحكم الذاتي حول الصحراء أمام مجلس الأمن الدولي كحل سياسي واقعي و إحداث عدد من القنصليات للدول الصديقة ببعض المدن بالأقاليم الصحراوية من شأنها تشجيع الاستثمارات الأجنبية بالمنطقة وبالتالي تحقيق ازدهارها الاقتصادي .
منذ مدة وإسبانيا وضعت عينها على المغرب كمنافس جيوستراتيجي . فإنشاء ميناء طنجة المتوسطي ( قرب مدينة القصر الصغير شمال المغرب ) يعد من أهم الإنجازات التي تحققت في عهد الملك محمد السادس بعد ثلاث سنوات من توليه الحكم ، هذا الميناء الذي أصبح ينافس ميناء الجزيرة الخضراء جنوب إسبانيا من حيث التجارة الدولية وموقعه الاستراتيجي على صعيد منطقة البحر الأبيض المتوسط. بالإضافة أيضا إلى إنشاء ميناء الناظور.
هذان الميناءان أزعجا ، بلا شك ، الجارة الاسبانية ، بالنظر إلى قدرتهما الكبيرة على التنافس على أهم الخطوط البحرية، سواء المتعلقة بالمواد البترولية، أو الفحم الحجري، و المواد المختلفة الأخرى. بل قد تفاجأت بهذه الانجازات التي عرفها المغرب في وقت وجيز، خصوصا و أن إسبانيا تأخذ صورة نمطية عن المغرب كمستعمرة سابقة وبلد متخلف، رغم أنها تعلم جيدا بأن المغرب كان دور كبير في حضارة الأندلس في عهد المرابطين ( 1086 م – 1146 م ) و الموحدين (1146م – 1269 م) و لعل المآثر التاريخية التي خلفهوها شاهدة على تاريخ المغرب العريق .
ولذلك لا نستغرب من الغطرسة الاسبانية لبعض وسائل إعلامها وعلى رأسها جريدة “البايس” و بعض السياسيين الذين يهاجمون المغرب، من حين إلى آخر ، مستعملين ورقة الانتخابات( كالتشكيك في نزاهة الانتخابات ) أو حقوق الإنسان ( كتردي أوضاع حقوق الإنسان) أو حرية الصحافة
( كاعتقال الصحفيين وانتهاك حرية التعبير ) .
المغرب كان دائما يمد يده لإسبانيا لإقامة علاقات أخوية في ظل شراكة تخدم مصالح البلدين وتجاوز كل الخلافات المرتبطة بملف سبتة ومليلية وجزر الكناري وجزيرة ليلى، تلك العلاقات شملت التعاون الاقتصادي والأمني وتحسنت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، لكن إسبانيا لم تحترم صدقية العلاقات الثنائية عندما استقبلت عدوا للمغرب على أراضيها وهو ابراهيم غالي زعيم جبهة البوليساريو ، و أكثر من ذلك قامت بإدخاله بهوية مزورة، و تعمدت عدم إخبار السلطات المغربية بذلك، في تحد للعلاقات بين البلدين التي ينبغي أن تكون مبنية على التعاون والصدق والشفافية . ولما طلب المغرب رسميا من السلطات الإسبانية توضيحات في هذا الشأن ، لم تقدمها ، مستهينة بالمغرب و بسيادته الوطنية.
فإسبانيا التي تستهين بالمغرب لم تستوعب بعد أن مغرب 2021 ليس هو مغرب ما قبل عشرين سنة . فلم يعد ذلك البلد كما ظل متخلفا وتابعا في مخيلة الإسبان مدة طويلة من الزمن. ثم أن المغرب بقيادة الملك محمد السادس، يتمتع بمصداقية ودور مؤثر على المستوى الدولي و العربي و الافريقي، وما على إسبانيا إلا أن تعيد النظر في حساباتها و علاقاتها مع المغرب على أساس أن تكون علاقات متكافئة يسودها الاحترام المتبادل و التعاون المشترك المبني على الصدق . كما ليس في صالحها التضحية بعلاقتها وشراكتها الاستراتيجية مع المغرب لإرضاء الجزائر طمعا في غازها او استعمال الانفصاليين كورقة ضغط خاسرة في آخر المطاف.
تجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن إسبانيا تلعب على الحبلين و تتعامل بازدواجية الخطاب: فهي تحتضن قيادات من البوليساريو وتتيح لهم المجال للقيام بأنشطة معادية للمغرب على أراضيها وتمنح لهم الجنسية الإسبانية ، وفي نفس الوقت تتظاهر كدولة محايدة بخصوص ملف الصحراء وأنها مع الحل السياسي للنزاع وفقا لقرارات الأمم المتحدة
ولذلك ، فإن تقلبات الدبلوماسية الإسبانية وعدم تجانس مواقفها تجاه المغرب قد تكون له تداعيات على العلاقات الثنائية بين البلدين ، خاصة في المجال الأمني و مكافحة الهجرة السرية . لأن المغرب دولة ذات مواقف ثابتة لن يقبل بأي سلوك أو تعامل يمس بوحده الترابية وسيادته الوطنية.
فلطالما برهن المغرب على حسن النوايا مع الجارة الاسبانية والتعاون المثمر على عدة أصعدة ، خاصة على الصعيد الأمني ومكافحة الهجرة السرية . فعلى هذين المستويين، يلعب المغرب دورا رائدا، يحظى بإشادة واعتراف من طرف المجتمع الدولي. وعلى هذا الأساس ، أصبح لازما على إسبانيا أن تعامل المغرب في إطار الشراكة المتكافئة و المصالح المشتركة واحترام السيادة الوطنية.
ثم أن المغرب لن يظل ذلك الدركي الذي يحمي إسبانيا من الهجرة غير الشرعية ، لأنه هو أيضا اصبح وجهة للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من جنوب الصحراء بأفريقيا ، كما ليس هناك ما يلزمه في القانون الدولي ، لأن الهجرة ظاهرة عالمية تثقل كاهل حتى الدول الكبرى ، مما يتطلب بذل المزيد من الجهود من قبل المجتمع الدولي على جميع المستويات ، خاصة على مستوى الأمن و التنمية.
تعليقات الزوار ( 0 )