Share
  • Link copied

العُنْصُرِيّة في المغربِ .. الوَاقِعُ “المَوْجُودُ” الذِي يَرفُضُهُ الجَمِيعُ

“لا تتزوجيه، فهو أسود اللون والأولاد في المستقبل سيصبحون سودا”، هكذا قالت عائلة فاطمة بنجدو المغربية، بعد تقدم أحمد فويا، السنغالي الجنسية لخطبتها، غير أن الفتاة تحدت الجميع، بمساندة الأب، لتكمل علاقتها بـ”حبيبها”، وتتزوج به قبل ستة أشهر، غاضةً الطرف عن التعاريف العامية لـ”الجمال”، وعن النظرة الاستحقارية التي يراها “البيض” لـ”السود”.

علاقة فاطمة وأحمد ظهرت للمغاربة، قبل 4 أشهر، حين اختارا إنشاء قناة على موقع التواصل الاجتماعي “يوتوب”، يتشاركاني فيها يومياتهما، الأمر الذي لاقى استغرابا واسعا من طرف الناس، متسائلين عن سبب اختيارها لشخص “أسود”، ومعيدين نقاش العنصرية القديم الجديد للواجهة، بكل تجلياتها؛ العرقية والقبلية.

مصطلحات عديدة والمعنى “أسود”

رغم أن المغاربة يدينون بدين الإسلام، الذي يحرم العنصرية بشكل قاطع، ويؤكد بألا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى، لكن الواقع يخالف كل شيء، ولا ينسجم لا مع معتقد المواطن، ولا مع القانون الذي يؤطر الحياة بعمومياتها في المملكة، ولا مع الأخلاق، فيمكن لأي شخص أن يندد بالمواقف العنصرية، كما فعل كثيرون عقب واقعة “جورج فلويد”، لكنه يلقب زميله المنحدر من الأقاليم الجنوبية، وصاحب البشرة السمراء بـ”كامارا”.

في الريف شمال المغرب، يمكن لأي شخص ذو بشرة سمراء مائلة للسواد، أو سوداء، أن يدعى بـ”إيسمغ”، ومعناها الشيء “الأسود”، كما قد ينادي البعض، زميلهم بـ”نيكرو”، وهي كلمة إسبانية تعني “الأسود” أيضا، أو “مورينو”، ومعناها “الأسمر”. قد لا يكون مطلقو هذه الألفاظ عنصريون، وربما لا يقصدون الإساءة أيضا، ولكن المتلقي لا يسمع ما في القلوب، بل ما تنطق به الألسن.

ثنائية الريفي والغربي

نبقى في الريف المغربي، حيث يمكن أن يشكل حديثك بالعامية المغربية فقط، فعلا جالبا للعنصرية، لأنك ببساطة “ذاغابي”، أي “غربي”، وهو مصطلح يطلقه أبناء الحسيمة والقبائل المجاورة، المتحدثة بـ”الريفية”، على كل شخص لا يتحدث هذه اللهجة الأمازيغية، فحتى وإن جاء الشخص من شرق المغرب، يسمى “ذاغابي”.

وفي هذا السياق، يقول عثمان، ابن الحسيمة، بأن هذه الظاهرة العنصرية، تقلصت بشكل كبير في الفترة السنوات الأخيرة، مرجعا سبب ذلك إلى “اختلاط أبناء المنطقة بمواطني باقي جهات المغرب، خاصة في فصل الصيف، ليكتشفوا أنهم، ليسوا بذلك السوء، ولا حتى سيئين، لأن الموقف في أساسه كان دفاعيا، من منطق أن الآخر ليس جيدا، وقبيح ولا يحبنا، ولكن بعد ثبوت العكس، صارت الكثير من الأسر ترحب بالزواج من غير الريفيين”.

من جهة أخرى، يمكن لحديث باللهجة الريفية، في إحدى مدن الداخل المغربي، مثل الرباط أو الدار البيضاء، أن يجعل من الشخص الآخر، يرى فيك إنسانا “عنصريا وانفصاليا” لا يحب الخير لبلده، وذلك قد يكون، انطلاقا من التمثلات الخاطئة التي يحملها المواطن غرب المملكة، عن إخوته شرقها أو شمالها، كما يرجح البعض، أن يكون ردة فعل “سلبية” لفعل “سلبي”، ناجم عن المواقف العنصرية التي قد تعترض بعض الأشخاص في الحسيمة أو الناظور.

الآنا المفرطة السبب، والاعتراف بالآخر هو الحل

يرى الأستاذ الباحث في علم الاجتماعي، مصطفى الشكدالي، بأن السبب الرئيسي وراء إطلاق هذه النعوت العنصرية، هو تفضيل الآنا، مقابل عدم الاعتراف بالآخر، لأن الانتماء لمنطقة أو ثقافة، يصنع تمركزا حول الإثنية، منتجا مصطلحات عنصرية موجهة للإثنيات الأخرى المختلفة.

ويضيف الشكدالي في تصريح سابق له، بأن اعتقاد الشخص، بأن الجغرافيا أو الإثنين التي ينحدر منها أفضل من غيرها، يؤدي به إلى إطلاق ألفاظ عنصرية على باقي “الجغرافيات” أو الإثنيات، وهو ما يعكس في المجتمع المغربي، بعض النكت المتداولة بين الناس.

وأوضخ المتحدث، بأن هناك جانبا متوارثا في هذه التصورات، لأن التنشئة الاجتماعية تلعب دورا بارزا في هذا الجانب، ناجما عنه نوع من الانتماء المبالغ فيه، الذي يجعل المرء يعتقد أنه الأحسن، في الوقت الذي لا يشكل فيه الآخر، سوى الهامش.

وحسب الشكدالي، فلابد من “ممارسة نوع من الاستقلالية الثقافية والاعتراف بالآخر”، من أجل تجاوز هذه النظرة النمطية المبنية على تفضيل الآنا و”التمركز الإثني”، وذلك لأن سبب المشكل في أساسه، يمكن في إقصاء الآخر وعدم الاعتراف به.

Share
  • Link copied
المقال التالي