Share
  • Link copied

العيد في زايو: فرحةٌ قصيرة، مللٌ طويل، وأحلامٌ مؤجلة حتى إشعارٍ آخر

لم يعد العيد في زايو سوى انعكاسٍ باهتٍ لمعناه الحقيقي، كوجهٍ يطلّ على الماء فلا يرى سوى صورةٍ مشوشة لما ينبغي أن يكون عليه. في مدنٍ أخرى، يحمل العيد ملامح الفرح، يُزهر في الطرقات، يرقص في الساحات، أما هنا، فلا يبدو سوى حدثٍ روتينيٍّ آخر، يعبر المدينة مرور الكرام دون أن يترك أثرًا يُذكر.

في الساعات الأولى، تمتلئ الشوارع بأصوات التكبير، تتوافد العائلات إلى المصلى، الرجال بجلابيبهم البيضاء، الأطفال بملابسهم الجديدة التي تشي بفرحةٍ مؤقتة، والنساء يتبادلن نظرات الرضا، وكأن كل شيء يسير وفق نصٍّ محفوظ سلفًا. لكن ما إن يعود الجميع إلى بيوتهم، حتى تستعيد المدينة صمتها المعتاد، وتبدأ ملامح الرتابة تتسلل إلى المشهد شيئًا فشيئًا.

أما الشباب، فهم الحلقة الأكثر هشاشة في هذه الدائرة الرتيبة. بعد استيقاظهم من قيلولة ما بعد الظهر أو كما أحب تسميتها أسبرين الملل، ليس لأن لديهم خططًا محددة، بل لأن جدران البيوت تضيق عليهم في هذا اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى. يتجهون إلى المقاهي، حيث الطاولات القديمة تشهد على حضورهم الدائم، وحيث النادل يعرفهم بالاسم، لكنه لا يسألهم عن أحوالهم، لأن الإجابة معروفة سلفًا.

يجلسون هناك، تتشابك أصابعهم حول فناجين القهوة وأكواب الشاي الباردة، يحدقون في الفراغ الممتد أمامهم، وكأنهم في انتظار شيءٍ لن يأتي. بعضهم يفتح هاتفه، يتنقل بين منشورات لا تهمه حقًا، يراقب احتفالات بعيدة، مدنًا تضج بالحياة، وأشخاصًا يبتسمون أمام عدسات الكاميرات، ثم يطفئ الشاشة ويعيدها إلى جيبه، وكأنها أظهرت له واقعًا كان يحاول نسيانه. آخرون يتبادلون حديثًا عابرًا، عن السفر، عن الدراسة، عن فتاةٍ جميلة مرت قرب المقهى، لكن كلماتهم تبدو جوفاء، مجرد أصواتٍ تُلقى في الهواء دون أن تجد صدى.

في زاوية المقهى، يجلس أحدهم صامتًا، يتأمل الدخان المتصاعد من سيجارته، بينما تتلاشى خيوطه في الهواء كما تتلاشى أحلامه الصغيرة التي لم تجد مساحةً لتنمو. يفكر لوهلةٍ في معنى العيد، في الفرح الذي يفترض أن يكون حاضرًا، لكنه سرعان ما يهز كتفيه بلا مبالاة، فقد تعلّم منذ زمن ألا ينتظر الكثير من هذا اليوم. العيد بالنسبة لهم ليس مناسبةً سعيدة، بل وقتٌ إضافي لمواجهة حقيقةٍ يحاولون إنكارها: أن المدينة أصغر من أحلامهم، وأنها ليست سوى محطة انتظار طويلة، بلا قطار قادم.

مع اقتراب المساء، تسير المدينة على إيقاع الرتابة ذاته، شوارعها شبه خالية، ومصابيحها الصفراء تلقي ظلالًا شاحبة على الأرصفة المهجورة. العيد هنا ليس مناسبةً للفرح، بل مجرد طقسٍ اجتماعي يؤديه الجميع دون أن يشعروا به حقاً، يشبه تمامًا مدينةً توقفت عقاربها عند نقطةٍ ما في الماضي، وظلت تنتظر—ولكن لا شيء يحدث. تبدأ الأحاديث بالتلاشي، ينهض البعض واحدًا تلو الآخر، يودّعون بعضهم بعبارات مقتضبة، ثم يسيرون في الشوارع التي استعادت سكونها المعتاد. لا أصوات ضحك، لا ألعاب نارية، لا صخب احتفالي. فقط المدينة تستعد للعودة إلى حياتها الطبيعية، وكأن العيد لم يكن سوى استراحة قصيرة من الملل، لا أكثر.

في هذه اللحظة، قد يتذكر أحدهم حكاية “سيزيف”، الرجل الذي حُكم عليه أن يدفع صخرةً إلى قمة الجبل، فقط لتتدحرج مجددًا في كل مرة. أليس هذا حالهم؟ يدفعون أيامهم نحو الأمل، نحو التغيير، نحو شيءٍ مختلف، لكنهم في النهاية يجدون أنفسهم في المكان ذاته، يدورون في دائرةٍ مغلقة لا مخرج منها.

Share
  • Link copied
المقال التالي