Share
  • Link copied

العنصرية الإعلامية والزهايمر الفرنسي.. المغرب فاعل حضاري وفرنسا استعماري

كتب أحدهم مقالا في جريدة ميديا بارت الفرنسية مقالا تحت عنوان:”Se faire espionner par le Maroc, c’est franchement la honte”، كله عنصرية وكراهية، ويقول أن هذا التجسس جاء من بلد مسلم، مما يوحي بأن هناك محاولة ربط الموضوع بصراع حضاري لا مكان له في بلد أمازيغي عربي إفريقي مسلم ومتنوع، يعبرون من حيث لا يشعرون عن عقدة حضارية كبيرة وعن استعلاء استعماري.

هذا البلد يتجسس عليهم ياللعار! لماذا لم يتذكر الفرنسيون، إعلاميون وسياسيون، الذين يهاجمون المغرب دولة بشكل مباشر وشعبا بشكل ضمني، لماذا لا يتذكرون ذلك الأمازيغي والعربي غير المتمدرس، الصادق والأمين والمخلص القادم من هوامش المغرب، من البوادي والقرى والجبال، وهو لا يحمل علما كبيرا أو تكنولوجيا وإنما يحمل قيما إنسانية وأخلاقا نبيلة صقلتها الشخصية المغربية، قادما مهرولا لنجدة الحداثة الفرنسية و لتحرير فرنسا من النازية، و منهم من استشهد دفاعا عن الحرية ومنهم من عاد للوطن يحكي قصص بطولات المغاربة ضد جيوش هتلتر التي فر أمامها اصحاب الحضارة الفرنسية كالفئران؟.. ياللعار!

هذه الأزمة الحالية المصطنعة من قبل الفرنسيين تذكرنا بواقعة سياسية مستفزة، حدثت صيف سنة 2007 وتحديدا نهاية شهر يوليوز من السنة، بالعاصمة السينغالية داكار. لعلها تفسر بعضا من نظرات الفرنسيين لنا وللأفارقة بصفة عامة.

الواقعة تتمثل في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي أمام نخبة من المثقفين و الجامعيين، حيث قال في خطابه، بكل جسارة وكبر، أن الإنسان الإفريقي لم يدخل كثيرا للتاريخ، وأنه هذا الإفريقي يرفض التطور، وأن مشاكل القارة لا ينبغي أن تلصق بالإستعمار، وإنما هي بسبب طرق تدبيرها من قبل أبنائها. فعل تركتهم فرنسا يشقون طريقهم فعلا نحو التطور بمثل ابتزازات النخب الفرنسية التي نشاهدها اليوم ضد المغرب؟

الفرنسيون دائما ما يتناسون مشاركة الأفارقة في تحرير عاصمة الأنوار باريس من قبضة هيتلر ألمانيا وما أدراك ما قوة وسلطة ألمانيا أمس واليوم على فرنسا وأوروبا!

خطاب يعبر عن رغبة دفينة في بقاء الحماية والوصاية والحجر على المستعمرات السابقة.

خطاب يقول بأن شعوب القارة بشمالها وجنوبها غير منتجة، شعوب متسولة تعيش على الصدقات والمعونات وتعيش عالة على العالم المتقدم ولا تنتج إلا الحروب والإرهاب والهجرة. صورة عنصرية تقول بأن دول الجنوب مثل المغرب لا يمكنها أن تكبر أو أن تتقدم إلى مستوى التجسس على فرنسا، فحينها سيكون ذلك من العار والذل. في المقابل وحسب صاحب المقال العنصري المذكور فإن الفرنسيين يمكنكم تقبل تجسس الدول الكبرى كروسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية الذين يقهرون فرنسا في جميع المجالات، ولا يمكن تقبل ذلك من الصغار الذين قاتلوا بشراسة بتمتيعهم بالتحرر من النازية، لأن ذلك سيكون من العار!!

وإذا كان العار قاعدة مهنية إعلامية جديدة، فإننا نقول ياللعار لما شاهدته الدنيا كلها في باريس عاصمة الفن والشعر و العشق والجمال والعطور الفواحة؛ باريس عاصمة الأنوار عاصمة وجوه الحداثة فيكتور هيغو و موليير ومونتيسكيو وجون جاك روسو وميشيل فوكو؛ عندما تحولت إلى عاصمة للسترات الصفراء والاحتجاجات العنيفة.

باريس السترات الصفراء والعنف والتخريب حيث لا يوجد لا طالبان ولا بوكو حرام ولاداعش أو القاعدة وغيرها من التنظيمات المتطرفة، التي شكلت وعاء للتطرف والإرهاب والعبث بالجمال. باريس دمر جزء مهم من أبنائها نموذجها السياسي الجديد آثار الحضارة والتمدن في مشهد واقعة شون إليزي..

باريس، حينها، رآها العالم أشبه بفيلم سينمائي للزومبي zambies، حين شاهدنا جميعا انتشارا مخيفا وزحفا عنيفا رهيبا على معالم باريس التاريخية، على مرأى ومسمع من ذلك الجندي المجهول، رمز التضحية والدفاع عن القيم، ورمز معاناة ملايين البشر و الذي لم ينج من العنف الذي خرب مثواه. تحت بهاء قوس النصر الباريسي في شارع الإبتسامة والجمال والرقة واللطف والعطور الساحرة، تطايرت أعمدة اللهب وفاحت روائح الإحراق، وسالت الدموع بغزارة بفعل قنابل الدخان. شاهدنا
زحفا من أبناء فرنسا ضد رموز حضارتهم وتاريخ جمهوريتهم العريقة.

ونحن نشاهد كل ذلك الكم من العنف تنجرف في أذهاننا أسئلة كالطوفان، عن المرجعية القيمية لكل هذه الكراهية ولماذا كل هذا العنف؟ هل فشل النموذج الفرنسي الجديد في استيعاب حركة أبنائه؟ من أين جاء كل هذا الحقد الدفين على كل معالم تمدن وحداثة فرنسا؟ هل أفلس التعليم والإعلام في التأطير والتكوين على المواطنة وعلى السلمية في الاحتجاج؟

في الصورة المقابلة في الجنوب ( المتخلف حسب الفرنسيين) في مقارنة بسيطة بين الاحتجاجات بين فرنسا ودول جنوبية كالمغرب وتونس ومصر وغيرها، نرصد لاشك حجم “الهم” العميق الذي حمله المحتجون لصيانة الشيء العمومي والممتلكات الخاصة. نرصد حرصا شديدا على الحفاظ على السلمية وعلى عدم الاستجابة للغة العنف، في وقت كان بإمكان المحتجين، أن يحرقوا عواصم بأكملها لو قام كل محتج بإشعال عود ثقاب واحد وألقى به على ما حوله.

وعند محاولة فهم ما جرى من عنف في فرنسا أيام السترات الصفراء، فإن العنوان الكبير أو على الأقل الفرضية العميقة لهذه الوقائع هو وجود قطيعة فعلية بين المحتجين وبين الدولة الفرنسية الجديدة الغريبة عن الجميع.

قطيعة ساهم في تشكلها غياب السياسة وغياب ممارسة الإعلام لخطاب القيم مرجحا كفة لغة المصالح الفئوية الضيقة والقاتلة.. قطيعة سارعت في إخراج حركة جماعية غير منظمة وغير واضحة الأهداف والمطالب، مطالب غير منسجمة تترنح ما بين ضرورة تراجع الضرائب وما بين مطالب العدالة الاجتماعية، وما بين رحيل إيمانويل ماكرون.

في فرنسا ماكرون تعرضت السياسة والقيم وعمق النظر إلى تهميش خطير، اقتات منه دعاة الفوضى الفكرية والتحرر المتطرف تساهم فيه الإعلام الفرنسي الفوضوي بشكل كبير.

فرنسا اليوم لم تعد السياسة والقيم هي من تنتج السلطة والمواقف ورجال الدولة، بل استسلمت للعناد الشخصي ولفئات مهتمة بالربح المادي الشخصي الآني، ففشلت في كل محاولات التموقع الدولي خصوصا في منطقة البحر الأبيض المتوسط في ليبيا وفي صراعها مع تركيا وغيرها.

فرنسا اليوم غاب فيها المخاطب المقنع والمؤطر الاستراتيجي، فأصبحت المواجهة مباشرة وشرسة، باستعمال الإعلام بشكل لا أخلاقي مع الأصدقاء والحلفاء، و مع كل من يمكنه خلخلة هذه المصالح الفئوية، والمغرب يعاني حاليا جراء هذه القطائع الفرنسية وهذه المواجهات المصلحية الفرنسية.

الخلفية الاستعلائية الإستعمارية حاضرة بقوة في مقالات/خطابات الإعلام الفرنسي. من العار أن يستمروا في الادعاء بأنهم لازالوا ورثة فكر الحداثة والأنوار وحقوق الانسان والعدالة والانصاف والديمقراطية. تعرت هذه الكيانات وتبعثرت أوراقها وظهر الوجه المصلحي العنصري القبيح فيها.

المغاربة، عبر التاريخ، كانوا أحد أهم صناع تاريخ البحر الأبيض المتوسط، وقد لعب مثقفوه ومفكروه ومتصوفوه دورا فلسفيا محوريا في حل عقد الغرب والدولة الفرنسية، في فهم طبيعة الدولة والمجتمع والعلاقة مع الكنيسة، ومنجزات إبن رشد وباقي الأفذاذ شاهدة على ذلك.

الفرنسيون يلعبون بالنار بهذه العنصرية البغيضة. يوقظون في شعوب بأكملها حجيما من والكراهية لكل ما هو فرنسي، وقد جربوا ذلك في حملة المقاطعة الأخيرة، جراء تصريحات الرئيس ماكرون عن الإسلام ورموزه وعن “الصور المسيئة”، فهل تعي فعلا النخبة السياسة الفرنسية ما يجري وهل تتوقع حجم ونتائج هذا الغضب، إذا ما تغذت به جهات وتنظيمات غير منصاعة هنا وهناك؟

*باحث في العلوم السياسية

Share
  • Link copied
المقال التالي