لجأت العديد من الشركات، فور إعلان الحكومة عن إجراءات الحجر الصحي، في النصف الثاني من مارس الماضي، لمواجهة تفشي فيروس كروونا المستجد، إلى تقليص عددِ العاملين بها، نظرا للأضرار التي كانت تتوقع تلقيها بسبب توقف نشاطها، أو نظراً لما يمكن للقيود المشددة أن تُسفر عنه، ما جعل عشرات الآلاف من الأسر، من دون مصدر دخلٍ لمدةِ شهور.
ولم تقم أغلب الشركات المتخذة لقرار طرد العمال من تعويضهم، ما دفع شريحة واسعةً منه إلى التصعيد ومحاولة رفع شكايات للقضاء، على أمل أن يحصلوا على حقوقهم، غير أن المحاكم، ونظرا لأن القيود والإجراءات المعمول بها، شملتها هي الأخرى، بعدما حوّلت عملها إلى “عن بعد”، لم تتطرق إلى عددٍ كبيرٍ من الملفات إلى حدود اللحظة.
وسيراً على نفس منوال بقيةِ الشركات، قررت مجموعة من مقاولات البناء، تسريح عدد كبير من العمال، بغيةَ تقليص نفقاتها، وتفادي أي احتمال للإفلاس، متسببةً في إجبار آلاف المشتغلين بها، على البحث عن عمل جديد في مرحلة استثنائية مرت بها البلاد، مع مطالبتهم بمنحهم التعويضات اللازمة، بناء على ما تنص عليه القوانين المعمول بها في سوق الشغل.ذ
وبالرغم من مرور عدة شهور على قرار الشركات تسريح العمال، إلا أن أغلبهم، ما زالوا ينتظرون قرار المحكمة بخصوص الشكاوى التي تقدموا بها، ضد المقاولات التي كانوا ينتمون إليها، والتي طالبوا من خلال بالحصول على التعويض عن الفصل، لاسيما وأن شريحةً واسعةً منهم، ما تزال، إلى حدّ الآن، من دون عملٍ قارّ، وتحاول جنيّ قوتِ يومها من خلال مهنٍ يومية غير مستقرّة.
وفي هذا السياق، قال يوسف، وهو عاملُ بناءٍ، تم تسريحه من قبل شركة بناء بإقليم الحسيمة، في شهر مارس الماضي، مباشرةً بعد قرار الحكومة فرض إجراءات الحجر الصحيّ، ما دفعه إلى التقدم بشكايةٍ إلى محكمة الابتدائية بتارجيست، بغيةَ الحصول على حقه، إن الملفّ لم يتم الحسم فيه إلى حدود اللحظة، على أمل أن يحدث ذلك قريباً.
وجاء في الشكاية التي تقدم بها يوسف إلى المحكمة، والتي توصلت “بناصا” بنسخة منها، بأنه بدأ العمل مع الشركة التي تتخذ من حي سيدي عابد بالحسيمة مقرّاً لها، وتُشرف على مجموعة من المشاريع في الإقليم، منذ 8 أكتوبر سنة 2017، عبر إحدى أوراش البناء بجماعة بني بوفراح، حيث بقي يشتغل معها دون انقطاع، ودون الاستفادة من الراحة الأسبوعية والسنوية والعطل الدينية والوطنية والتعويضات العائيلة، حسبه.
وتابعت الشكاية، بأنه تفاجأ في الـ 20 من شهر مارس الماضي، وهو أول أيام بدء سريان مفعول الحجر الصحي الذي كانت قد أعلنت عنه الحكومة للتصدي لتفشي فيروس كورونا في البلاد، بما أسماه “طرده تعسفيا ومن دون سابق إنذار”، منبهاً المحكمة بأنه سبق وأن تقدم بشكوى لمندوبية الشغل، بغةَ التوصل لصيغة متوافق عليها لإنهاء النزاع دون الوصول للقضاء، ولكن دون جدوى، وفقه.
وطالب المتضرر من قرار التسريح، المحكمة المذكورة، بأن “تقضي بعودته إلى العمل، مع تمكينه من كافة التعويضات العائلية وباقي الحقوق القانونية من راحة أسبوعية وعطل سنوية ودينية ووطنية”، إلى جانب التماسه من المؤسسة القضائية فرض “غرامة تهديدية مقدرة في 200 درهماً، عن كلّ يوم تأخير عن تنفيذ الحكم”.
وفي سياق متصل، أعربت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عن قلقلها الشديد، من استمرار ما أسمته ب،”التدهور الخطير للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية”، لفئة كبيرة من المواطنين، مقابل ما اعتبرته تجاهلاً من الدولة، موضحةً أن شرائح مختلفة يتقدمها العمال والمياومون، تعيش ظرفية قاهرة، دون أن تتوفر على مصدرٍ للعيش.
ونبهت الجمعية في بلاغٍ لها، إلى أن هناك تماطلاً في التعامل مع قضايا العمال المسرحين المعروضة أمام مجموعة من المحاكم في المغرب، بحجة حالة الطوارئ الصحية وظروف كورونا، مؤكدةً تضامنها مع كلّ العمال الذين اختاروا الاحتجاج بعددٍ من المدن من أجل المطالبة بحقوقهم، ومنددةً في الوقت نفسه، بـ”المنع” الذي يمسّ الوقفات الاحتجاجية.
تعليقات الزوار ( 0 )