كثيرا ما تنبأت السينما بحروب وكوارث طبيعية أو اختراعات بشرية، وفي ظل تفشي وباء كورونا في الصين وانتشاره منها للعديد من دول العالم نستعيد فيلم “العدوى” (contagion) الذي عرض لأول مرة عام 2011 للمخرج الأميركي ستيفن سودربيرغ، وبطولة كل من مات ديمون وكيت وينسلت وماريون كوتيار.
يدور الفيلم حول الثيمة الأميركية الشهيرة التي تحذر من فناء البشرية بسبب انتشار عدوى مرض غير معروف، يبدأ الفيلم بمسح للتعداد السكاني في مدن عدة من دول العالم، مع لقطات لأشخاص يبدو عليهم التعب، ثم يموتون فجأة بعد تزايد حدة الأعراض الشبيهة بأعراض مرض الإنفلونزا، ومع انتشار الوباء عالميا يبدأ المتخصصون في تتبع مصادر الفيروس، ليعرفوا أنه انتقل من سيدة أميركية كانت في زيارة لمدينة هونغ كونغ.
يرصد الفيلم اللحظات الإنسانية خلف الأحداث المرضية الكارثية، والعلاقات بين الأب وابنته وكيف يحاول حمايتها بأكثر الطرق شراسة، ويعرض من خلال اللقطات القريبة كيف تتحول الأنشطة اليومية العادية مثل الطعام والشراب والمصافحة إلى أنشطة قاتلة يمكن أن تنقل العدوى، ومشاعر كل شخص عندما يشعر أنه مريض محتمل.
كما يصور الفيلم أحداث الفوضى التي يمكن أن تحدث نتيجة انتشار الوباء عالميا عندما تقل الموارد والأدوية والغذاء، ويتحول البشر إلى أشخاص بدائيين لا يهتمون بتنفيذ القانون أو القواعد، ويبقى اهتمامهم الأول هو الطعام والشراب والحصول على جرعات الدواء حتى لو على حساب بعضهم بعضا.
يبدو أداء الممثلين في الفيلم شديد الواقعية، خاصة مع تصوير بعض مشاهد الفيلم تحت إشراف منظمة الصحة العالمية في أتلانتا، واستعانة سودربيرغ بآراء العلماء والأطباء بشأن مراحل تطور الفيروسات، والحقائق العلمية التي تخص عملية نموها، وصناعة الأمصال الخاصة بها، والتفاصيل الخاصة بالوقاية ومنع انتشار المرض.
ومع مرور الأيام، يكتشف العلماء المزيد عن المرض ويحاولون صنع مصل مضاد له، خاصة مع ارتفاع عدد الضحايا لأكثر من 70 مليون شخص حول العالم.
في مرحلة صناعة الأمصال يتناول الفيلم تلك الاستثمارات القاتلة والمكاسب والأطماع التي تحاول استغلال موت وفناء البشر، وحاجتهم إلى العلاج للترويج لمنتجاتهم العلاجية غير الفعالة، لجني ثروات كبيرة من وراء فزع البشر من الفيروس.
من أهم مشاهد الفيلم مشهد خطف الطبيبة ماريون كوتيار مبعوثة منظمة الصحة العالمية من قبل طبيب صيني ضرب المرض قريته ولم يتبق منها سوى 100 شخص، أغلبهم من الأطفال، ليضغط على المنظمة لتمده بالمصل.
تلك الحكاية الفرعية توضح أن الدول والحكومات لا تعامل البشر كلهم سواء، لكن يبقى دائما بشر يتمتعون بمزايا أكثر من بشر آخرين، فالطبيب الصيني لم يجد طريقة للحصول على المصل لأطفال قريته سوى بخطف الطبيبة الأميركية لتضعهم منظمة الصحة العالمية كما قال “في مقدمة صف الحاصلين على المصل”، وتتأكد وجهة نظره غير الإنسانية للمنظمة عندما نكتشف أن الأمصال التي أرسلتها المنظمة إلى القرية الصينية أمصال وهمية من أجل إنقاذ الطبيبة الأميركية فحسب.
وعلى الرغم من ظهور نماذج شريرة في الفيلم سواء أطباء غير إنسانيين أو جهات لا تفكر سوى في الاستثمارات، أو الصحفي الذي يحاول بث الرعب في نفوس الجماهير لصالح شركات الأدوية فإننا نجد الطبيب الذي كسر كل القواعد الطبية ليعالج أكبر قدر من الناس، وابنته الباحثة التي لا تتردد في تجربة المصل على نفسها لتتأكد من فعاليته قبل توزيعه على الجماهير.
مع استمرار التحريات الخاصة بمنظمة الصحة العالمية يبدأ الأمر بالتكشف، لنعرف أن بداية المرض ظهرت بسبب خفاش نقل المرض إلى خنزير في إحدى المزارع، فأصبح الخنزير حاملا للمرض، ثم قام أحد طباخي المطاعم بطبخ لحم الخنزير، وصادف أن صافح الطباخ السيدة الأميركية دون أن يغسل يديه بالماء والصابون، ومن هنا بدأ الوباء في الانتشار.
ربما إذا شاهدنا الفيلم في وقت عرضه الأول عام 2011 فلن ننظر إليه إلا كفيلم متقن يتعرض لثيمة شهيرة من ثيمات سينما هوليود، لكن عند مشاهدة الفيلم في وقتنا الراهن، ومع انتشار فيروس كورونا من مدينة ووهان الصينية نتيجة وجود الخفافيش والخنازير ضمن طعام أهل المدينة نتساءل: كيف يمكن أن تتنبأ السينما بالأحداث بكل تلك الدقة؟
تعليقات الزوار ( 0 )