شارك المقال
  • تم النسخ

“العدالة والتنمية”.. من الصعود لقمة الساحة السياسية المغربية إلى “الأفول”!!

يجمع جل المتتبعين لمسارات الإسلام السياسي، أن الجذور الموضوعية والنوعية لحزب العدالة والتنمية المغربي، تعود إلى تنظيم الشبيبة الإسلامية، الذي أسسه عبد الكريم مطيع سنة 1969، باعتباره تعبير عن تجربة الإسلام السياسي الإخواني الناشئ آنذاك. حيث تمكن هذا التنظيم من الحصول على الترخيص القانوني سنة 1972، وذلك في سياقات اتسمت بالصراع بين النظام الملكي، من ناحية وبعض التنظيمات الماركسية اللينينية وجزء من الحركة الوطنية، والجناح الانقلابي في الجيش، من ناحية أخرى. لكن التنظيم السالف الذكر، سيعرف أزمة حادة بعد اتهام أعضائه وقيادته باغتيال الزعيم اليساري عمر بنجلون سنة 1975، ليتم حله سنة 1976. مما أدى إلى تفككه وانفصال مجموعة من أعضائه عنه، ليؤسسوا إطار عمل جديد سيعرف فيما بعد باسم “الجماعة الإسلامية”، التي قادها كل من عبد الإله بنكيران، محمد يتيم، عبد الله بها، سعد الدين العثماني، ومحمد عز الدين توفيق.
مراجعات من أجل الشرعية:

منذ سنة 1981 بدأت الجماعة الإسلامية بعملية مراجعة شاملة، همت أسلوبها في العمل ومواقفها واختياراتها، ومن ذلك الاعتراف العلني بالملك باعتباره أميرا للمؤمنين وبأن الدولة الإسلامية قائمة دستوريا في المغرب.
وقد عبرت هذه الجماعة منذ مراحلها الأولى، على استعدادها لتحقيق توافق مع السلطة، وترجيحها للنظرة الإصلاحية، التي تعتقد بإمكانية التغيير من داخل النسق المؤسساتي للدولة، وفق منهج يضمن التعايش والعمل العلني، في إطار جمعوي لا يمس بمشروعية المؤسسة الملكية وصلاحياتها.

وذلك ما عبر عنه منظرها الإيديولوجي محمد يتيم، خلال تقييمه لعمل الجماعة سنة 1985، قائلا: إنه من غير المعقول التمادي في سلوك أعمى مناهض للنظام، لأن المغرب أساسا دولة أصولية، وأشار إلى أن الوضع في المغرب يتطلب مقاربة خاصة لأن الإسلام في المملكة ليس مشكل نظام.

هذه النظرة تجاه النظام السياسي، شكلت تحولا مفصليا في نهج هذا التنظيم، بخاصة وأنها توافقت-على الأقل آنذاك-مع تصريحات الراحل الحسن الثاني، الذي أكد أكثر من مرة “أن المغرب في منأى عن موجة التطرف التي عرفتها دول إسلامية أخرى، وأن المغرب بلد أصولي وأنا نفسي شخصيا وكأمير للمؤمنين أول الأصوليين”، يردف الراحل الحسن الثاني. وذلك في الحقيقة من منطلق “تجميعه لعدد هائل من المشروعيات؛ فهو الذي يحكم ويراقب، وهو أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، من خلال ترأسه للجنة القدس، وهو شريف بحكم انتمائه إلى البيت النبوي.

لذلك ظل النظام الملكي المغربي، طيلة فترة الحسن الثاني ولا يزال حتى في عهد محمد السادس، يجمع بين”الإسلام”و”الوطنية”و”الحداثة” في شخص الملك/ الإمام/ أمير المؤمنين، باعتبارها ميكانيزمات لاحتواء المكونات السياسية التي قد تناهض احتكاره للسلطة السياسية.

وقد سبق لإدريس البصري الرجل القوي، في نظام الراحل الحسن الثاني، أن صرح قائلا: إن الهدف من الترخيص للإسلاميين هو ترويضهم بشكل أفضل بدل إقفال الباب في وجههم وتركهم يتطرفون أكثر وبالتالي يصبحون خارج المراقبة.

مقدمات من أجل المشاركة السياسية:

ظلا هاجس طمأنة السلطة وتأكيد التشبث بالخيار السلمي، مهيمنان على الخط السياسي لهذا التنظيم الإخواني، وعلى الخطاب المروج من قبله. وفي هذا السياق عمل على تغيير اسمه من “الجماعة الإسلامية” إلى حركة “الإصلاح والتجديد”، بحثا عن الشرعية القانونية. وفي سنة 1994 ستعرف الجماعة تغييرا على مستوى قيادتها، تمثل في استبدال زعيمها السياسي عبد الإله بنكيران بمنظرها الإيديولوجي محمد يتيم، صاحب كتاب “منهج الاختيار الحضاري”، الذي حدد فيه الخطوط العامة لمنهجية عمل “الجماعة”، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:

– نبذ العنف بكل أشكاله؛
– نهج الحوار والدعوة السلمية؛
– فك حالة الاشتباك مع السلطة السياسية العليا، والاعتراف بشرعيتها الدينية والدستورية؛
– الاعتراف بالرأي والرأي الآخر وبتعددية الحقيقة الفكرية والسياسية ونسبيتها.

وقد تكلل كل هذا بحدثين أساسيين:

أولهما: انضمام جل قيادتها وأطرها إلى حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية بزعامة رجل “المخزن” الراحل عبد الكريم الخطيب في يونيو 1996 – بعد مؤتمر استثنائي- أقر قبله/خلاله الضيوف الجدد الالتزام بنبذ العنف والعمل تحت سقف إمارة المؤمنين؛

ثانيهما: توحيد حركة الإصلاح والتجديد مع رابطة المستقبل الإسلامي في غشت 1996، التي كان يتزعمها أحمد الريسوني، تحت اسم “التوحيد والإصلاح”. (للاستزادة يراجع الدكتور محمد الشيخ بانن: الدولة في فكر الجماعات الإسلامية في المغرب: دراسة حالات، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة أطروحات الدكتوراه، بيروت لبنان، الطبعة الأولى 2016).

الإخوان في البرلمان: من الشرعية إلى المشروعية

نتيجة لما تقدم شارك الحزب – الذي تم تفعيله بالإخوان في الانتخابات التشريعية، بعد أن دأب على مقاطعتها منذ حالة الاستثناء سنة 1965- في الانتخابات التشريعية لسنة 1997 وحصل على 14 مقعدا. وفي سنة 1998 قرر مجلسه الوطني تغيير اسمه، ليحمل اسم حزب العدالة والتنمية. حيث نص نظامه الأساسي على أنه “حزب سياسي وطني يسعى، انطلاقا من المرجعية الإسلامية وثوابت الأمة الجامعة، في إطار نظام المملكة القائم على الملكية الدستورية الديموقراطية البرلمانية الاجتماعية وفي نطاق مؤسساتها الدستورية، إلى الإسهام في بناء مغرب حديث وديموقراطي، ومزدهر ومتكافل، مغرب معتز بأصالته التاريخية ومسهم ايجابيا في مسيرة الحضارة الإنسانية.( …) كما يعتمد الحزب الديموقراطية الداخلية في اتخاذ القرارات والتكليف بالمسؤوليات ووضع الرؤى والبرامج، وفي التداول على المسؤولية على أساس التعاقد بين المسئولين والهيئات التنفيذية والهيئات ذات الاختصاص الرقابي، كما يعمل على تعزيز موقع المرأة والشباب داخل الأجهزة الرقابية والتنفيذية للحزب”.

إذا كانت المشاركة الرسمية الأولى لهذا “الفرع الإخواني”، على الأقل على مستوى إديولوجيته وسلوكه السياسي، في سنة 1997، تعتبر أهم ما ميز تلك الانتخابات، فإن النتائج التي حصل عليها حزبهم الحديث: العدالة والتنمية، شكلت المفاجأة الرئيسية لانتخابات 2002، حيث حصل على 42 مقعدا، 37 منها فاز بها أعضاء من حركة التوحيد والإصلاح، ما يزكي القول بأن الحزب امتداد موضوعي ونوعي لحركة التوحيد والإصلاح، بل هو المعبر السياسي عن مشروعها الاجتماعي، ولاشك أن هذا الوضع قد تكرس بعد تأسيس حزب النهضة والفضيلة الذي لم يتأثر حزب العدالة والتنمية بانشقاقه عنه، حيث حصل على 47 مقعدا في الانتخابات التشريعية سنة 2007، بينما لم يحصل الحزب المنشق سوى على مقعد واحد. أما في الانتخابات التشريعية ل 25 نونبر 2011 فقد حصلت العدالة والتنمية على 107 مقعدا، محتلة بذلك الرتبة الأولى، مما أهلها لقيادة الحكومة المنبثقة عنها.

نخلص مما سبق، إلى أن السر من وراء اندماج حزب العدالة والتنمية، باعتباره امتداد “لحركة التوحيد والإصلاح”، في المنظومة السياسية الرسمية، هو تخليه عن الراديكالية السياسية لتنظيم الشبيبة الإسلامية ومراجعته لخطه الأيديولوجي، بما يتلاءم والمبادئ التي يرتكز عليها النظام الملكي القائم في المغرب.

الحكومة في يد الإخوان: من المعارضة المؤسساتية إلى “الحكم” !

مكن التعديل الدستوري لفاتح يوليوز 2011، من خلال الفصل 47، حزب العدالة والتنمية من قيادة الحكومة، المنبثقة من اقتراع 25 نونبر 2011، بعدما تصدر نتائجها. وقد تشكلت الحكومة السالفة الذكر من خليط حزبي هجين؛ تفاعل فيه الإسلام السياسي وبعض الشيوعيين التقليديين واليمين المحافظ وجزء مما يصطلح عليه بأحزاب الإدارة، كل ذلك في خضم الانتفاضات ذات “المثل الثورية”، التي شهدها المغرب، شأنه شأن باقي أقطار مغاربية وعربية عدة. والتي تم حرفها، في المحصلة، عن أهدافها في تحقيق الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وجعلها أداة لخدمة أجندة أجنبية لتفكيك الأوطان، عبر إذكاء التطرف والاقتتال الداخلي، على أسس طائفية واثنية قذرة، لاتزال تداعياتها سارية المفعول إلى يومنا هذا.

لكن ما ميز حكومة الإخوان، أثناء إدارتها للشأن العام، هي تلك الإجراءات القاسية، التي اتخذتها ضد الشرائح الوسطى والفقيرة. ومنها رفع أسعار بعض المواد الاستهلاكية: مثل المحروقات، رغم الانخفاض الذي عرفته على المستوى الدولي. والرفع من سن التقاعد وإصلاح صندوق المقاصة الذي كانت له تداعيات سلبية على قوت المواطنين، والاقتطاع من أجور المضربين، خارج الأطر القانونية، وتهميش النقابات واذلالها سياسيا وقمع الحريات وتنامي الفساد داخل الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية وعدم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
كل ما تقدم، تناغم اقتصاديا مع توصيات المؤسسات الدولية وعبر سياسيا عن صراع ناعم بين أطراف الحكم، كان من تجلياته:

أولا: انحدار الخطاب السياسي، من خلال تلك المصطلحات الساقطة في بعض الأحيان، التي وظفها رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، بعنجهية مفرطة، ضد كل من خالفه الرأي، بشكل أثار انتباه الجميع. ومن ذلك اتهامه لجهات معلومة/ مجهولة بالتحكم وعرقلة عمليات الإصلاح التي تقودها حكومته!!.

ومن بين هذه الجهات؛ بعض مستشاري الملك، وبعض رجال السياسة: الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، حميد شباط، حليفه في حكومته الأولى والأمين العام للاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، والأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة الياس العماري وبعض النساء البرلمانيات. إلخ.

مقابل هذا، استمر بن كيران في توظيف الخطاب الديني، بطريقة متواترة، إلى جانب تمجيد الملك والتزلف له، بل تنازل عن بعض صلاحياته الدستورية لصالحه. والهدف ها هنا، هو كسب ثقته ومحاولة “عزله” عن محيطه، حسب بعض المتتبعين.

ثانيا: فهمت المؤسسة الملكية، حسب البعض، التكتيك الإخواني الجارف نحو “التمكين”، فرد الملك بخطابات نارية؛ كان أبرزها ذاك الذي تساءل من خلاله عن الثروة، وإصلاح الإدارة. إلخ، مجددا دعوة الحكومة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية. إضافة إلى الهيمنة المستمرة على المشهد الداخلي والخارجي، بل وصل الأمر إلى درجة أن رد الملك بشكل غير مباشر على بن كيران، من خلال دعوة جميع الأحزاب إلى الثقة في المؤسسات الدستورية وأنه ملك جميع المغاربة وفوق كل الأحزاب وأن مستشاريه لا يتحركون إلا بإمرته.

وقد تكلل ما سبق، بتكليف، بن كيران بتشكيل الحكومة الجديدة، بعدما تصدر حزبه انتخابات مجلس النواب ليوم 07 أكتوبر 2016، ب 125 مقعدا.

عندها تنفس الإخوان الصعداء، لكنهم أخفقوا في تشكيل هذه الحكومة، في حيز زمني تجاوز خمسة أشهر، بعد مشاورات وتصريحات واتهامات بخاصة عندما قال بن كيران: ” لا يمكن أن يفرج الملك كروب شعوب إفريقيا وشعب المغرب في المقابل يهان”. بعد هذا الإخفاق تدخل الملك، مؤولا الدستور الذي لم يتحدث عن هذه الواقعة، من خلال الصلاحيات التي منحها له الفصل 42، لينهي تكليف بن كيران ويكلف الرجل الثاني في ذات التنظيم، سعد الدين العثماني رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، بتشكيلها من جديد.

ذلك أن الفصل 47 من دستور فاتح يوليوز 2011 لم يتحدث عن فترة تشكيل الحكومة وحيثيات ذلك، وإنما تحدث عن ضرورة تعيين الملك لرئيسها من الحزب السياسي الذي تصدر نتائج انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها وتعيين باقي أعضائها باقتراح من رئيسها. والتعيين بطبيعة الحال، يأتي بعد التكليف، أي بعد نجاح عملية تشكيل الحكومة من طرف من كلف بذلك. بمعنى أن التعيين يترتب عنه عرض البرنامج الحكومي من طرف رئيسها أمام انظار مجلسي البرلمان، ليتم تنصيبها بعد حصولها على ثقة مجلس النواب (الفصل 88 من الدستور).

تكليف بن كيران لم يفض إلى تعيينه، لأنه لم ينجح في تشكيل أغلبية حكومية. لذلك لجأ الملك، بناء على الفصل 42، وانسجاما مع الفصل 47 إلى تكليف سعد الدين العثماني، وبقي بذلك ضمن المحددات الدستورية القائمة، والتي شكلت وستشكل عائق حقيقي ما لم يتم تعديلها، لأنها لم تتطرق إلى الآجال التي يجب أن تشكل فيها الحكومة، من ناحية كما لم تقدم بدائل أخرى في حالة اخفاق الحزب الذي تصدر الانتخابات في تشكيلها، من ناحية أخرى.

لا شك أن المنظومة الرسمية تعرف جيدا أن حزب العدالة والتنمية هو القوة السياسية المنظمة التي تعمل من داخل المؤسسات وتوظف الدين بطرق ناعمة؛ ولها جمعياتها المدنية الخاصة بها وذراعها الحركي المهيمن؛ التوحيد والإصلاح وكذلك ذراعها النقابي الوازن؛ الاتحاد الوطني للشغل، وذراعها الطلابي؛ منظمة التجديد الطلابي. خاصة وأن الحزب أثناء قيادته للحكومة استمر في التغلغل داخل مفاصل الدولة بل استمر في تسويق خطاب سياسي راديكالي وكأنه في المعارضة. وهذا ما جعل العديد من المتتبعين يتساءلون عمن يحكم في المغرب ؟؟!!، بعد أن أكثر أعضاء الحزب من استعمال مفهوم التحكم!!، وما ترتب عن ذلك من ردود من طرف الملك؛ منها أين الثروة وأنه فوق الأحزاب السياسية وملك جميع المغاربة.

هذه التداعيات السياسية وبخاصة تكليف سعد الدين العثماني، انعكست سلبا على حزب العدالة والتنمية. على اعتبار أن بن كيران، حسب المعلن، كان ينفذ توصيات الأمانة العامة للحزب، التي كانت بدورها تنفذ توصيات المجلس الوطني. وبالتالي فنجاح العثماني، واعلانه عن تشكيل ائتلاف حكومي، من ستة أحزاب، بما ناهز 240 مقعدا من 395 مقعد، وفي ظرف وجيز يقود إلى طرح ما يلي:

• إما أن بن كيران كان يقود المفاوضات بشكل أحادي وبالتالي فالإخفاق اخفاقه وليس اخفاقا للحزب، أو أن العثماني شكل هذا الائتلاف بشكل انفرادي ومن ثمة فنجاحه ليس نجاحا للحزب؛

• وإما أن هناك تيارات داخل الحزب، لها وزنها وعلاقاتها، ساعدت العثماني، وأفشلت بن كيران؛ بخاصة بعد مشاركة الاتحاد الاشتراكي، الذي اعترض عليه بن كيران بقوة.

لا شك أن هذه الأحداث كان لها تأثيرها على مصداقية أجهزة حزب العدالة والتنمية، كما قادت كذلك إلى التساؤل حول عمليات اتخاذ القرار داخل هذه الأجهزة. وبوادر ذلك، ظهرت في حينه من خلال التصريحات والتدوينات الصادرة عن بعض قيادييه، التي شككت في مصداقية حكومة العثماني، بل منهم من توقع أن تكون خادمة ” للمخزن” وكأن الأولى كان تعارضه !. لكن البعض الأخر لجأ إلى توظيف خطاب ديني راديكالي، للتغطية على ما حصل/يحصل، لخلق الاعتقاد لدى قواعده، أنه لا يزال على “الخط” المفترض؛ خط “حلف الفضول” كما قال نائب الأمين العام للحزب، رغم أنه وقع في المحظور، وكشف عن طبيعة الحزب غير المرغوب فيها !!

والمحصلة أن الائتلاف الحكومي الذي قاده العثماني، عانى كسابقيه، من عدم الانسجام والتخبط، نتيجة وجود مكونات هجينة؛ ليس على أساس المحددات السياسية والإيديولوجية، وحسب، ولكن على أساس الأهداف المتناقضة.

ذلك أن العدالة والتنمية تنظيم عابر للطبقات، رغم أن العمود الفقري لهذا التنظيم هي الشرائح الوسطى المتعلمة، التي تعرضت في عهده الحكومي، لإفقار اقتصادي واذلال سياسي واقصاء ثقافي. جعل هذا التنظيم في تناقض شديد؛ كان من تجلياته، دفع جزء من قواعده في اتجاه أكثر تشددا، وهو ما اتضح خلال الفترة التي استغرقها بن كيران في تشكيل الحكومة. في المقابل هناك قطاعات من الفئات الوسطى التقليدية وبعض الذين استفادوا من مشاريع استثمارية متوسطة وصغيرة وكذلك أولئك الذين تحملوا مسؤوليات كبيرة في هرم الدولة خلال حكومته السابقة، دفعت باتجاه البحث عن حلول توافقية مع باقي الأطراف؛ المؤهلة في الأصل لهكذا توافقات!!

كل ما تقدم، نتج عنه تذبذب عملاني وغموض سياسي، سهل التحكم في هذا التنظيم وتقليم ما بدأ من أظافره. ذلك أن عدد المشاركين في الانتخابات، التي أفرزت حكومته الثانية، لم يتجاوز ستة ملايين و750 ألف، من ما يناهز15 مليونا و700 ألف مسجل في اللوائح الانتخابية، بينما النسبة الحقيقية للمغاربة الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات تقارب 26 مليون، من ما يقدر ب 34 مليون، بحكم أن كل من هو فوق سن 18 يحق لهم التصويت. فيما عدد مليون و600 ألف صوت تقريبا، التي حصل عليها العدالة والتنمية لا تخوله التأثير في مسار السياسات المتبعة؛ بخاصة وأن أجنداته ذات طبيعة أخلاقية أكثر منها سياسية أو اقتصادية، رغم أنه القوة السياسية الرسمية المنظمة، التي ساعدها توظيف الدين في تكوين قاعدة متماسكة، عكس باقي الأحزاب المنافسة له، التي تفتقد إلى الخلفيات الإيديولوجية والمشاريع السياسية المؤثرة.

الإخوان خارج الحكومة: تراجيديا السقوط

شكلت الانتخابات المهنية والبرلمانية والترابية التي عرفها المغرب خلال هذه السنة 2021، نذير شؤم لحزب العدالة والتنمية، الذي اعتقد أنه سيخلد في مقالد السلطة لولاية ثالثة. لكن مؤشرات انهياره، بدأت منذ فشل/إفشال بن كيران في تشكيل الحكومة الثانية ونجاح/إنجاح سعد الدين العثماني في ذلك. وما ترتب على هذا من تداعيات تنظيمية وأخلاقية على صعيد بنية الحزب وسلوكه، بعدما تبين بالملموس أن قيادته لا تمتلك الشجاعة السياسية لمواجهة توجهات الحكم، بقدر ما تتقن أسلوب التملق والتزلف والتباكي، وتسويق نفسها صوتا معارضا، ربما، لسياساتها. ذلك أنها لم تكن ملزمة بالبقاء في الحكومة، إذا كان هناك من يعرقل عملها.

كل ما تقدم، قاد إلى تراجع ذراع الحزب النقابي، وبخاصة في التعليم المدرسي، في الانتخابات المهنية، بحيث أضحى خارج التمثيلية. علما أن جل أعضاء الحزب يتشكلون من أساتذة التعليم المدرسي. هذا المؤشر على تراجع الحزب، تعزز قبل الانتخابات، عندما شهد التنظيم رحيل جماعي للعديد من أعضائه تجاه أحزاب أخرى، كان ينعتها بأقدح النعوت. كما إن الحملة الانتخابية، الخاصة بمجلس النواب والمجالس الترابية، شهدت رفضه من طرف الشعب في أكثر من مدينة، بحيث تعرض أتباعه للطرد والتضييق من طرف بعض المواطنين الذين اتهموه بالنفاق والخذلان. لكن، نتيجة هذه الانتخابات، بخاصة النيابية، مثلت المفاجأة، غير المتوقعة، بحيث حصل الحزب على المرتبة 12، ب 13 مقعدا، بدل 125 مقعد الذي حصل عليها في انتخابات 2016. فيما كنا نقدر أنه سيحتل المرتبة الرابعة ب 40 إلى 50 مقعدا.

هذا السقوط المدوي، ما هو، في المحصلة، إلا نتيجة لنهج الغموض والالتباس، الذي انتهجه الحزب أثناء تدبيره للشأن الحكومي، زهاء عقدين من الزمن، كانت حالكة بكل المقاييس بالنسبة لجل المغاربة. ذلك أن لسانه كان في المعارضة وممارسته في الحكومة. وما ارتفاع الأسعار ومعدلات البطالة وانفراد الحزب وتحالفه الحكومي بسن القوانين وضرب الحريات وغض الطرف عن الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة، إلا دليل على طبيعته الحقيقية. زد على ذلك تأييده للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، بعدما كان يناهض ذلك ويستثمر، سياسيا، فيه لعقود.

تراجع العدالة والتنمية، يأتي في سياق إقليمي تشهد فيه جل جماعات الإسلام السياسي، بخاصة الإخوانية، تراجعا ملموسا، ليس من جراء التضييق عليها ومحاربتها من طرف بعض الأنظمة ولكن نتيجة لأخلاقها السياسية المراوغة وممارستها الانتهازية، التي لم تقطع مع رغبتها في التمكين والسيطرة والتفرد بالقرار، من جهة ومداهنة الحكم، كما هو الحال في المغرب، من جهة ثانية وخدمة الرأسمال النيوليبرالي والارتماء في أحضانه، من جهة ثالثة، وغض الطرف عن الفساد ومحاولة تبريره، من جهة رابعة، والتفنن في مواجهة الحركات النقابية والمدنية، وشيطنتها، من جهة خامسة. كلها عوامل، في اعتقادي، أسهمت في أفول جماعات الإخوان، بما فيها حزب العدالة والتنمية، التي كان حريا بها أن تنخرط في دمقرطة المدخل السياسي وتقوية البناء المؤسساتي وصيانة استقلالية القرار الوطني.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي