في سابقة من نوعها وعن طريق الصدفة تم العثور على أدوات نادرة من النحاس بمنطقة أوسرد الصحراوية، التابعة لجهة الداخلة وادي الذهب من طرف منقبين عن الذهب تعود للعصر الحجري النحاسي، وتتجلى أهمية هذا الاكتشاف حسب بيبا سيدي أحمد، الباحث في مجال الأركيولوجيا، وعضو جمعية هدايا السماء للشهب والنيازك السمارة ، في أهمية التراث المادي واللامادي والأركيولوجي الذي تزخر به المناطق الصحراوية باعتبارها تحتوي على معالم وأثار من “العصر الحجري الحديث وعصر ما قبيل التاريخ في عدة مناطق من الأقاليم الصحراوية الجنوبية.
وقال البحث إن اكتشاف أدوات معدنية من النحاس والرصاص المعدن في منطقة أوسرد يرجح فرضية وجود معامل لهذا الغرض كان يستعملها الإنسان القديم لذوبان المعادن .
ويضيف الأستاذ الباحث أن هذه الاكتشافات ستكون رصيدا إضافيا لإغناء هذا الموروث الثقافي للمنطقة بشكل خاص ولمنطقة الصحراء الكبرى بشكل عام، حيث لم تكن كما هي عليه اليوم ارضا جافة ، اذ كانت الى حدود 4000 سنة قبل الميلاد او ربما ابعد من ذلك ،ارضا خصبة معشوشبة مشابهة لأرض السفانا ،تعرف أمطارا منتظمة ووديانا دائمة الجريان، الا انه بعد ذلك وقع تغيير في المناخ معروف لدى الرؤيا العلمية بالصيف الطويل ، وهي فترة جافة تاتي بين دورين جليديين وهي المعاشة حاليا بمنطة الصحراء الكبرى ، وقد اشارت الدراسات العلمية انه في المليون سنة الاخيرة للحياة البشرية عرفت اربع ادوار جليدية بالنسبة لاوربا ،وهي غومز ويمتد من مليون وخمس مائة سنة الى 650000 سنة قبل الميلاد ،تليه حقبة مندل من 500000 الى 450000 سنة قبل الميلاد، ثم ريس من 350000 الى 250000 سنة قبل الميلاد، بعد ذلك يأتي وورم من 15000 الى 10000 سنة ق م ،علما انه يسجل فترات سميت بما بين الجليدية تراوحت بين 100 سنة او اكثر ،اما عن المغرب فقد عرف ستة ادوار جليدية حددت في الملوياتي ،والسالوي ،والعاميري ،والتانسيفتي ،والسلطاني ،والغربي ،الخمسة الاوائل حددهم غابرييل شوبيرت وآخرون معه سنة 1956 ، أما الركراكي فقد أضافه غابرييل نفسه سنة 1959 بين الملوياتي والسالوي باعتبار ان الغربي ليس إلا نص دورة جليدية، كلها تدخل في الزمن الرباعي وتبقى طبعا هاته الادوار تعرف اختلافا كبيرا لدى الباحثين والعلماء من حيث الفترة الزمنية الحقيقة لها، أي زمن البداية والنهاية.
كل هذا الكم العلمي والجمالي يجعل من الصحراء ككل ومن مدينة السمارة خصوصا قطبا علميا وسياحيا مهما إذا ما تم استثماره على أحسن وجه، وما تم العثور عليه إلا بداية بحث ميداني حديث اللقى الأثرية المعدنية والفخارية ،اضافة الى مواقع النقوش الصخرية والمغارات والمناطق الطبيعية التي تدخل في اطار التراث الطبيعي،زيادة على التنوع الجغرافي الذي تحفل به المنطقة وهو الأمر الذي يفتح الابواب على السياحة الطبيعية ودخول البعثات العلمية التي من شئنها ان ترفع من قيمة المنطقة سياحيا وثقافيا وعلميا سواء على الصعيد الإقليمي والجهوي وحتى الوطني والدولي.
من خلال هذا المقال سنحاول تسليط الضوء عل بعض الشواهد المادية التي تم العثور عليها في إطار بحث ميداني من طرف “جمعية هدايا السماء للشهب والنيازك السمارة” والتي كان لنا فيها وافر الحظ ان نكون من بين اعضائها لتداخل تخصصنا المدروس مع اهداف عملية البحث والعمل الميداني ،وهو الذي تمخض عن اكتشاف تاريخي جديد يتمتع بفرادة غير مسبوقة بمنطقة الصحراء ككل ، حيث توصلت الجمعية بتلك الأدوات البدائية المعدنية وهي في أيادي أمينة ولله الحمد،
حيث تمت معاينتها وتفحصها بشكل دقيق مرجحين من خلال دراسة شكلها وأسلوب الصناعة والمادة المصنوعة منها ومقارنتها بأدوات مثيلة لها تم العثور عليها في اماكن اخرى خارج المنطقة ،على انها تعود الى المجموعة الثالثة من المجموعات البشرية المتعاقبة في العصر الحجري الحديث،وتجدر الاشارة الى ان هذا العصر عرف تعاقب خمس مجموعات بشرية ،اولها المجموعة البائدة او مجموعة البوشمان قبل 5000 سنة قبل الميلاد، تليها مجموعة رعاة البقر من 4500 الى 2500 سنة ق م، تأتي بعد ذلك مجموعة الفرسان من 2500 الى 1600 ق م ، تليها المجموعة الليبية البربرية من 1600 الى 700 ق م ، ثم المجموعة البربرية العربية الاسلامية من 700 الى يومنا هذا،وما يهمنا هنا هو المجموعة الثالثة اي مجموعة الفرسان او فترة التعدين وهي الفترة التي عرف فيها الانسان نقلة نوعية وذلك من خلال تخليه عن الحجارة كمادة خام في صناعاته واستبدالها بالمادة المعدنية في صناعاته سواء في صناعة الأسلحة او العربات وهو الشيء الذي أعطاه حركية وديناميكية ومرونة في الاستخدام والتنقل وحتى من حيث الاستقرار وبناء التجمعات،وهذا ما يتجسد في العديد من النقوش الصخرية التي برز فيها استخدام المعادن(خناجر،سيوف،دروع)،الى جانب الأحصنة والعربات والثيران،وهي الفترة التي يصفها بعض الباحثين بفجر التوغل الليبي البربري الى الصحراء وفيه تفنن الانسان في صنع الأدوات الدقيقة وصغيرة الحجم،بل انه لم يقتصر على صناعة الادوات فقط بل اهتم بالزينة والأحجار الكريمة والأثاث والتحف الخزفية والتزينية، وهو ما يدل على نوع من الرخاء في الحياء بصفة عامة،كما انه ظل محتفظا ببعض تقنيات العصور السابقة كتقنية الشفرة القاطعة المكتشفة في العصر الحجري الاول مع تطوير المادة المصنعة لها.
عموما يمكن اعتبار هذا العصر المرحلة التاريخية الأهم في مسيرة التطور الانساني حيث سيطر على الطبيعة وتمكن من تحويل عناصرها لخدمة اغراضه الحياتية المادية منها والمعنوية والجمالية، فهنيئا لنا بهذا الاكتشاف النادر والإرث الحضاري والثقافي الذي تزخر به مناطقنا الصحراوية .
تعليقات الزوار ( 0 )