في الوقت الذي تمنح فيه جائحة “كورونا” يوميا الدروس والعبر لكل ساكنة المعمور وفي كل المجالات، من صحة وتعليم واقتصاد وشغل وابتكار وثقافة ورياضة وبيئة وعلاقات إنسانية وغيرها كثير، يصر سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية على تعنته ورفضه التفاعل مع محيطه واستخلاص الدروس التواصلية من فاعلين سياسيين بحجمه أو أقل منه حتى.
ولعل الزمن الإعلامي الذي أصر رئيس الحكومة على إهداره في ما اعتبره وفريقه في التواصل “لقاء إعلاميا”، بينما صنفه غالبية المغاربة وعموم المتتبعين والفاعلين بـ”چليسة لتقرقيب الناب” لا أقل ولا أكثر، كان من الأنفع استثماره في وصلات للتوعية والتحسيس بجائحة فيروس كورونا وسبل الوقاية منه للحد من انتشاره، لكن كان لرئيس الحكومة رأي آخر في الموضوع.
وإذا جاز لأي كان ربط عبارة “نجاح” رئيس الحكومة بظهوره الإعلامي الأخير على القناة الأولى، فلا مناص من تأكيد هذا النجاح بالفشل في الحصول على اهتمام المشاهدين والمتتبعين وبالأحرى احترامهم واهتمامهم بمضامين تصريحات رئيس الحكومة.
ذلك أن إجاباته الفضفاضة، واعترافه البيِّن بعدم توفره على تصورات وسيناريوهات لما بعد الأزمة، وإتقانه لأسلوب تعويم الخطاب قضى على ما تبقى من أمل وحماس لدى من تابعوه، وأفهمهم أن المغرب، وفق تصور رئيس الحكومة، يتعايش مع انشار الوباء يوم بيوم، وأن رئيس السلطة التنفيذية، الموضوعة رهن إشارته وتحت تصرفه كل موارد الدولة، لا يتوفر على تصورات ولا سيناريوهات تهم إمكانيات الخروج من الأزمة وما بعدها.
وبالرغم من الإعداد القبلي لقائمة الأسئلة والمواضيع التي سيتم التطرق إليها وموافقته القبلية عليها، إلا أن رئيس الحكومة فضل أن يظل وفيا لأسلوبه المعتاد في الإجابة على أسئلة الصحفيين، بكلام مرتجل وأحكام جاهزة وخطاب عام، لا يحمل أي جديد، لا على مستوى الأرقام والمعطيات ولا على مستوى التدابير والإجراءات القبلية التي من المفترض اتخاذها من طرف الحكومة في عدد من المجالات والملفات التي ظلت عالقة منذ تسلل فيروس “كورونا” إلى المغرب وانتشاره بين ساكنته.
فما إن انتهت “چليسة لتقرقيب الناب” حتى أطلق رواد فضاءات التواصل الاجتماعي العنان لملكاتهم ويبدعوا في أساليب السخرية والتنكيت على “خرجة” رئيس الحكومة وثاني رجل في هرم الدولة. ففي الوقت الذي اختار البعض النشطاء الاجتماعيين توجيه مجموعة من التعاريف لرئيس الحكومة ذات الارتباط بمهامه ومسؤولياته وفي أي سياق ينبغي أن تندرج خرجاته الإعلامية، تختار البعض الآخر أسلوب النصح في تفاعلهم مع المرور الإعلامي لسعد الدين العثماني، مفضلين بقاءه بعيدا عن الأضواء إذا لم يكن لتصريحه ضرورة ومضمون ومعطيات تشفي غليل الأسئلة التي تتناسل يوميا من لدن عموم المواطنات والمواطنين. ليختار البعض الآخر استعمال نكت وصور وعبارات للسخرية من مضامين وأسلوب اللقاء الإعلامي الذي قرره رئيس الحكومة.
وعلاقة بمضمون تصريحاته خلال هذا المرور الإعلامي والمتعلقة بوضعية المغاربة العالقين في الخارج، قال رئيس الحكومة أنه و”بمجرد اتخاذ قرار فتح الحدود سيتم إرجاع المغاربة العالقين خارج أرض الوطن”، مؤكدا ضرورة إيجاد حل لهذا الموضوع “حتى تكون عودتهم نجاحا ومكسبا جديدا للمملكة”.
مشيرا إلى اهتمام الحكومة بوضعيتهم ومواكبتها المستمرة لهم، مستحضرا “عملية استنفار” التي تم على إثرها إعداد 155 مركزا وخلية أزمة لمواجهة هذه القضية في مختلف سفارات وقنصليات المملكة في بلدان الاستقبال. حيث تمت مواكبة جميع المغاربة العالقين في الخارج، إذ تكفلت الوزارة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج بـ 5700 شخص منهم، إما بالتطبيب أو السكن أو خدمات أخرى، أي 25 في المائة منهم، مشددا على ضرورة الاعداد الجيد لعودتهم حتى تمر العملية في أحسن الظروف.
وفي معرض جوابه على سؤال حول مآل السنة الدراسية، ظل رئيس الحكومة وفيا لقاعدة التعويم في الخطاب، ذلك أنه في جواب على نفس السؤال زاوج ما بين نفي أن تكون هذه السنة بيضاء، وبين أن هناك مجموعة من السيناريوهات والتي سيتم الحسم فيها خلال الأيام المقبلة.
وكأن العثماني يتحدث مع فرع من حزبه وليس أمام المغاربة جميعا
عبد الرحيم المنار اسليمي، اعتبر أن “السؤال الذي يطرحه الحوار الأخير لرئيس الحكومة مع القناة الأولى هو مايلي: لماذا خرج العثماني ليقول لاشيء؟ فرئيس الحكومة بدون معلومة وبأرقام مقلوبة وبتسميات غير موجودة مثل “بطاقة كورونا “، كل هذا يطرح أسئلة عريضة عن الغاية من الخروج، فالاعتقاد الذي تركه العثماني لدى الكثير من المغاربة أنه بعيد عن التنسيق الحكومي وبعيد عن صلاحيات رئيس الحكومة فلماذا خرج إذن؟ هذا تساؤل عريض”. يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط.
وأضاف اسليمي في تصريح لجريدة “بناصا” الاكترونية “الخروج في زمن الأزمات ليس هو الخروج في الأوقات العادية، فخروج العثماني وإعلانه أنه لا يوجد تصور وإنما سيناريوهات يخلق وضعية القلق بل أنه ينعكس سلبيا على كل المجهودات التي تقوم بها قطاعات حكومية في الميدان”.
وتابع المتحدث نفسه “لقد كان على العثماني أن ينتبه إلى أن الشوط الثاني من الحجر الصحي وحالة الطوارئ الصحية فالانتظارات كبيرة، ولا يمكن أن يأتي رئيس حكومة على بعد أيام من نهاية تاريخ حددته الحكومة بمقتضى نصوص قانونية لمدة الحجر ليقول بأنه لا يملك تصورا، ومن يملك التصور إذن؟ هل يملكه المواطن؟ لقد بدا وكأن العثماني في جلسة مع فرع من فروع حزبه وليس في حوار أمام مغاربة ينتظرون أجوبة وتصورات لما هو قادم”.
تعليقات الزوار ( 0 )