تحت عنوان “تعرضوا للخيانة والتخلي عنهم.. السوريون يردون على الترحيب بالأسد في البيت العربي”، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعدته أديلا سليمان وميسي ريان، وأشارتا في البداية لما قالته الناشطة السورية البريطانية في مجال حقوق الإنسان، رزان صفور (30 عاما): “لقد تخلى عنا المجتمع الدولي تماما”.
وكانت صفور من بين الكثيرين الذي تابعوا بغضب الترحيب ببشار الأسد في قمة الجامعة العربية التي عقدت بجدة السعودية، وعودته إلى الجامعىة بعد 12 عاما.
وتعلق الصحيفة أن الجامعة العربية لديها دور سياسي محدود، إلا أن حضور الأسد في قمة إقليمية يظل رمزا لانتصار منبوذ سياسي سابق، قواته متهمة باستخدام السلاح الكيماوي واستهداف المستشفيات والمناطق المدنية في الحرب الأهلية الدموية التي استمرت أكثر من عقد ولا تزال.
وكانت دول الخليج من بين الدول التي دعمت الجهود لتدريب وتسليح جماعات المعارضة التي كانت تعمل للإطاحة بالأسد. لكن الأخير استعاد معظم المناطق التي خسرها في الحرب بدعم من إيران وجماعاتها المسلحة إلى جانب روسيا التي أرسلت طائراتها في عام 2015، في وقت استأنفت بعض الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري.
وبالنسبة للسوريين الذي تأثروا بالنزاع، فإن إعادة تأهيل الأسد لم تتركهم بالشعور بالخيانة فقط، بل وكأن معاناتهم في الحرب الأهلية مُحيت من الذاكرة بشكل كامل. وتقول وفا مصطفى (32 عاما): “بدلا من محاسبة الأسد على جرائمه الشنيعة، فقد تم الترحيب به، وكوفئ بطريقة وكأن 12 عاما من المعاناة وسفك الدماء لم تحصل أبدا”.
فرّت مصطفى من سوريا إلى ألمانيا عندما غرق بلدها في الحرب الأهلية، وقالت إن والدها بائع الفاكهة اختفى قسريا في أقبية النظام عام 2013. وكانت المرة الأخيرة التي شاهدته مع إخوتها الثلاثة عندما اعتُقل بالقوة من منزلهم في دمشق حيث علقت قائلة: “التطبيع هو خيانة للضحايا وعائلاتهم بمن فيها عائلتي.. التطبيع لن يجلب السلام”.
وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد افتتح القمة واعترف بالسنوات الصعبة التي مرت على سوريا، وعبّر عن أمله في أن يؤدي التقارب إلى استقرار المنطقة.
واتهم القادة العرب الولاياتِ المتحدة بتجاهل المنطقة مقابل التركيز على التنافس مع الصين وروسيا، بشكل دفع عددا من الدول العربية لتحويط رهاناتها.
وقالت هيا الأتاسي، الناشطة في مجموعة للمجتمع المدني: “نتضايق كسوريين من الطريقة التي تعامل فيها المجتمع الدولي مع أوكرانيا والدعم المقدم للأوكرانيين مقارنة مع (الدعم) للاجئين السوريين”.
فرّت عائلة الأتاسي من حمص بعد اعتقال شقيقها على يد قوات النظام، وإغلاق المدارس. وهي تعيش الآن بين بيروت وإسطنبول. وشهدت مناطق المعارضة داخل سوريا احتجاجات عبر فيها السكان هناك عن غضبهم من استقبال القادة العرب للأسد. إلا أن بعض السوريين لاحظوا أن عملية تأهيل الأسد قد تجلب بعض المنافع الاقتصادية لبلد يكافح تحت وطأة العقوبات ومن آثار الزلزال ووباء كورونا.
وتعامل الناشطون المؤيدون للأسد مع عودته إلى البيت العربي كانتصار، وشاركوا على منصات التواصل صورا له وهو يسلم مبتسما مع القادة العرب. وكتب أحدهم على تويتر: “وقف عاليا بعدما راهن القادة العرب على سقوطه”. ووصف التغير في مواقف الدول التي دعمت المعارضة ضده بالانقلاب.
ورغم حضور الأسد القمة العربية، إلا أن إدارة جو بايدن والدول الأوروبية تعهدت بممارسة الضغط على النظام السوري، فيما عبّرت قطر عن اختلافها مع قرار إعادة الأسد إلى الجامعة العربية، بدون أن تشكل عقبة للتحرك الذي دعمته القوى الإقليمية.
وركزت التقارير الصحافية على صورة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد مغادرا القمة قبل خطاب الأسد. وقالت صفور، ناشطة حقوق الإنسان المقيمة الآن في قطر، إن الدول العربية والغربية لم تفعل الكثير للقضية السورية. وعائلة صفور من حلب وحمص، وعانت من القصف والسجن والتعذيب والدمار، ولها أقارب يعيشون في مخيمات اللاجئين في الأردن وتركيا، ويواجهون آثار الزلزال التي دمر شمال سوريا.
ورغم انحراف انتباه العالم لقضايا أخرى، إلا أن مأزق السوريين ترك آثاره على العالم، مضيفة أن “السوريين فرّوا من الأسد، وليس فقط الحرب”. ومن هنا فتأهيل الأسد سياسيا لن يدفع السوريين إلى العودة لوطنهم.
وقالت مصطفى التي لا تزال تريد عودة والدها، إن تأهيل الأسد من جديد يرسل “رسالة خطيرة” أبعد من حدود سوريا إلى القادة الديكتاتوريين. مضيفة: “كلنا عرضة للخطر في عالم لا يلتفت لجرائم الحرب الخطيرة والجرائم ضد الإنسانية والإبادة”.
وعبّر الناشطون السوريون الذين التقتهم الصحيفة عن تشاؤم من الوضع في بلادهم. وعبرت صفور عن خيانة العالم وتخليه عن السوريين لوقت طويل. وقالت الأتاسي: “للأسف، تلقينا الكثير من الصدمات، وتعلمنا الاعتماد على أنفسنا وهو ما سنفعله” مضيفة أن الحرب أنتجت التصميم.
(القدس العربي)
تعليقات الزوار ( 0 )