أكد الدكتور محمد الطيار، الباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، أن تحدي الحالة الأمنية داخل المخيمات في تندوف، وذلك بسبب تنامي حال اليأس بسبب تردي الأوضاع هو ما جعل قيادة البوليساريو تتحدث عن خرق إطلاق النار من أجل الهروب إلى الأمام والتغطية على الأزمة التي تعيشها البوليساريو.
واعتبر الباحث، في حوار خاص مع جريدة بناصا الإلكترونية، أن بروز مظاهر التطرف والراديكالية من خلال تورط عناصر من البوليساريو ضمن خلايا إرهابية بالمنطقة، وظهور قيادات في تنظيمات إرهابية من قبيل داعش والقاعدة وغيرها من المنظمات الإرهابية التي تنشط في دول غرب أفريقيا والساحل، يعود إلى الوضع المزري الذي يعيشه السكان المحتجزون في المخيمات بسبب قيادة البوليساريو ومن ورائها الجزائر.
الحوار مع محمد الطيار، الباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، يميط اللثام من خلال معلومات دقيقة ومعطيات خاصة، عن الواقع المزري داخل المخيمات، والذي سيدفع البوليساريو إلى التحول نحو الراديكالية والارتماء في أحضان الجماعات الإرهابية، وهو ما يمثل تحديا لدول المنطقة من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار.
المحاولة الأخيرة لغلق معبر الكركرات من طرف “البوليساريو” وإعلانها للحرب بعد تدخل القوات المسلحة الملكية كلها تطورات جاءت بعد بروز عدة احتجاجات داخل المخيمات واعتقال العديد من المدونين واختفاء أشخاص كانوا إلى عهد قريب ضمن المسئولين “في البوليساريو” كأحمد الخليل الذي كان وزيرا فيما يسمى بالحكومة وانتشار روح اليأس الشديد في أوساط الساكنة خاصة الشباب..الخ.
سؤالي دكتور الطيار، ألا يمكن القول إن إعلان الحرب وخرق وقف إطلاق النار من طرف البوليساريو هو فقط هروب الى الامام ومحاولة لإسكات الاحتقان داخل المخيمات؟
أشكر جريدة بناصا على فتح النقاش في هذا الموضوع المهم، ومن خلالك أخي نورالدين لشهب أشكر الساهرين على هذا المنبر الإعلامي الوطني، والذي شكل إضافة نوعية للإعلام المغربي خلال فترة وجيزة..
وعودة إلى سؤالكم، أرى أنه يجب علينا أن نذكر أنه في السنوات الأولى لنزاعها مع المغرب حول الصحراء، قامت الجزائر عند تشكيلها لمخيمات تندوف في النصف الأخير من عقد السبعينات من القرن الماضي، بعمليات استهدفت خطف العديد من المواطنين المغاربة الصحراويين، من مدن السمارة، طانطان، وأسا، والبيرات، والزاك والمحبس، ونواحي أقا، وطاطا، وفم لحسن… وغيرها من بوادي الصحراء. وتم نقلهم قسرا إلى نواحي مدينة تيندوف – منهم العديد من النساء اللواتي تم خطفهن وتركن الأزواج والأطفال وراءهن، وتم تزويجهن قسرا من جديد مما يخالف الأعراف الدولية والدينية والعادات والتقاليد المرعية بالمنطقة المعروفة بطابعها المحافظ.
كما قامت في نفس الوقت بإقامة العديد من السجون، منها سجن “الرشيد” الرهيب، وسجن “عضيم الريح”، وسجن النساء المعروف “بسجن الرويضا”، حيث عانت النساء والفتيات من الاعتداءات الجنسية والتعذيب والإجهاض والأفعال المنافية للقانون الدولي، كما قامت “البوليساريو” بحملة لتهجير سكان الأرياف خلال سنتي 1980- 1981م، من مناطق تيرس، زمور، شمال موريتانيا، ومن الحنك وأركشاش على الحدود المالية الجزائرية.
وقد ازدادت حدة الأوضاع مع توالي السنين، حيث ظهرت أعداد كبيرة من الشباب العاطل عن العمل، وبحكم أن السلطات الجزائرية تمنع عليه الاشتغال فوق أراضيها والاندماج بين ساكنة الجنوب، وتعمد إلى تشغيل العمال من الدول الإفريقية البعيدة في منشئات النفط والغاز في الجنوب الجزائري. لم يجد شباب المخيمات وكذا العناصر المجندة، بعد اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991، مجالا آخر غير احتراف التهريب بكل أنواعه والانخراط في نشاط الجريمة المنظمة والجماعات المسلحة والإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي.
وقد رصد العديد من المتتبعين كما رصدت عدة مواقع إعلامية تابعة لنشطاء “البوليساريو” هذا الوضع المتأزم في مخيمات تندوف، وفي هذا الصدد نذكر منها على سبيل المثال عدة مقالات نشرت بمجلة “المستقبل الصحراوي”، تتحدث عن انتشار أنشطة الجريمة المنظمة والعلاقة مع التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، وسيطرة عصابات التهريب على المجال الجغرافي للمخيمات، وتورط مسؤولي” البوليساريو” في التهريب بأنواعه، من تهريب مواد المنظمات الإنسانية الموجهة إلى ساكنة المخيمات، إلى تهريب المواد الغذائية الجزائرية المدعومة، وتهريب الوقود وكذا التورط في تهريب الحشيش والكوكايين والأسلحة والاتجار في البشر.
بل إن البيانات الرسمية الصادرة عن تنظيم “جبهة البوليساريو” لم تستطع إخفاء هذه الحقيقة، وهذا ما تثبته وثيقة من مكتب “الوزير الأول” تحمل تاريخ 29-01-2009م، تتعلق بأحد محاضر اجتماعات ما يعرف” بـ”الهيئة الوطنية للأمن”، المنعقد في شهر يونيو 2008 مع مكتب ما يسمى بـ”الأمانة العامة الوطنية”، حيث أن الوثيقة المذكورة تؤكد تطور وتنامي الجريمة ونشاط عصابات تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية، وغياب الإشراف على المساجد وسيادة خطاب التشدد والتفكير في الاعتداء على الأجانب، فضلا عن تواجد الجماعات الإرهابية بالمناطق الحدودية مع موريتانيا.
هل تحديات تردي الحالة الأمنية في مخيمات تندوف وانتشار اليأس في أوساط الساكنة له دور في تطور الأحداث الأخيرة؟ ثم هل ترى دكتور الطيار أن هذا الوضع المزري الذي يعيشه المحتجزون سيكون له انعكاسات أكثر خطورة مستقبلا؟
طبعا، وفي هذا الصدد لابد أن نذكر أن محمد عبد العزيز الرئيس السابق “للبوليساريو” أكد في حوارمع جريدة (L’Expression) الجزائرية سنة 2005، أن عدد من شباب المخيمات يتبنى الأفكار الدينية المتطرفة بسبب اليأس وخيبات الأمل، حيث قال :”نحن لا نعيش في جزيرة وكل ما يمس أفريقيا، والعالم العربي والمغرب العربي يلمسنا! من الممكن أن يؤثر الانتظار، وخيبات الأمل، فضلاً عن الأفكار السائدة في المنطقة المغاربية على الشباب بشكل خاص. قد يكون هناك شباب صحراويون مهتمون بالإسلام الراديكالي”.
كما أدى تفاقم أزمة مخيمات تندوف الأمنية في السنوات الأخيرة، إلى غياب ثقة الساكنة في مؤسساتها الأمنية، مع رواج معلومات في أوساطها تؤكد تورط هذه الأجهزة في التستر على المجرمين وضياع قطع السلاح من مقراتها، بالإضافة إلى مساعدتها للمجرمين على الفرار.
وقد تطور الأمر إلى حد الهجوم في شهر أكتوبر 2016 على مقر “مخابرات البوليساريو”، المسمى “كتابة الدولة للتوثيق والأمن” بمركز “الرشيد” شرق مخيم “ولاية السمارة” مركز “الرشيد”، يعتبر أكثر المراكز إثارة للجدل، وهو المقر الذي بني فيه أول مؤسسة سجنية في” البوليساريو” سنة 1978، شرق ما يعرف “بمخيم ولاية السمارة” بحوالي 9 كلم.
وقد شكل هذا السجن مركزا كبيرا للتعذيب و التنكيل في زنازين سرية تحت الأرض، وشهد العديد من التصفيات التي طالت العديد من الأشخاص، أبطالها لازالوا في مناصب المسؤولية في “البوليساريو” إلى اليوم رغم تاريخهم الأسود. مركز الرشيد يضم أيضا مدرسة ” لتكوين الأطر الأمنية”، و مقرا للأرشيف الخاص و تم اتخاذه في وقت لاحق كمقر لجهاز مخابرات” البوليساريو” المسمى “كتابة الدولة للتوثيق و الأمن”.
حيث تعرض المركز المذكور لعملية سطو نفذها أشخاص مجهولون قاموا بضرب الحراس وتعنيفهم ونزع السلاح الذي كان بحوزتهم قبل أن يقوموا بالسطو على حاوية كانت تحتوى على كمية كبيرة من المخدرات، وتوجهوا بها إلى وجهة مجهولة. مما يعطي صورة عن انتشار رهيب لعصابات وتجار المخدرات في المخيمات، التي تطور نشاطها وهيمنتها إلى درجة السطو على مراكز “البوليساريو” الأمنية ومقراتها الرسمية، بعد أن تم تسجيل العديد من حالات الاستيلاء على ممتلكات الأشخاص وتبادل الاعتداءات بين عناصر العصابات.
بل إنه حتى مواقع تمركز مسلحي “البوليساريو” أصبحت هدفا لهجوم عصابات الجريمة المنظمة، في إطار الصراع على التهريب خاصة المخدرات، حيث تعرضت مثلا فرقة من القوات الخاصة التابعة للناحية العسكرية السادسة المتمركزة في منطقة “الظلعة” إلى الشرق من بلدة “بئر لحلو” لهجوم مسلح أخر شهر ماي من سنة 2017، وقد كان وراءه مجموعة إجرامية من مخيمات تندوف تنشط في الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات، إضافة إلى هذا فعصابات تهريب المخدرات أصبحت تنشط بشكل مكثف وسافر بمناطق توجد شرق الجدار الأمني كبوكربة، أمهيريز، أمكالا، تويفيداتن، الكلتة، الجبيلات البيض، زيز، واد اتريتيم، واد الجنة، قلب النص، وفي المناطق المحاذية لأوسرد..الخ.
هذه العصابات مشكلة من الصحراويين، الموريتانيين، الجزائريين ومن طوارق وعرب أزواد خاصة من البرابيش، وقد تكررت الصراعات والمواجهات وتصفية الحسابات بشكل سافر بين هذه العصابات داخل المخيمات وخارجها.
وبعد استفحال الجريمة المنظمة في مخيمات تندوف أصبح الجيش الجزائري يتدخل بصفة متتالية، كما هو الحال في شهر مارس من سنة 2017 بالمنطقة الحدودية الشناشن، شرق ولاية تندوف.
وفي تدخل آخر في شهر ماي2017، قام الجيش الجزائري بقتل ثلاثة مهربين خلال عملية أمنية قامت بها وحدة من الجيش في مخيمات التندوف، وجاء في بيان صادر عن وزارة الدفاع الجزائرية نشرعلى إثر التدخل، أن وحدات من الجيش قضت على ثلاثة مهربين ودمرت مركبتهم بمدينة تندوف.. والملاحظ أن بيانات وزارة الدفاع الجزائرية، استعملت عبارات مثل “تم تحييد إرهابيين” و”في إطار مكافحة الإرهاب”، للحديث عما قامت به ضد المهربين من “عناصر البوليساريو” وهو ما يطرح عدد من علامات الاستفهام.
هل يمكن أن تقدم لنا صورة عن تنامي التوجه الإرهابي في المخيمات وكيف انتشر بسرعة في السنوات الأخيرة؟
العديد من الأحداث تبين تورط العديد من عناصر “البوليساريو” في الإرهاب، فـ”حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا” التي كانت إحدى أشرس الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، ضمت في صفوفها العديد من شباب مخيمات تندوف، ونتيجة لالتحاق أعداد كبيرة من الشباب بالجماعات الإرهابية، أضحت مخيمات تندوف تعرف استفحال ظاهرة الأسر التي تركها الأب بدون معيل، فضلا عن وجود عدد كبير من أرامل الملتحقين الذين قتلوا في صفوف تنظيم القاعدة أو غيره من تنظيمات منطقة الساحل الجهادية.
وفي ظل تزايد أعداد الملتحقين من الشباب الصحراوي من مخيمات تندوف بالجماعات الإرهابية، تكتفي “البوليساريو” بالمناشير السياسية التي تعمم في المهرجانات، والتي ترمي من خلالها مسؤولية التحاق شبابها بالجماعات الإرهابية على عاتق المغرب.
كما مكنت سهولة تنقل عناصر “البوليساريو” في منطقة الساحل والجنوب الجزائري من مشاركتهم في أغلب التنظيمات الإرهابية، ومن تنسيقهم مع مختلف الجماعات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة، تورط عناصر “البوليساريو” يؤكده أيضا بروز أتباع تنظيم “داعش” في المخيمات، خاصة بعد صعود نجم عدنان أبو الوليد الصحراوي زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” في سماء الإرهاب، وهو أحد شباب مخيمات تندوف المتخرج من إحدى الجامعات الجزائرية.
ما هي قصة استفحال الفكر المتطرف داخل المخيمات وكيف تطور مسار انتشار هذا الفكر إلى المشاركة والتورط في الأعمال الإرهابية والإجرامية في المنطقة؟
أصبحت مخيمات تندوف تعرف وجودا ملحوظا للفكر الراديكالي، والبداية كانت مع توجه في نهايات التسعينات من القرن الماضي، عدد كبير من طلبة المخيمات إلى الجزائر للدراسة في جامعاتها التي كانت تعرف أنداك وجودا قويا للتيار السلفي، كما التحق أيضا عدد من الطلبة بمعهد جامعة الإمام محمد بن سعود السعودي في العاصمة الموريتانية نواكشوط (أغلق سنة 2003)، والذي كان له دور كبير في نشر الفكر السلفي بين صفوف شباب المخيمات وموريتانيا.
فكانت أول مشاركة معروفة للتيار السلفي الراديكالي المنحدر من “البوليساريو”، خلال محاولة تنفيذ عملية إرهابية في ديسمبر2003، حين أوقفت الشرطة الموريتانية في نواذيبو المدعو بابا ولد محمد باخيلي وهو جندي سابق في صفوف “البوليساريو”، بتهمة سرقة متفجرات وقد اعترف بأنه يعمل لحساب “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” الجزائرية، التي أصبحت تحمل اسم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” منذ يناير2007.
وقد تأكدت أيضا الصلة بين عناصر من “البوليساريو” والسلفية الجهادية في سنة 2005، بعد تفكيك خلية لاستقطاب الجهاديين في موريتانيا، اعتقل خلالها زعيم الخلية محمد الأمين ولد لوليد الملقب بمعاوية والمنحدر من مخيمات تندوف، وكان ضالعا في سرقة مخازن المواد الطبية والذخائر وقطع الغيار من المخيمات، وبيعها للجماعات الجهادية من خلال استخدام نقاط مخفية ومحددة عبر إحداثياتها بجهاز تحديد المواقع( GPS).
وقبل ذلك في نفس السنة وقع هجوم على قاعدة للجيش الموريتاني في منطقة “لمغيطي” على الحدود مع الجزائر، نفذته كتيبتان تابعتان لـ”الجماعة السلفية للدعوة والقتال”، تضمان عددا من عناصر مخيمات تندوف خاصة من المجندين السابقين في صفوف “البوليساريو”.
وخلال السنوات اللاحقة تبين بالملموس مشاركة عناصر من المخيمات في العديد من العمليات الجهادية، ففي موريتانيا تم تفكيك خلية تابعة “للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، هاجمت السفارة الإسرائيلية في نواكشوط مطلع 2008، وفي النيجر وقعت مواجهة بين “كتيبة طارق بن زياد” والجيش النيجري في منطقة “تلميس” سنة 2009، وقد شارك في كل تلك الأحداث صحراويون تلقوا تكوينهم العسكري في المعسكرات التابعة لجبهة “البوليساريو”، وجندهم أمراء “القاعدة “.
ففي عام 2007، أوقفت السلطات المالية حكيم ولد أمبارك، وهو إبن مسئول في “البوليساريو”، بعد أن ضبطت معه كمية كبيرة من حامض النتريك الذي يستعمل في التفجيرات، وقامت مالي بتسليمه لموريتانيا حيث حكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات.
وفي عام 2010، اعتقلت وحدة من الجيش الموريتاني مهربين صحراويين بعد أن اشتبهت بهم، وتبين من خلال التحقيقات أنهم تابعون لمحمد ولد المهيدي المعروف باسم “اروبيو”، وهوأحد بارونات المخدرات المعروفين في المنطقة، وهو إطار سابق في المنطقة العسكرية الثانية التابعة لجبهة “البوليساريو”، ومقرب من قائد مصالح الأمن أنداك محمد ولد ﺍﻋﻜﻴﻚ.
وتم اختطاف اثنان من العاملين في مجال المساعدات الإنسانية، في سنة 2011، وهم إسبانيان وإيطالية، في مخيم الرابوني غير بعيد عن مقر إقامة محمد عبد العزيز، زعيم “البوليساريو” آنداك . وتم نقل المختطفين الثلاثة إلى داخل الأراضي المالية، وتحديدا إلى منطقة “الخليل” قرب الحدود مع الجزائر، إلى أن تم تحريرهم بعد تسعة أشهر من تاريخ اختطافهم.
وكان ذلك الحادث بداية الإعلان عن “حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا”، وهي فرع منشق من تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وقد تبنت العملية من خلال تصريح لزعيمها العسكري أنداك أحمد تيلمسي، وقد نفذ عملية الاختطاف مجموعة من عرب البرابيش، كانت ترشدهم مجموعة دعم من الصحراويين يقودها المدعوان “أغظفنا حمدي ولد أحمد بابا “، و”مامينا ولد الفقير” وهما من سكان مخيمات تندوف، “مامينا ولد الفقير وأغظفنا حمدي ولد أحمد بابا، اعتقلتهم السلطات الموريتانية غير أنها أطلقت سراحهم بعد ذلك مقابل الإفراج عن الرهائن الإسبانيين والإيطالية مع فدية مالية ضخمة لتنظيم “حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا”.
والمسمى أغظفنا حمدي ولد أحمد بابا والده هو” حمادي أحمد بابا” أحد أبرز القياديين في “جبهة البوليساريو” الذي سبق وأن شغل منصب ممثل الجبهة في إسبانيا .وكان أغلب عناصر هذه الحركة من “البوليساريو” وموريتانيين وعناصر من القبائل العربية في منطقة أزواد.
وقد شكل اختطاف الأوربيين على الأراضي الجزائرية في مخيمات تندوف، نقطة تحول أمنية خطيرة، ففي سنة2011 شاركت عناصر من القوات الجزائرية الخاصة في علميات تمشيط للمخيمات إلى جانب “مصالح الأمن” التابعة “للبوليساريو” بقيادة محمد ولد أعكيك، ومصطفى ولد سيدي البشير، ومنذ ذلك الحين تم تعزيز الحواجز والدوريات الليلية في جميع أنحاء المنطقة التي يتواجد بها مقر قيادة الجبهة الانفصالية التي طلبت الجزائر منها تقديم المشتبه بهم للدرك الجزائري، وهو ما فعلته في أوائل سبتمبر2012م، حين سلمت مجموعة من قبيلة البرابيش يسكنون في مخيم العيون، للسلطات الأمنية الجزائرية.
بالنسبة لزعيم تنظيم “الدولة الاسلامية بالصحراء الكبرى” التابع “لداعش” لا احد يمكن أن يشكك في انتمائه لمخيمات تندوف وتبنيه للفكر السلفي المتطرف خلال دراسته بإحدى الجامعات الجزائرية، ولكن بالنسبة لتنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” الذي تنسب إليه العديد من الأعمال الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، هل يمكن أن تحدد لنا علاقته بـ”البوليساريو”؟
تنظيم “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” الذي تم الإعلان عنه في شهر مارس 2017، والذي ضم أغلب الجماعات الإرهابية الناشطة بمنطقة الساحل التي أعلنت ولاءها للقاعدة، هو في حقيقة الأمر ليس إلا منصة لهذه الجماعات، حيث أنه لازالت تسجل أعمالا إرهابية وتنسب إلى إحدى الجماعات المعروفة كما هو الحال مع “جماعة ماسينا” المنضوية تحت التنظيم الجديد، أو تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” الذي عين مؤخرا مسؤولا جديدا على رأسه.
ومن بين الأمثلة التي تبين العلاقة الوطيدة بين تنظيم القاعدة و”البوليساريو”، إقدام السلطات الموريتانية سنة 2010 على ترحيل عمر ولد سيدي أحمد ولد حمة المعروف بـ عمر الصحراوي” إلى مالي، حيث أجرت السلطات الموريتانية صفقة مع تنظيم القاعدة، الصفقة التي انتهت بإطلاق مواطنين إسبانيين يحتجزهم التنظيم في مقابل ترحيل “عمر الصحراوي” من موريتانيا إلى مالي، رغم أن هذا الأخير ينتمي أصلا إلى “البوليساريو” كما تبين وثائق رسمية صادرة عن ما يسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية “، نشرتها آنداك الصحافة الموريتانية.
وقد أدانت محكمة موريتانية عمر الصحراوي باعتباره العقل المدبر من وراء اختطاف ثلاثة موظفي إغاثة إسبان سنة 2009، وهي العملية التي نفذها وتبناها “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وأفادت المحكمة الموريتانية التي أصدرت في حقه حكما بالحبس المؤبد، أن الصحراوي الذي تم تجنيده في تنظيم القاعدة منذ أن كان يحمل اسم “تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال”، هو من قام بخطف موظفي الإغاثة الإسبان في الطريق الواصل بين نواذيبو في شمال موريتانيا والعاصمة نواكشوط.
وخففت حكم المؤبد عن الصحراوي إلى 12عاما في دعوى الاستئناف في سنة 2010، وعلى الرغم من خطورة القضية وارتباطاتها الإقليمية والدولية، إلا أن نواكشوط سارعت بتسليم الصحراوي إلى مالي في نفس السنة، على الرغم من عدم تقديم السلطات في مالي أي طلب رسمي إلى نظيرتها الموريتانية.
وقد نددت عدة جهات موريتانية بعملية تسليمه معتبرة أن الحجة التي قدمتها السلطات الموريتانية حول الجنسية المالية للصحراوي غير صحيحة، مبرزة شهادة ميلاد أصدرتها “البوليساريو” للصحراوي.
وقد بررت السلطات الموريتانية تسليمها للصحراوي، كونه مواطنا يحمل الجنسية المالية، غير أن الوثائق الصادرة عن “البوليساريو” – والتي نشرت صورها آنداك الصحافة الموريتانية- أظهرت أن الصحراوي من مواليد منطقة “الفرصية ” بالصحراء، وأنه عضو فاعل في التنظيم الانفصالي.
وقد تأكد بعد فترة من ذلك، أن المدعو الصحراوي لم يسلم إلى مالي، بل سلم إلى تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” مقابل إطلاق سراح الرهائن الأسبان المحتجزين لدى التنظيم. وقد تأكد أيضا، أن إسبانيا ضغطت على موريتانيا لإطلاق سراح الصحراوي كجزء من عملية التفاوض مع الخاطفين، بهدف إطلاق سراح المواطنين الإسبانيين اللذين بقيا محتجزين لدى القاعدة.
كانت عملية مبادلة عمر الصحراوي بالرهائن الإسبان، تعني التنازل أمام ضغوط القاعدة ومنح الإرهابيين – الذين يتخذون قواعد لهم في الجنوب الجزائري والمناطق التي تسيطر عليها” البوليساريو” شرق الجدار الأمني – مكافأة مالية قدرها 10 ملايين يورو.
وقد حاولت الجزائر، التي تعتبر نفسها ضمن الدول الرائدة في مواجهة نشاط القاعدة المتزايد في منطقة الساحل، قبل اعتقال عمر الصحراوي أن تنفي ضلوع عناصر “البوليساريو” في اختطاف موظفي الإغاثة الإسبان. كما أرسلت “البوليساريو” قبل اعتقاله، المدعوان محمد سالم ولد سالك وبشير صغير القياديين في الحركة للقاء الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بهدف تسهيل عملية إطلاق المقاتلين الصحراويين المحتجزين لدى نواكشوط. بتهم التورط في الجريمة المنظمة، خاصة تهريب المخدرات.
في نفس الإطار، من بين التقارير الرسمية الدولية التي تؤكد العلاقة بين “البوليساريو” وتنظيم القاعدة، يمكن ذكر التقرير الذي أصدره مكتبة مجلس الشيوخ الياباني لعام 2013 حول الإرهاب، الذي أنجزته وكالة استخبارات الأمن العام التابعة لوزارة العدل اليابانية، وقد خصص التقرير فصلا كاملا عن أنشطة الجماعات الإرهابية في مالي، كما وضع جبهة “البوليساريو” ضمن 42 تنظيما إرهابيا في إفريقيا، ورصد الصلات القائمة بين “البوليساريو” والقاعدة في جزيرة العرب وتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.
التقرير المذكور تطرق إلى تغلغل التطرف في مخيمات التندوف مستشهدا بأحد منظري الجهاد من المشارقة ممن تابعوا تطور الجماعات الإرهابية في الساحل والصحراء، يدعى ” أبو سعد العاملي”، والذي نَظَّر كذلك لعمليات الاستقطاب في المخيمات، حيث خصص لها جزء هاما من مقالته الصادرة تحت عنوان “قاعدة المغرب الإسلامي: حقائق الواقع ووعود المستقبل”، ومما جاء فيها قوله :”فقد كان للحركة الإسلامية في مخيمات اللاجئين دور بارز في إحداث نقلة في أفكار العديد من المقاتلين الصحراويين الشباب وعقائدهم ووعيهم السياسي رغم الجهود التي بذلها المنظرون في المؤسسة العسكرية الصحراوية للحيلولة دون تسرب هذا الوعي الديني إلى المقاتلين الصحراويين (… )، فتواجد القوات الأممية غير مرغوب فيه واستمرار تقتيل النظام المغربي للصحراويين وسجنهم يجعل القيام بعمليات جهادية ضده أمرا ضروريا واستعداء البوليساريو والجزائر للتيار الإسلامي في مخيمات اللاجئين سيجعله يتحالف مع القاعدة و يقدم على ضرب مواقع قوات المينورصو” .
إعلان “البوليساريو” عن خرق اتفاق وقف النار وقيامها بأعمال عدائية بمباركة من النظام العسكري الجزائري وتحمل الجزائر لنفقات حرب “البوليساريو” من أسلحة وعتاد وقطع غيار وغيرها. هل يمكن القول أن الأمن القومي المغربي أصبح أمام تحديات جديدة؟
الأمن القومي المغربي دوما في مواجهة الأهداف الاستراتيجية للجزائر و”البوليساريو”، باعتبارهما يسعيان من جهة إلى تهديد أمن المغرب والمس باستقراره، عبر استعمال كل الوسائل العسكرية والتحريضية وتشجيع أعمال الشغب وتسهيل التهريب بكل أنواعه خاصة الكوكايين، وترتفع حدة هذه التهديدات أيضا بسبب الوضعية الأمنية المتردية في مخيمات تندوف وشرق الجدار الأمني، حيث تنتشر أنشطة الجريمة المنظمة والإرهاب، كما يجد المغرب نفسه انطلاقا من حدوده الجنوبية البرية منها والبحرية معرضا للعديد من التهديدات والمخاطر.
باعتبار أن ما يسمى بالجماعات الجهادية والجماعات المسلحة العرقية في منطقة الساحل الإفريقي هي في أغلب مكوناتها وسيلة لخدمة رؤية إستراتيجية وأمنية لبعض الدول خاصة الجزائر في إطار الصراع الاستراتيجي في منطقة الساحل الإفريقي، حيث أن أنشطة الجريمة المنظمة والإرهاب في الساحل الإفريقي هما في الحقيقة عنصران يخفيان وراءهما العديد من القضايا الإستراتيجية والعديد من أوجه الصراع من أجل وضع توازنات معينة.
فزعماء “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” وهو تنظيم له علاقة وطيدة بالأمن العسكري الجزائري ، قاموا طيلة العقود السابقة بعلميات تجنيد واسعة في مخيمات “البوليساريو”، للحصول على محاربين مدربين بشكل جيد شاركوا سابقا في المعارك العسكرية ضد المغرب وموريتانيا وعلى دراية كبيرة بالمجال الصحراوي وبالمعابر الحدودية.
كما عمل “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” وفروعه في منطقة الساحل على توسيع نطاق شراكته مع المهربين من مخيمات تندوف، وتجنيد المتطوعين في صفوف الشباب المحبطين هناك، وإذا ما تمكن “تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين” من تعزيز تحالف المصلحة الذي يقيمه مع “البوليساريو” بشكل قوي، فعندئذ يمكن أن تنبثق مستقبلا منظمة إرهابية كبيرة في المنطقة، يمكن أن تشكل مستوى متقدما من الخطر على المغرب وموريتانيا وعلى باقي دول الساحل الإفريقي وتونس وليبيا.
التطورات القادمة تجعل المغرب أمام عدة مخاطر خاصة مع بروز تحالف “البوليساريو” مع التنظيمات الإرهابية المتواجدة بالساحل الإفريقي فكيف ترى الإستراتيجية المغربية لمواجهة هذه المخاطر؟
اعتمد المغرب في استراتيجيته لمواجهات التحديات والمخاطر الأمنية المتنوعة، على مقاربة تضم في شقها الخارجي دبلوماسية متنوعة تشمل التعاون الاقتصادي وبناء الاستقرار، وعلى دبلوماسية أكثر انفتاحا على أفريقيا خاصة منها دول غرب إفريقيا، من أجل الحفاظ على إشعاعه الثقافي وعمقه الاستراتيجي، وعلى المستوى الداخلي قام بملائمة القانون الوطني مع القوانين والمواثيق الدولية، واعتماد مقاربة استباقية في تفكيك الخلايا الإرهابية، وتبادل المعلومات والتحقيق المشترك في جرائم الإرهاب والجريمة المنظمة، والتطوير المادي والتقني للأجهزة الشرطية والأمنية بشكل عام، وتطوير التدابير والإجراءات العملياتية والمؤسساتية، وفتح أوراش التنمية.
كما أن وعي الشعب المغربي بخطورة الدسائس التي تحاك ضد امن وسلامة الوطن .وثقته الكبيرة في قيادته السياسية يجعل شروط التعبئة الوطنية حاضرة بقوة من اجل التصدي لكل المخاطر.
تعليقات الزوار ( 0 )