Share
  • Link copied

“الطفل الذي كنته”.. عمل إبداعي جديد يكرّم “حركة الطفولة الشعبية” في المغرب

“الطفل الذي كنته”، عمل أدبي وإبداعي جديد يرى النور، وفيه استحضار لزمن الطفولة وتكريم لـ”حركة الطفولة الشعبية” في المغرب، التي أصدرته تكريما لمؤسسها الطيبي بنعمر في ذكرى رحيله السابعة.

تلتقي في الكتاب العديد من الحكايات من أجيال متقاربة لكنها متنوعة، حيث نعثر في قلبها على طابع التعدد والغنى دون نسيان المشترك الذي عاشه هؤلاء في طفولتهم واختلاف زوايا التقاط محطات من هذه الطفولة، حيث ساهم في سرده 42 كاتبة وكاتب من مختلف الحقول المعرفية من مفكرين ومبدعين وفاعلين في الحقول الحقوقية والتربوية، واستعادوا في نصوصهم بعضا من وقائع طفولتهم وما اختزنته الذاكرة من أحداث، وما التقطته من تحولات اجتماعية.

فإذا كان مستقبل الشعوب هو تربيتها، فالعمل التربوي مع الأطفال واليافعين هواء نقي كالذي تعبق به غابات الأطلس المغربية، والراحل الطيبي بنعمر ورفاقه اختمرت لديهم فكرة تأسيس إطار تربوي، وهم يخوضون تجارب تربوية بهذه الغابات التي ظل وفيا لزيارتها.

العودة للطفولة

وأشاد السياسي والوزير السابق فتح الله ولعلو -الذي قدم للكتاب- بفكرة حركة الطفولة الشعبية التي طلبت من بعض الكتاب والصحفيين والفنانين أن يرجعوا إلى طفولتهم لقراءتها وتدوين ما يتذكرونه عنها.

فالطفولة -حسب ولعلو- ليست فقط مقدمة حياة الإنسان، بل الحقبة المكونة بالأساس للشخصية. وهي التي تترك الأثر الأكبر في ذاكرته وفي علاقته مع المحيط العائلي والسوسيولوجي، وأيضا تشكل الجزء الحيوي من مسار الإنسان الذي يبقى راسخا في الذاكرة.

ويتجلى ذلك كله، من خلال قراءة مذكرات شخصيات شهيرة، خصصت صفحات عدة لطفولتها، مثل عميد الأدب العربي طه حسين وكتابه المرجعي “الأيام”، وآخرين مثل الأديب المغربي عبد المجيد بنجلون صاحب السيرة الذاتية “في الطفولة”.

وكان أول الأهداف التي تم تسطيرها للحركة، العناية بثالوث الطفولة والتربية والمستقبل، للمساهمة في تطور الشعب ورفع مستواه بتنمية روح التضامن والإبداع والعمل الجماعي والتطوعي، حيث كان بنعمر يؤكد دائما وباستمرار أن التربية تعد شرطا أساسيا لتقدم البلاد، وكان حريصا على ألا تصبح التربية ذيلا للسياسة أو تكتيكا لها، لذلك ظلت الطفولة الشعبية عبر قرابة 60 سنة حركة مستقلة في ممارساتها وفي قراراتها، في مبادراتها وبرامجها، في تنظيماتها وفي استحقاقاتها.

الكتابة الإبداعية عن الطفولة

“كلنا يستعيد بكثير من الحنين، وقليل من الأسف، ذلك الطفل القابع في الدواخل.. كم مرة ألفيتَ نفسك تبحث عن ذلك الصوت البعيد، المطمئن إلى نفسه وإلى العالم من حوله، وقد حاصرتك الحياة بقسوتها، وعبثيتها، وهوائها الثقيل. ذلك الصوت المنبعث من ضوء الطفولة وهو يخاطبك بهمس: تعال، ما زالت الغيمات تضحك هنا، ما زال الخبز طازجا في صدر الأمهات، وما زالت الشمس تشرق من الشرق”.

هكذا عبر وذاب الكتّاب استحضارا لطفولتهم، كتّاب من كل مشارب الحياة وتوجهاتها، في كتاب يستعيد صوت الطفل وهو يردد النشيد الأول في الحياة، يستدرج الطفل الذي كأنه كل منا، من سفح الخيال ليقوده إلى صفاء الضحكات الأولى، والفرح الشاسع والذكريات الندية.

ومن أبرز الكتاب المشاركين في كتاب “الطفل الذي كنته”؛ أحمد المديني، أحمد بوزفور، إدريس الملياني، حسن إغلان، حسن بحراوي، حسن نرايس، حسناء أبو زيد، صلاح بوسريف، صلاح الوديع، عائشة العلوي، عبد الصمد الكباص وغيرهم.

وفي لقائه مع الجزيرة نت، يرى الصحفي والكاتب عبد العزيز كوكاس أن الكتابة الإبداعية عن الطفولة ومحاولة العودة بالذاكرة إلى ذلك الطفل الذي كناه، ليست مجرد نوستالجيا أو حنين الذاكرة لماضيها “المشرق” أو “البريء” أو الضارب في عمق الماضي، بل هو حكي استرجاعي نعيد من خلاله بناء ذواتنا، من زاوية الضوء التي كنا عليها ذات يوم لن يعود على أية حال، وكما قال فرانز كافكا “إننا نزداد حكمة بتذكر أنفسنا في الماضي، وتذكر كل ما مررنا به وواجهناه بكل شجاعة”.

والبعد الثاني، بحسب كوكاس، هو “الطفولة المستعادة من خلال الذاكرة والتي تخضع لعملية إعادة البناء، يتداخل فيها الواقعي والفني والفكري/الفلسفي، ولمركزنا الاعتباري وموقعنا اليوم وتخضع لتأثير السياق الثقافي والاجتماعي”.

إن الكتابة عن الطفولة جزء من جنس السيرة الذاتية، هذا ما يقوله الكاتب كوكاس، معتبرا أن ذلك “محكوم بمقومات هذا الجنس الأدبي وشروطه المفتوحة على أفق رحب، وتعتبر المبتدأ في بدأ رسم بروفايل عن شخصنا واقتسام تجربة حياتنا مع الآخرين المفترضين، هل هي مرآة صافية تنعكس عليها كل الوقائع التي عشناها؟ أم هي لوحة فنية نصنعها صنعا وننتقي الألوان المناسبة ونعيد تأثيث الفضاء والشخوص من خلال محكيات رواها لنا آخرون عن طفولتنا أو عن وقائع منها حيث تتعدد الرؤى وزوايا النظر؟”.

وهو ما يغني ما نقدمه من محكي عن طفولتنا، بحسب كوكاس، والقراء بدورهم يغذيهم فضول كبير لمعرفة ما حدث لنا، وكيف عشنا طفولتنا ويريدون أن يربطوا بين ما حدث لنا في الماضي السحيق خلال طفولتنا وبين ما نحن عليه، خاصة كلما أصبح لمستعيد سيرة طفولته شهرة في المجتمع.

بعدٌ آخر في هذا الاسترجاع السردي لطفولة وفق كوكاس، هو الطموح لتكون طفولة اليوم خيرا وأفضل من طفولتنا، وأن نقدم عالما أفضل لأطفالنا بتجاوز كل أشكال الحرمان والفقر والبؤس والمعاناة والظلم، التي قد نكون عشنا أطوارا منها في الماضي، من أجل طفولة أكثر سعادة ولها من الحقوق ما يجعلها تتجاوز أعطاب حياتنا في ظل مجتمع تتصارع فيه كل عناصر التخلف، إن الحديث هنا عن الطفولة له بعد وظيفي تربوي يتجاوز نقل تجربة معاشة إلى الرفع من مستوى عيش طفولة أبنائنا اليوم وغدا.

لمحات من حياة الطفل

وعن الإصدار الجديد لحركة الطفولة، قال الكاتب محمد بلمو -في حديث للجزيرة نت- إن “الطفل الذي كنته.. جملة سحرية سرعان ما أشعلت نار الاسترجاع في طبقات ذاكرتي الغائرة ما أن قرأتها في الدعوة التي شرفني من خلالها المكتب التنفيذي لحركة الطفولة الشعبية من أجل المشاركة في الكتاب الذي تعتزم إصداره تكريما لأحد أطرها الكبار ورئيسها الراحل الطيبي بنعمر”.

ويضيف الكاتب بلمو أن كل ذكريات الطفولة والشباب الأول “تتحول في دواخلنا إلى نوستالجيا جميلة وفردوس مفقود كلما تقدم بنا العمر، رغم ما تضمنته من معاناة وأحداث ووقائع حزينة إلى جانب اللحظات الممتعة والشيقة والمفيدة”.

ويعتبر بلمو أن اهتمام الطفولة اليوم بالثقافة والمعرفة والقراءة، هو إشكال عويص يتمثل في انشداد هذه الطفولة إلى سحر الصورة وتدفقها اللامتناهي عبر الهواتف الذكية، حيث إن “أطفالنا لا يتركون في الغالب تلك الهواتف إلا في أوقات قليلة خلال الزمن المدرسي في الغالب، وهو أمر مخيف جدا على اعتبار أنهم ينجذبون أكثر نحو سحر الصور الثابتة والمتحركة التي تتدفق دون انقطاع رغم ما توفره تلك الهواتف من إمكانيات هائلة وغير محدودة للقراءة ونهل المعارف والأفكار. وهو ما يطرح تخوفا كبيرا عند الأسر حول مستقبل هذه الطفولة التي تركن للصورة وتعرض عن القراءة”.

وهذا الأمر -وفق بلمو- يتطلب مصاحبة هذه الأسر لأطفالها وتوجيهها أكثر نحو القراءة من خلال ابتكار طرق أكثر إغراء تكون كفيلة بشدهم إلى القراءة والكتاب، خصوصا أن المؤسسات التعليمية تقدم الكتاب لهم بطريقة كلاسيكية ومنفرة ومرتبطة أساسا بالمقرر المدرسي الجاف غير المغري.

Share
  • Link copied
المقال التالي