Share
  • Link copied

الطريق الرابع وآفاق المستقبل

بعيدا عن خطاب الكراهية والديماغوجية، وبعيدا عن لغة الانكار والتنصل من المسؤولية وتحميلها للآخرين، واستحضارا للمعرفة الحدسية والعقلية، وانطلاقا من واجب تحمل مسؤولية أفعالنا و قول الحقيقة لغيرنا، و من أجل المساهمة في التخفيف من حدة الواقع المؤلم الذي تمر منه بلادنا، نختلف باحترام مع كل المقاربات التي تلجأ للعيش في الماضي، لتبرير وجودها السياسي الراهن.

إن ما نعيشه اليوم لا علاقة له بالماضي. وهنا أستحضر كيف ساهم الفلاسفة والعلماء في تطوير حركات الشعوب، وكيف أثرت أفكارهم في ديناميات النهوض ببناء المؤسسات، وفي مسارات تعزيز الديمقراطية، و نشر ثقافة حقوق الانسان على أكثر من صعيد. ولائحة هؤلاء الفلاسفة والعلماء، طويلة ولا يمكن حصرها في هذا أو ذاك. وهو ما يسائل فقهاء الدين، و زعماء وقيادات ونخب الأحزاب عندنا…خاصة أمام التحديات التي باتت تواجهنا، والتي تثير أنتباه الجميع إلى خطورة الوضع وإلحاحه.

فهل نحن اليوم في حاجة فعلا لنكرر ما قاله الجميع، أو ما قلناه في مئات المناسبات: مسؤولية المخزن، وتحميل المسؤولية كاملة للدولة، وعدم تنفيذ مقررات هيئة الانصاف والمصالحة، والتذكير بسنوات الجمر والرصاص، والتذكير بالمطالب النقابية والفيئوية..، آلخ.

نعم كل هذه الانتقادات، كان لها ما يبررها، في حقل التنافس الانتخابي، والصراع السياسي، والايديولوجي، في زمن ما قبل جائحة كوفيد- 19..، أما اليوم، هناك تهديد قاتل يخيم على الجميع بسبب فيروس كورونا. وهنا نستحضر، مرة أخرى، أهمية ودور التعبئة الوطنية، للحفاظ على الوطن والمواطنات والمواطنين، و للتغلب على خطر الموت الجماعي.

لقد نجت بلادنا بأعجوبة من خطر الصراعات الدولية الجديدة التي ظهرت بعد سقوط جدار برلين، كما نجحت بلادنا منذ 1989 في الإفلات من التهديدات العالمية، والاستفادة من ترسيم الحدود العالمية، الاقتصادية والسياسية الجديدة، من دون التخلص من التبعية. ولهذا علينا أن نتعلم من دروس مساوئ الحداثة، وما نتج عنها من ظلم و من عبودية جديدة، وإبادة جماعية للعديد من الشعوب. إن ما حصل في فلسطين ولبنان و في أفغانستان ودول الساحل والشرق الأوسط بشكل عام، يفرض على الفاعلين السياسيين ببلادنا أن لا يكذبوا على أنفسهم وعلى الناس. فيجب أن نقول للمغاربة حقيقة ما يجري في العالم، وما خلفته الرأسمالية المتوحشة ( كنظام) من دمار، وما تركته الشيوعية والاشتراكية ( كأنظمة) من ضحايا وجراح لم تندم بعد، وما نتج من مأساة النازية والفاشية والصهيونية من جرائم إنسانية.

إننا نعيش أجواء حرب عالمية جديدة، وتهديد عالمي جديد، وقنابل إعلامية لا نتحكم فيها. وبالتالي فعلى نخبتنا السياسية أن تظهر لنا كفاءتها وذكاءها في طرح بدائل للإنقاذ، وليس إعادة إجترار آنتقاداتها للدولة، والرجوع إلى مواقف الماضي، للإختباء وراءها، حفاظا على العذرية السياسية، والشرعية التاريخية، والهوية الأيديولوجية!

إننا كذلك نعيش بوادر هيمنة جديدة، تتجلى من خلال التنسيق العالمي لفرض معايير جديدة يتقاسمها الجميع، فمن سيكون حليفنا غدا، بعد موت كورونا فيروس؟

بالأمس فقط، قرر وزراء المالية على صعيد الاتحاد الاوروبي، تخصيص ما قدره 240 مليار دولار ل 19 دولة أوروبية، حفاظا على استقرار الاتحاد الأوروبي وعلى الذاكرة الجماعية المشتركة لشعوب الإتحاد! فلماذا لا نسمع من النخبة السياسية التي تتحدث الآن عن كورونا، أي رؤية أو اقتراح أو بديل، قطري، مغاربي أو إفريقي، قبل الانهيار الشامل لدول الهامش والمحيط؟

فالعديد من المحللين يسمون هذا التحول بالانهيار الشامل، وهو انهيار يهدد التنمية والتقدم والتطور، في عقر دار 176 دولة على كوكب الأرض، وهو تهديد لم تواجهه الكثير من دور العالم منذ الحرب العالمي الثانية.

على الأحزاب السياسية ونخبها، أن تتصالح مع الشعب المغربي في ظل هذه الجائحة اللعينة، وخاصة مع مغاربة العالم القروي وسكان الجبل والواحات والسهوب، هؤلاء المغاربة الذين قدموا للوطن والمغرب أرواحهم، وقيمهم، وأسرهم وخيراتهم، وشبابهم ونساءهم، ومعادنهم، وثروتهم المائية والغابوية والحيوانية، ولم ينالوا إلا التهميش والاستبعاد الاجتماعي والحرمان والفقر والهشاشة.

يجب أن نوجه اهتمامنا في المقام الأول إلى التطوع الفردي والجماعي، وإلى التضامن المادي والمعنوي، والاستعداد بكل قوة لمواجهة الموت الحتمي. وعلينا أن نتوجه لبناء أسس مجتمعي جديد، من دون تفاوتات إجتماعية. وهنا ننتظر اجتهادات الأحزاب السياسية ونخبها، وقدرتها على طرح برامج لمعالجة عدم المساواة اليوم وغدا، من خلال الضرائب وإعادة توزيع الثروة الوطنية، وتوفير الخدمات الصحية الأساسية، وضمان الحق في التعليم للجميع.

لقد فشلت السياسة الدولية في ضمان وحماية الصحة العالمية، ولا نستبعد أن تتحول البرامج الانتخابية للقوى الجديدة الصاعدة، إلى برامج لمناهضة التفاوت الاجتماعي، ومناهضة العولمة، والشعبوية السياسة، والدفاع عن البيئة… ضد البرامج التي لازالت تحصل على الأغلبية، أو على المراتب المتقدمة، عن طريق المزايدات والادعاءات الكاذبة، و مال لوبيات رأس المال المالي و ثروة رجال الأعمال.

على الأحزاب السياسية ونخبها، أن تعلم أن ملايين الأشخاص في الولايات المتحدة الأمريكية، يطلبون اليوم الإعانات من الدولة ويعيشون في وضعية اجتماعية مزرية، وكذلك في ايطاليا واسبانيا، ناهيك عن العديد من الدول التي تضررت من الأزمة. ولهذا يجب التفكير في سياسة وبرنامج إنقاذ للمغرب، لكي لا يموت أي أحد بسبب الفقر أو الجوع. نعتقد أن هذا هو المهم في ظل هذا الوضع الراهن، نظرا لما يشكله وباء أوروبا من تحول في الشؤون الوطنية والدولية. فمثلنا مثل الدول النامية، يجب أن نفكر في التقدم، وفي التنمية و الديمقراطية، كباقي المجتمعات الأفريقية، ودول أمريكا اللاتينية.

إنه سؤال المستقبل، يا سادة! لن يكون هناك مخطط مارشال جديد لدعم الدول والمجتمعات. مخططنا، يجب أن ينهض أولا على الثقة بين الجميع، لمواجهة التطرف، والفراغ في وسط الشباب، والأطر…و لزرع قيم التعاون والتضامن والاحترام وروح المواطنة في عموم أرجاء الوطن ثانيا، وبناء أسس الدولة الاجتماعية الوطنية ثالثا.

Share
  • Link copied
المقال التالي