شارك المقال
  • تم النسخ

الباحث محمد عطيف يناقش أطروحة الدكتوراه حول محددات السياسة الخارجية المغربية في منطقة أمريكا اللاتينية في دراسة حول حالة ملف الصحراء المغربية

  نوقشت، مساء الجمعة الماضي، بجامعة محمد الخامس، كلية الحقوق أكدال، أطروحة دكتوراه حول “محددات السياسة الخارجية المغربية في منطقة أمريكا اللاتينية: دراسة لحالة ملف الصحراء المغربية”  تقدم بها الطالب الباحث عاطف محمد، تحت إشراف الدكتور عبد الرحيم المنار اسليمي.

وتألفت لجنة المناقشة من الأساتذة الدكتور سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، والدكتور عبد الفتاح البلعمشي أستاذ العلاقات الدولية من جامعة القاضي عياض بمراكش، والدكتور عبد الحميد بنخطاب أستاذ التعليم العالي  بجامعة محمد الخامس كلية الحقوق، اكدال الرباط، والدكتور عبد النبي صبري، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس، كلية الحقوق السويسي الرباط.

ويرجع اختيار الطالب الباحث لموضوع “محددات السياسة الخارجية المغربية في منطقة أمريكا اللاتينية: دراسة لحالة ملف الصحراء المغربية”، إلى سبب رئيس كون قضية الصحراء المغربية تُعد من الملفات المحورية التي انعكست إلى حد كبير على توجهات السياسة الخارجية المغربية بمنطقة أمريكا اللاتينية، حيث أصبحت تحدد نوعية وحجم التفاعلات بين المغرب ودول أمريكا اللاتينية بسبب المواقف السياسية لهذه الأخيرة من قضية الصحراء، والتنافس المتواصل من قبل مؤيدي الأطروحة الانفصالية بما يسمى “جبهة البوليساريو” لكسب النفوذ حول هذا الملف، هذا ما دفع صانع القرار في المغرب إلى إحداث تغييرات عميقة في السياسة الخارجية المغربية تجاه منطقة أمريكا اللاتينية مست محدداتها  وأطرافها وآليات اشتغالها، بغية ضبط التوازن ومواجهة الإكراهات التي تعيق تدبير ملف الصحراء، وذلك بالتركيز على استراتيجية تكثيف العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف مع دول أمريكا اللاتينية من أجل كسب الدول الصديقة لدعم الموقف المغربي بشأن الوحدة الترابية للمملكة المغربية داخل المنظمات والمحافل الدولية.

ولتحليل هذا الموضوع “محددات السياسة الخارجية المغربية في منطقة أمريكا اللاتينية: دراسة لحالة ملف الصحراء المغربية”  اتبع الباحث عاطف محمد مجموعة من الخطوات المنهجية المتعارف عليها أكاديميا.

– الحقل المعرفي لموضوع البحث

    تندرج هذه الدراسة ضمن حقل السياسة الخارجية الذي يعتبر من أهم مجالات البحث في العلوم السياسية، لأن من خلاله تتبلور العلاقات بين الدول ولفهم هذه العلاقات يجب فهم السياسة الخارجية، ولهذا تمت دراسة السلوك الخارجي للدولة المغربية، الذي يثير العديد من الأبعاد والقضايا النظرية والتحليلية.   

كما تم تطعيم هذا الموضوع بحقل العلاقات الدولية الذي يتناول مختلف الأبعاد السياسية والاقتصادية والعقائدية والثقافية والاجتماعية بين الفاعلين الدوليين، لهذا فموضوع الأطروحة يتناول العلاقات بين المغرب ودول أمريكا اللاتينية على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي.

 كما تم تطعيمه أيضا  بحقل القانون الدولي الذي يؤطره من عدة جوانب سواء من جانب التمثيليات الدبلوماسية والاتفاقيات المبرمة أو من جانب المبادئ العامة التي تنظم العلاقات بين الدول.

– الإطار النظري التفسيري في البحث

لقد تم تحليل السياسة الخارجية المغربية تجاه منطقة أمريكا اللاتينية، وذلك بالاعتماد على ثلاث نظريات وهي نظرية الواقعية الجديدة ونظرية السلعتين ونظرية صنع القرار.

 نظرية الواقعية الجديدة

 تم توظيف الواقعية الجديدة في السياسة الخارجية المغربية على أساس تأثير النظام الإقليمي لأمريكا اللاتينية (جزء من النظام الدولي) على المغرب، ورغبة هذا الأخير في تطوير علاقاته مع دول أمريكا اللاتينية من أجل تحقيق المصلحة الوطنية، إضافة إلى ذلك يسعى المغرب من خلال المقاربة الواقعية الدفاعية إلى ضبط التوازن الإقليمي بالمنطقة نظرا لاعتبار هذا المجال مكانا للتنافس والصراع حول ملف الصحراء بين المملكة المغربية ومؤيدي الأطروحة الانفصالية بما يسمى البوليساريو.

نظرية السلعتين

تم تطبيق هذه النظرية على أساس أن الدولة المغربية تسعى إلى تحقيق هدف سياسي في منطقة أمريكا اللاتينية يتمثل في أن تنطبق مواقف دول أمريكا اللاتينية مع قضية الصحراء، بعبارة أدق  يسعى المغرب إلى شيئين فيما يتعلق بقضية الصحراء بهذه المنطقة التغيير (تغيير جوانب الوضع الراهن الذي يريده) والحماية (حماية جوانب الوضع الذي يرغب فيه).

 نظرية صنع القرار

  ثم الاعتماد على نظرية صنع القرار، وذلك على اعتبار أن عملية صنع السياسة الخارجية المغربية تجاه منطقة أمريكا اللاتينية تعتمد على منهج للعمل أو مجموعة من المحددات أو كلاهما التي يتم توظيفها واختيارها للتعامل مع مشكل قضية الصحراء في هذه المنطقة.

– متغيرات البحث

وانطلق الباحث في أطروجته من ثلاث متغيرات أساسية وهي:

 المتغير المستقل: يشكل الدافع السياسي  المتمثل في قضية الصحراء المغربية أهم أحد أسباب توجه المغرب نحو منطقة أمريكا اللاتينية من أجل تدبير لهذه القضية، فضلا عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية عبر تكثيف العلاقات الثنائية و متعددات للأطراف على المستوى الاقتصادي والثقافي.

المتغير التابع: ساهم ضعف التفاعل الدبلوماسي المغربي مع دول أمريكا اللاتينية في انتشار عدد من الاعترافات  بما يسمى البوليساريو  وأفرزت تحديات سلبية على تدبير ملف الصحراء بالمنطقة.

 المتغير المتداخل: إن توجهات المغرب الخارجية تتأثر بمتغيرات البيئة الإقليمية لأمريكا اللاتينية، خصوصا في المجال الذي يشهد تنافسا حول قضية الصحراء المغربية.

خطة البحث

 لمعالجة هذا الموضوع واستجلاء كل معطياته ارتأى الباحث محمد عطيف تقسيم أطروحته تقسيما ثنائيا، خصص القسم الأول من الأطروحة لإبراز العوامل المفسرة للسياسة الخارجية المغربية في منطقة أمريكا اللاتينية وفي صلب هذا القسم تم تقسيمه إلى فصلين: الفصل الأول تمحور حول محددات السياسة الخارجية المغربية تجاه دول أمريكا اللاتينية، وبخصوص  للفصل الثاني خصص للحديث عن انعكاسات قضية الصحراء المغربية على علاقات المغرب الثنائية ومتعددة الأطراف بدول أمريكا اللاتينية.

 أما القسم الثاني فقد عالج تحديات تدبير ملف الصحراء في السياسة الخارجية المغربية، من خلاله تم تقسيمه إلى فصلين أساسيين، الفصل الأول تم تخصيصه للحديث عن الإكراهات المرتبطة بالتفاعل الدبلوماسي مع مشكل الصحراء، في حين خصص الفصل الثاني لإبراز آليات دعم دبلوماسية التأثير لخدمة ملف الصحراء المغربية بمنطقة أمريكا اللاتينية.

 -الخلاصات والاستنتاجات

 من خلال التطرق إلى محددات السياسة الخارجية المغربية في منطقة أمريكا اللاتينية سواء تعلق الأمر بالعوامل المفسرة لهذه السياسة أو تحديات  تدبير ملف الصحراء المغربية تم التوصل إلى مجموعة من النتائج:

 ـ تروم السياسة الخارجية المغربية إلى تحقيق أهداف استراتيجية محددة يضعها صانع القرار تجاه منطقة أمريكا اللاتينية، التي تتمثل في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة المغربية، ويتبين أيضا أن المحدد السياسي هو المتحكم في  التوجه المغربي نحو أمريكا اللاتينية، حيث تخاطب الدبلوماسية المغربية دول أمريكا اللاتينية على أساس المصلحة السياسية التي يصبو إليها المغرب في هذه المنطقة.

ـ انطلاقا من المحدد السياسي عرفت قضية الصحراء المغربية تطورات إيجابية بمنطقة أمريكا اللاتينية لاسيما بعد الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس لبعض دول المنطقة عام 2004، إضافة إلى مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب على الأقاليم الجنوبية سنة 2007، حيث قامت العديد من دول أمريكا اللاتينية بسحب الاعترافات بالجمهورية المزعومة.

 ـ هناك حضور مهم للعامل الاقتصادي في السياسة الخارجية المغربية تجاه أمريكا اللاتينية من خلاله يرسم المغرب خريطة التواصل الدبلوماسي وتكريس مضامن تعاون جنوب-جنوب وتنويع شركائه الاقتصاديين مع بلدان المنطقة.

 ـ محدودية المحددين الثقافي والتاريخي في دعم التوجهات الخارجية المغربية صوب أمريكا اللاتينية، ولكن في الآونة الأخيرة يلاحظ أن الدبلوماسية المغربية أصبحت تعطي لهما قسطا من الاهتمام انطلاقا من الموروث الأندلسي المشترك.

 ـ أما على مستوى الإطار القانوني المنظم للعلاقات الثنائية بين المغرب ودول أمريكا اللاتينية، هناك عدد متواضع من الاتفاقيات في مختلف المجالات، غير أنها لا ترتقي إلى مستوى تطلعات المغرب بالمنطقة.

 ـ ويستنتج أيضا أن قضية الصحراء المغربية لها تأثير على طبيعة العلاقات المغربية مع بلدان أمريكا اللاتينية، حيث يشكل التفاهم السياسي من إحدى الركائز الأساسية في تطوير العلاقات بين الجانبين، ومن هذا المعطى السياسي يمكن أن نلاحظ أن للمغرب علاقات متميزة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية مع كل من البرازيل والشيلي والمكسيك.

 ـ أيضا يلاحظ أن هناك علاقات مجمدة ومتوترة مع كل من فنزويلا وكوبا، بحيث تتميز بنوع من الفتور وقلة التواصل بسبب مشكل الصحراء المغربية الذي يؤثر بشكل كبير على مسار تلك العلاقات.

ـ في إطار حركية التعاون المتعدد الأطراف حقق المغرب قفزة نوعية في تطوير علاقاته سواء من خلال دبلوماسية القمم أو من خلال حضوره المهم في التنظيمات الإقليمية التي توجد في منطقة أمريكا اللاتينية، منها المنظمات الإقليمية التي يكتسب فيها المغرب صفة عضو الملاحظ، كما يعد  الدولة الأولى عربيا وإفريقيا التي تحظى بهذه الصفة.

فضلا عن إظهار البرلمان المغربي دورا دبلوماسيا نشيطا في تطوير علاقات التعاون مع ممثلي دول أمريكا اللاتينية، وتجلى  هذا خلال السنوات الاخيرة في دينامية تبادل الزيارات بين ممثلي الغرفتين بالبرلمان المغربي وممثلي البرلمانات الإقليمية بمنطقة أمريكا اللاتينية، كما للمغرب علاقات متقدمة مع التكتلات الاقتصادية بالمنطقة لاسيما مع تجمع السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية “الميركوسور” الذي يضم شريكين أساسيين للمغرب في المجال التجاري بالمنطقة هما البرازيل والأرجنتين.

التحديات التي تواجه الدبلوماسية المغربية

وبالنسبة للتحديات التي تواجه السياسة الخارجية المغربية في تدبير ملف الصحراء بمنطقة أمريكا اللاتينية خلصت الأطروحة إلى  أن هناك مجموعة من الإكراهات:

ـ الإكراهات المرتبطة بالتفاعل الدبلوماسي مع مشكل الصحراء المغربية، وتكمن في معيقات الدبلوماسية المغربية في إدارة ملف الصحراء بأمريكا اللاتينية التي تتمثل في محدودية التوجه الديبلوماسي المغربي نحو هذه المنطقة والتباين في التعاون الاقتصادي وإشكالية البعد الجغرافي، إضافة إلى ضعف شبكة التمثيليات الدبلوماسية المغربية بأمريكا اللاتينية، وانطلاقا من هذه التحديات يتبين أن التفاعل الدبلوماسي المغربي مع قضية الصحراء المغربية يحتاج إلى المزيد من الجهود الدبلوماسية لرصد مكامن الخلل في استراتيجية تدبير ملف الصحراء في هذا الفضاء الجغرافي.

ـ وخلص الباحث  أيضا إلى أن السياسة الخارجية المغربية تواجه تحديات جيوسياسية  تؤثر في تدبير ملف الصحراء  بهذه المنطقة، حيث يلاحظ أن عملية التدبير لهذا الملف تصطدم بمنطق التنافس والصراع، خاصة مع خصوم الوحدة الترابية للمغرب سواء من دول المنطقة لاسيما ذات التوجهات اليسارية الراديكالية (التحالف البوليفاري) التي تدعم الطرح الانفصالي بجبهة البوليساريو أو من خلال التحركات الدبلوماسية الجزائرية التي تسعى إلى بسط نفوذها بمنطقة أمريكا اللاتينية لدعم الجمهورية المزعومة الزائفة.

ـ ويستنتج أيضا أن قضية الصحراء المغربية كانت موضوعا تستعمله الحكومات الإسبانية للمزايدة، كذلك كانت مادة دسمة لتبادل الكيد بين الأغلبية والمعارضة، إضافة إلى ذلك أن كل الأحدث المتعلقة بقضية الصحراء المغربية كانت تصل عبر الإعلام والصحافة الإسبانية إلى منطقة أمريكا اللاتينية.

ولتحقيق المزيد من المكاسب الدبلوماسية حول الصحراء المغربية في أمريكا اللاتينية يقترح الباحث مجموعة من التوصيات التي يمكن توظيفها لخدمة القضية الوطنية:

ـ تعزيز دور البرلمان في السياسية الخارجية المغربية تجاه هذا الفضاء، لأن المؤسسات التشريعية في العالم أصبحت أداة لاختراق الدول الأخرى.

ـ إشراك الأحزاب السياسية في الدفاع عن القضية الوطنية، عن طريق تشكيل وفود حزبية موجهة إلى دول أمريكا اللاتينية لشرح قضية الصحراء ولخلق جو من التفاهم والتقارب بين الأحزاب المغربية وأحزاب دول أمريكا اللاتينية.

ـ المراهنة على الدبلوماسية الاقتصادية التي أصبحت تشكل بعدا جديدا في السياسة الخارجية المغربية، من خلال إشراك القطاع الخاص   من أجل خدمة قضية الصحراء المغربية.

ـ  توظيف الدبلوماسية الرقمية والإعلامية من أجل تسويق لملف الصحراء المغربية بالمنطقة قصد التعريف بقضيتنا الوطنية.

ـ تشجيع الدبلوماسية الأكاديمية، وإنشاء المراكز المتخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية، التي ستساهم في تفسير وتحليل أنماط البنية السياسية لدول أمريكا اللاتينية، بهدف التقرب أكثر من واقعها ومعرفة مواقفها بشأن القضية الوطنية هل هي واضحة أم غير واضحة.

 ـ إسهام فعاليات المجتمع المدني المغربي في أمريكا اللاتينية للترافع عن مغربية الصحراء، وذلك من خلال دعمها وتأهيلها، كما ينبغي التفكير في إنشاء جمعيات الصداقة بين الجمعيات المغربية والأمريكية اللاتينية.

ـ توظيف الدبلوماسية التضامنية من أجل تحقيق المصلحة الوطنية.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي