Share
  • Link copied

ما تفسير الصمت الرسمي والحزبي والجمعوي إزاء مبادرة أميناتو حيدر الانفصالية؟

أعلنت مجموعة من الانفصاليين يوم الأحد الماضي عن تأسيس ما يسمى بـ”الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي” بمدينة العيون، بقيادة الانفصالية أميناتو حيدر، وسطرت الهيئة السياسية، والتي تتشكل من 33  عضوا  برنامجا يسعى إلى التعريف بهذا الملف ومطالبة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بتصفية ما تعتبره “استعمار الصحراء الغربية”. 

وأوضحت الهيئة الجديدة، على أنها ستناضل من أجل ما أسمته “حرية واستقلال الشعب الصحراوي، والدفاع عن كرامة الإنسان الصحراوي بالوسائل السلمية والمشروعة، على اعتبار أن هذا الحق يشكل أساس وروح جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعترف بها الشرعية الدولية والإفريقية لجميع شعوب العالم”.

تأسيس هذه الهيئة الانفصالية من قبل مجموعة من الانفصاليين من مدينة العيون المغربية أثار تساؤلات استنكارية من قبل رواد التواصل الاجتماعي حول صمت الدولة والأحزاب السياسية وبعض الإطارات المدنية المكرسة للدفاع عن الوحدة الترابية، من داخل المغرب وخارجه.

من جانبها حاولت جريدة بناصا التواصل مع بعض الناشطين في ملف الصحراء لاستطلاع رأيهم في الموضوع، غير أن بعضهم عبر عن رفضه بطرق ملتوية في مناقشة الموضوع.

غير أن السؤال يظل قائما..!

فما السر في صمت الدولة والأحزاب السياسية وبعض مكونات المجتمع المدني المعنية بشكل مباشر بملف الصحراء؟ وما سبب تحول أعضاء هذه الهيئة الانفصالية من الجبهة الحقوقية إلى التعبير السياسي العاري الذي يسعى إلى المطالبة إلى “مناهضة الاحتلال المغربي” من داخل الأقاليم الصحراوية للمغرب؟

هل يستضمر صمت الدولة هدفا خفيا Invisible تم تسييجه بآليات وميكانيزمات سياسية تسعى إلى التحكم في الملف عن قرب عبر “صناعة” إطارات انفصالية خاضعة للمراقبة وفق “منطق الدولة” التي خبرت الملف بشكل جيد وأصبحت تتوفر على أوراق لعب كثيرة لمزيد من إضعاف بوليساريو الجزائر وتأسيس ببوليساريو جديدة متصادمة وغير متجانسة ومتحكم فيها تنزع عن الجزائر تدخلها السافر في الشؤون الداخلية للمغرب؟ وتبعا لذلك لا يمكن أن نستغرب صمت الأحزاب؟

خطوة معزولة لا تستحق الذكر

وهكذا اعتبر عمر العباسي، النائب البرلماني عن حزب الاستقلال أن تأسيس انفصاليين لهيئة سياسية مبادرة معزولة ولا تستحق الاهتمام والذكر، وقال العباس في اتصال مع جريدة بناصا: “بالنسبة لي لا تمثل هذه الهيئة شيئا، لأن السكان الصحراويين لهم ممثلون أساسيون هم المنتخبون وشيوخ القبائل، كما أن الجهات الثلاث في الصحراء تعرف أعلى مستوى المشاركة الانتخابية خلال الاستحقاقات الانتخابية، مما يعني  أن قناعاتي وما ورد في الخطاب الملكي أيضا أن ممثلي الساكنة هم المنتخبون”.

وأضاف برلماني حزب الاستقلال قائلا :”حزب الاستقلال له قوة سياسية كبيرة في الصحراء ولا نحتاج التذكير بالتجمع في ساحة المشوار والذي جمع ما يزيد 65 ألف وحضرته قيادات الحزب”.

وشدد المتحدث على أن الجواب على هذه “المبادرات المعزولة والتافهة والتي ستفشل كسابقاتها لأنه قد تتغير الأسامي ولكن تبقى نفس الأطروحة الهشة والتي ستتآكل وتحمل بذور انهيارها من داخلها، لأن هؤلاء ليسوا سوى أدوات في يد جهات تناصب العداء للوحدة الترابية للمغرب، وكل مرة يختارون اسما أو عنوانا لتحركاتهم المعاكسة للساكنة الساحقة لسكان الصحراء والتي هي مع الاختيار الوحدوي لبلادنا، وعبرت عنه في أكثر من مناسبة، وهو ما يعني أن الجواب على هذه المبادرات المضي قدما في الجهوية المتقدمة وتنزيل الحكم الذاتي في الجهات الجنوبية”.

وأما بالنسبة لجواب الدولة على مثل هذه التحركات المستفزة للشعور الوطني، قال عمر العباسي: ” كما أن الجواب على مثل هذه المبادرات كدولة، فإن الجواب هو النموذج التنموي الجديد الذي يرعاه جلالة الملك والذي ينخرط فيه البرلمانيون والممثلون للأقاليم الجنوبية، وتبقى هذه المبادرات التافهة والمعزولة تحن إلى زمن الحرب الباردة وزمن قد ولى”.

وختم المتحدث كلامه مع جريدة بناصا بالقول: “يجب أن نعترف أن هذا الصراع هو صراع جزائري مغربي مع كل الأسف لأن النخبة في الجزائر لم تتغير منذ الاستقلال، نفس الطغمة التي لا تزال هي بيدها الحكم، وتعتبر أن ازدهار المغرب وتقدمه يهددها في ظل غياب الاستقرار السياسي بالمنطقة”.

جيل جديد من البوليساريو

ماذا يعني تحول اهتمام مجموعة من الانفصاليين من المجال الحقوقي إلى المجال السياسي العاري والفاضح؟ لماذا تحول اهتمام الانفصالية أميناتو حيدر من “الكوديسا” إلى ما يسمى بـ”الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي”؟

في الجواب على هذا السؤال يقول خالد البكاري، في اتصال مع جريدة بناصا: “أعتقد أن انتقال مجموعة أمينتو حيدر من الدينامية الحقوقية الملتبسة بما هو سياسي (الكوديسا) إلى دينامية سياسية صرفة ملتبسة بما هو حقوقي (الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي) هو جزء من التطورات النوعية التي تقع داخل منطقة الصحراء توازيا مع ديناميات تقع في مخيمات تندوف، نحن في اعتقادي أمام تصاعد حركية الجيل الثالث المنحدر من تجربة البوليساريو سواء تنظيميا أو نوعيا”.

ويبسط خالد البكاري، رأيه حول سياق تأسيس هذه الهيئة السياسية الانفصالية بمدينة العيون، حيث يعتبر أن تأسيس أمينتو حيدر ومجموعتها للهيئة الجديدة بعد إعلان حل الكوديسا (الحل الذي لم توافق عليه مجموعة علي سالم التامك والتي أغلبها تنتمي لمنطقة واد نون التي لا تعتبر داخل المنطقة المتنازع عليها في المقررات الأممية)، جاء رد فعل على دينامية “صحراويون من أجل السلام” التي تتحرك بإمكانيات لوجستية وبشرية مهمة والتي استطاعت تأسيس فروع بمدريد والساقية الصحراء ووادي الذهب وواد نون، في إعلان أن منطقة واد نون جزء من النسيج الصحراوي (تجاوز مخلفات ما سمي الصحراء الإسبانية نحو مفهوم الصحراء الغربية بأبعادها الجغرافية والقبلية والتاريخية).

وقال خالد البكاري في اتصال مع جريدة بناصا: “لا يمكن فهم انتقال أمينتو حيدر ومن معها نحو تأسيس التعبير السياسي لجبهة البوليساريو داخل الصحراء بمعزل عن الاختراقات التي حققتها حركة “صحراويون من أجل السلام”، هذا المولود الذي يقدم نفسه خيارا ثالثا تؤطره أطروحة “صحرنة النزاع”، بمعنى رفض توجهات وإملاءات البوليساريو الخاضعة للجزائر، ورفض أن تشكل جزء مما يسمى بالصحراويين الوحدويين الذين تحركهم الرباط. لكن نقطة الالتباس في مشروعهم هي عدم وضوح الأفق، فهم لا يطرحون سوى التشبت بمبدأي: حق تقرير المصير، والتسوية السلمية للنزاع”.

هل يمكن أن نفهم أن هذه التحركات في صالح المغرب ولذلك نفهم صمت الدولة عن هذه المبادرات والتي تتغيا عزل البوليساريو في نسختها الجزائرية وإبعاد الجارة الشرقية عن النزاع، أو أن الدولة تسعى على “مغربة” النزاع؟

يجيب خالد البكاري بالقول: “بعض المراقبين يقولون بأنهم مدفوعين من الرباط، ولا يوجد دليل على ذلك، لكن هذا لا ينفي أن هذه التحركات قد تكون في صالح المغرب، من جهتين: الجهة الأولى أن هذا التعبير “صحراويون من أجل السلام” هو بداية انهيار التمثيلية الحصرية للصحراويين من طرف البوليساريو [ التاريخية المرتبطة بالجزائر] مستقبلا حتى في المنتديات الأممية، والثانية وجود محاور ذات تمثيلية معتبرة ومعروف لدى المغرب أشخاصا وتوجهات وأفكارا يمكن التأسيس معه على حل : لا غالب ولا مغلوب”.

ويضيف البكاري في حديث مع بناصا :”هذا ربما يفسر رد مجموعة أمينتو حيدر بتأسيس هيئة سياسية بمثابة تعبير محلي عن البوليساريو”.

كيف نفسر صمت الرسمي عن هذه المبادرات الانفصالية حسب بعض رواد التواصل الاجتماعي الذين أبدوا انزعاجهم من المس بالوحدة الترابية للمغرب لاسيما ,ان المواطن العادي ما فتئ يقارن ملف الريف بلمف الصحراء؟

يسجل المحلل السياسي خالد البكاري أنه يعسر إقناع المواطن العادي وله تبريراته لاسيما وأن “الدولة تجني ثمار تسرعها في شيطنة حراك الريف ووصمه بالانفصال، إذ سيصعب إقناع المواطن العادي بهذا الصمت في مقابل نبرة تصعيدية تجاه حراك لم يعلن أبدا انفصالا”.

غير أن البكاري يستدرك بالقول: قد نجد أعذارا للصمت الرسمي الذي ربما له إكراهاته أو له أوراقه في هذه التطورات، وقد تكون جزء من هذه التطورات متحكم فيها، ولكن صمت الأحزاب والنخبة وجزء كبير من الإعلام سواء الرسمي أو المعروف بدفاعه عن قرارات السلطة يظل غير مفهوم. وقد نجني مستقبلا ثمارا غير سهلة الهضم بسبب هذا “الجبن” من الاقتراب من هذا الملف، والرقابة الذاتية المبالغ فيها حين الاقتراب من ملف الصحراء”.

تأسيس بوليساريو جديد من داخل الأقاليم الجنوبية للمغرب

من جانبه، اعتبر عبد الرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، أن الخطوة التي أقدت عليها أميناتو حيدر ومجموعة من الانفصاليين، بتأسيس هذا التنظيم الحامل لتسمية خطيرة تصف المغرب بـ“الإحتلال ” تسعى إلى تأسيس بوليساريو جديدة من داخل الأقاليم الجنوبية للمملكة.

واعتبر اسليمي بأن الأمر لا يتعلق بمجرد تغيير هيئة من ”حقوقية ” إلى سياسية، أو القول بأن التنظيم الجديد يضم جهات متناقضة ومتصارعة، لأن كل هذه الأقول والتوصيفات “لا تستشعر الخطر الكبير الموجود وراء تنظيم أميناتو حيدر ومجموعتها الانفصالية”.

ودعا المنار اسليمي في اتصال مع جريدة بناصا إلى قراءة الهيئة الجديدة داخل مجموعة عناصر تفسيرية متكاملة، أولها: الصعوبات التي بات يعيشها بوليساريو غالي منذ ثلاث سنوات ومحاولة الجزائر تغيير إبراهيم غالي بشخص يكون مقربا لزعيم البوليساريو السابق محمد عبدالعزيز.

وأوضح المحلل السياسي المعروف أن هذه المحاولة التي يبدو أن المخابرات الجزائرية تخلت عنها.

أما التفسير الثاني، حسب اسليمي، فيتعلق بمخطط الجزائر الذي شرع منذ صعود الرئيس تبون ووزير دفاعه شنقريحة في صناعة بوليساريو جديد يُشرف عليه أبي بشريا البشير من أوروبا، هذا المخطط يريد صناعة   بوليساريو من داخل المدن المغربية الجنوبية، تقوده امرأة هي أميناتو حيدر، بوليساريو جديد يقوم باحتجاجات والدخول في مواجهات مع السلطات المغربية.

 وسجل اسليمي أن الأمر يكتسي خطورة بالغة في سياق مخطط جزائري يريد تشتيت الأنظار عن مخيمات تيندوف، ونقلها نحو المدن الجنوبية المغربية وإبعاد الصفة التي باتت لصيقة بالنظام الجزائري بكونه المسؤول المباشر عن النزاع، وليس من الصدفة، أن يردد النظام الجزائري وقيادات البوليساريو وبيان تنظيم أميناتو حيدر نفس المصطلحات والتوصيفات.

 وأشار المتحدث إلى ملاحظة تتعلق بمحاولة بيان هيئة أميناتو حيدر  العودة إلى بداية النزاع ومحاولة صناعة ”رمزية ” مرتبطة بما سموها ”حقوقي” ونقله للسياسي.

وقال: “وإذا كنت أقول إن الهيئة لها علاقة بمخطط الجزائر الذي يديره قيادي البوليساريو أبي بشرايا البشير من أوروبا، فيكفي هنا العودة للمقارنة بين الوثيقة التي كتبتها المخابرات الجزائرية منذ شهور وسلمتها لنائبة ألمانية أرادت نسبها للبرلمان الألماني، حيث نجد نفس المصطلحات ونفس البناء الموجود في بيان هيئة أميناتو حيدر .كما أن تركيز بيان هيئة أميناتو حيدر على الاتحاد الإفريقي ودور البعثة الأممية خطاب جزائري صرف يكفي العودة لتصريحات تبون ووزير خارجيته بوقادوم للمقارنة”.

ونوه عبد الرحيم المنار اسليمي في ختام حديثه مع بناصا إلى أن الأمر يتعلق بمخطط جزائري يريد تحويل الصراع إلى داخل الأقاليم الجنوبية للمغرب، وقال: “يجب الانتباه فالأمر يتعلق بمخطط جزائري خطير يتم تنفيذه بواسطة هيئة أميناتو حيدر، مخطط  قد يصعب التصدي له في حالة ما إذا ترك يتحرك بالشكل الذي اجتمع به أزيد من 33 انفصاليا بقيادة أميناتو حيدر بمدينة العيون، فالمخطط الجزائري لصناعة بوليساريو جديد يتم تنفيذه عبر هيئة أميناتو حيدر” .

Share
  • Link copied
المقال التالي