احتدم الصراع بين لوبي المدارس الخاصة وآباء وأولياء التلاميذ فأُعيد الجدل المثار مؤخرا حول المدارس الخصوصية ومطالبة مجموعة منها بأداء ما بذمتهم من مستحقّات أشهر الجائحة وتهديدهم باللجوء إلى القضاء في حال امتناعهم عن الأداء، واشتدت النقاشات والدعوات إلى التفكير بـجدية في حلول واقتراحات لحل الإشكال المُثار.
مطالب ورفض للأداء
تضمنت مجموعة منشورات لآباء وأولياء التلاميذ تذكيرا بما جاءت به مقتضيات وأحكام القانون 06.00 والّذي هو بمثابة النّظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي، والمؤطّر لتعاقد الآباء وأوليّاء التلاميذ من جهة ومؤسّسات التعليم الخصوصي.
والّذي يشير في مادّتيه: الرابعة والثامنة بصريح العبارة أن التزام التعليم الخاص لا يتوقّف فقط على إعطاء الدّروس النّظريّة بل يتجاوزها إلى تأطير التّلاميذ وتهيئهم لاجتيّاز الامتحانات… وأنه بناء على نفس القانون يترتّب التزام مؤسّسات التّعليم الخاص مراقبة التّلاميذ لمدّة تصل إلى ثمان أو تسع ساعات يوميّا من الاثنين إلي الجمعة،علاوة على التمارين الريّاضيّة، والتّجارب المخبريّة، والأنشطة البيداغوجيّة .
وتبعا لذلك، ترفض الجهة ذاتها رفضا مطلقا تسديد واجبات الدّراسة 100٪ لأشهر أبريل، ماي، يونيو، على اعتبار أن المدارس الخصوصيّة لم تؤدي واجباتها تجاه التّلاميذ 100٪ ونقترح دفع 50٪ على بخصوص أبريل و ماي، فيما يتم الأعفاء الكلي من شهر يونيو، وذكرت الجهة ذاتها أن اعتماد بعض المدارس الخصوصيّة على وسيلة الواتساب فقط، جعلنا نجلس ساعات طوال أمام الهواتف وشاشات الحاسوب لتعويض دور المدرسة، مع ما يصاحب هذه العمليّة من مجهود ذهني خصوصا أن الكثيرين منّا ملزمون أيضا بالعمل من المنزل وكذا الاهتمام بأكثر من تلميذ في مستويات مختلفة.
ويشير الآباء والأولياء أنهم لا يحملون الأساتذة والأستاذات أي مسؤوليّة في هذا الوضع الغير السّليم، بل نتضامن معهم، على اعتبار أنهم متضرّرون بشكل مباشر من تبعات هذه الجائحة،كما يطالب الآباء بإرجاع 50٪ من المبلغ المدفوع بالنّسبة للعائلات الّتي دفعت المبلغ كاملا “مضطرّة”،هذا علاوة على مطالب أخرى بإعفاء آباء وأوليّاء التلاميذ والّذين يشتغلون في قطاعات تضرّرت بشكل مباشر من هذه الجائحة، وأن يتم اعتبار تأمين أشهر، أبريل، ماي، ويونيو، كتعويض للسّنة الدراسيّة القادمة لأشهر: سبتمبر، أكتوبر، ثم نونبر، كما تجدر الإشارة أن هذه المطالب ليست على سبيل الحصر.
انتقال جماعي
باشر مجموعة من الآباء والأمهات في الانخراط فعليا في الدعوات التي أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي، ومفادها تسجيل أبنائهم في المدرسة العمومية بعد سحبهم من التعليم الخاص لإعادة الاعتبار لها من جهة وقطع الطريق على “مالين الشكارة” من جهة أخرى.
وفي هذا السياق، كشف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض بفاس أنه توصل ب 180 تكليفا من طرف أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بإحدى المؤسسة التعليمية الخصوصية من أجل النيابة عنهم في مراسلة المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية لتمكينهم من جميع الوثائق والشواهد الإدارية والملفات وشواهد المغادرة واستدعاءات الإمتحانات الإشهادية والباكالوريا، وشواهد النتائج وكل ما له علاقة بأبنائهم وبناتهم لدى المديرية أو لدى إدارة المؤسسة.
وأوضح في إشعار وجهه إلى المدير الإقليمي، تتوفر جريدة “بناصا” على نسخة منه، أن لجوء هؤلاء إلى إخراج أبنائهم من المؤسسة الخصوصية حيث كانوا يدرسون راجع “لفشل الوساطة التي قامت بها المديرية الإقليمية مع المؤسسة، مشيرا إلى أنهم “يحملون احتقان الوضع المتأزم بينهم وبين إدارة المؤسسة لقرار الإدارة الرافض للحوار ولما ترتب عنه من مخلفات مهينة بكرامتهم أثرت عليهم وبالأخص على نفسية أبنائهم وبناتهم”.
وبناء على ذلك، دعا هؤلاء المدير الإقليمي إلى “إدخال أسماء بناتهم وأبنائهم الذين سيختارون التعليم العمومي ضمن اللوائح المدرسة ومخططاتها وتوفير مقاعد لهم وفقا لمقتضيات الخريطة المدرسية لوزارة التربية الوطنية”. وفي نفس الوقت، طلبوا منه “تحمل المسؤولية تجاه أي تعامل انتقامي قد يصدر ضد أبنائهم فيما يخص التنقيط والملاحظة واللذان يدخلان ضمن الجانب التربوي الموكول لكم مراقبته بكل الطرق الممكنة”، بتعبير الإشعار.
رفض للوساطة
سبق لوزير التربية الوطنية للهيئات الممثلة لجمعيات آباء وأمهات التلاميذ أن دعا إلى التوسط لتجاوز الخلاف القائم بين الأسَر التي يتمدرس أبناؤها في هذه المدارس من جهة، وأرباب هذه المدارس من جهة ثانية، في تقريب وجهات النظر بين الطرفين إلا أنه لم يفلح في ذلك بحيث اشتد الخلاف بينهما ليصل إلى القضاء.
وكتب محمد النحيلي ،المنسق الوطني لمجموعة اتحاد آباء و أولياء تلاميذ التعليم الخصوصي بالمغرب، التي يبلغ عددها لحدود اليوم أكثر من 36 ألف عضو، “ونحن نطلع على بعض بلاغات ما سمي بالوساطة نشير إلى أن الجمعيات الموقعة لا علاقة لها بالتعليم الخصوصي وهي تمثل القطاع العمومي بغض النظر على طريقة تكوينها، فقط يجب أن نشير إلى أن معظم رؤساء أساتذة أو أحد منتسبيها من الأطر الإدارية بنفس المؤسسة والبعض منهم يقدم ساعات إضافية بالمؤسسات التعليمية الخاصة وهذه الجمعيات تم إحداثها بمباركة مدير المؤسسة وهذا الأخير تحت إمرة المدير الإقليمي والأخير بدوره تحت إمرة مدير الأكاديمية الذي هو تحت إمرة وزير التربية الوطنية وهو الذي يمثل حزبا سياسيا وشخصيات متحكمة في القرار داخل حزبه.”
ويضيف النحيلي أن “بعض البرلمانيين من أحزاب سياسية أخرى من تدافع عن مصالحها بل هناك زعماء سياسيون ومن ينتمي للحزب السياسي الأغلبي يديرون معركة “السحت” واستخلاص مبالغ غير مشروعة ضد آباء وأمهات وأولياء تلاميذ مؤسسات التعليم الخصوصي بالمغرب”.
وأعقب أنه ” في غالب الأحيان نجد أن من هم في طاولة واحدة تربطهم مصالح مشتركة ويصدرون بلاغات تحت الطلب، ليظل الغائب الأكبر هم آباء وأولياء التلاميذ بمؤسسات التعليم الخصوصي بالمغرب ولا حديث عن وساطة أو مفاوضة دون حضور جميع أطرافهاو ما عدا ذلك، أي خلاصة لا تستجيب لمطلبنا فنحن براء وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء وكلمة الحق تعلو ولا يعلى عليها”.
تهم بالتحريض ومحامون متطوعون
وقامت إحدى مؤسسات التعليم الخصوصية برفع شكاية ضد أولياء تلاميذ يدرسون لديها، متهمة إياهم بقرصنة أرقام هواتف مسيريها، وتحريض زملائهم على عدم أداء واجبات تمدرس أبنائهم، وردّت مجموعة اتحاد آباء وأمهات وأولياء تلاميذ مؤسسات التعليم الخاص بالمغرب بتكليف فريق من المحامين من أعضائها لمؤازرة الآباء المشتكى بهم، كما تستعد لرفع دعاوى أخرى ضد المدارس الخاصة تتعلق بواجبات التمدرس.
وتجدر الإشارة أن الشكاية المقدمة لوكيل الملك هي حول ثمانية آباء يدرسون أبناءهم بمؤسسة خاصة، وجهت لهم تهمة “التحريض على عدم الأداء وقرصنة الارقام” ،وتم استدعاء الآباء بمنازلهم من طرف ولاية الأمن (4 قبل رمضان و4 ليلة القدر) والتي خلفت آثارا نفسية على الأطفال، في حين تم احتجاز 4 هواتف لدى الشرطة من أجل استكمال البحث.
مقترح تعليم شبه عمومي
وفي تدوينة متداولة بين آباء وأولياء التلاميذ، تم اقتراح مجموعة من المقتضيات على وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي في شكل نموذج ثالث للمؤسسة التعليمية، يمكن وسمه بالتعليم الشبه عمومي يكون موجها للأسر ذات الدخل المتوسط، يرتكز على سبعة عناصر أساسية تتمثل في تفويت تدبير مجموعة من المؤسسات التعليمية في الوسط الحضري لمقاولات تربوية تسهر على التدبير الإداري والمالي للمؤسسة، بناء على دفتر تحملات خاص ومحدد وتحديد الوزارة مبلغ التسجيل والأداء الشهري بما يشكل 50% مقارنة مع التعليم الخصوصين.
بالإضافة إلى أن تحافظ المؤسسة على طاقم التدريس كاملا من أساتذة التعليم العمومي الذين كانوا يعملون بنفس المؤسسة وتعويض الخصاص حسب الحاجة على قدم المساواة مع المؤسسة العمومية، وأن تشرف وزارة التربية الوطنية على الإشراف والمراقبة التربويين وعلى التكوين المستمر لفائدة أطر التدريس، وأن تتكلف المقاولة بكل ما يتعلق بالصيانة والأنشطة الموازية وأنشطة الدعم التربوي،علاوة على التزام المقاولة، وفق دفتر التحملات، بجلب أطر تربوية متخصصة لتدريس مواد تكميلية كالمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية والسينما والرقص…وأن تلتزم كذلك المقاولة بصرف تعويضات تحفيزية لفائدة الأطر التربوية بناء على المردودية والمبادرة وروح المسؤولية.
كما اعتبر المقترح أن هذه المقتضيات لن تستطيب أرباب المؤسسات الخاصة بالمغرب، لكن من شأنها أن توسع مجال المنافسة وأن يحل الكثير من المشاكل العويصة التي يتخبط فيها التعليم بالمغرب، كما من شأنه أن يخفف الضغط على المؤسسات الخاصة، الذي يدفع إلى تشييد المزيد من المؤسسات الحرة التي من شأنها أن تأكل التعليم العمومي في مدى لن يتجاوز العقد من الزمن.
تعليقات الزوار ( 0 )