وفاة أحمد بلقرشي، الحارس الدولي المغربي حدثا هز كيان الجسم الرياضي الوطني، غير أن هذا الحدث لن يمر دون النبش في الذاكرة الرياضية لواحد من أفضل الحراس المغاربة والعرب الذين عرفهم التاريخ الرياضي.
ما زال المراكشيون إلى الآن، يتذكرون أحمد بلقرشي المشهور ب”الشاوي”، حارس مرمى فريق الكوكب المراكشي و المنتخب الوطني عقد السبعينات، كلما أمتعهم حارس مرمى بارتماءة جميلة أو بنطة محكمة. كلما شاهدوا لقطة من اللقطات البارعة للحراس إلا ورددوا عبارة: “فين أيامك آلشاوي”.
سجل أحمد الشاوي حضوره كظاهرة وموهبة في حراسة مرمى كرة القدم منذ طفولته بالمدرسة الإبتدائية “القنارية”، وبحي “درب ضباشي”، لدرجة كان يلعب أكثر من مباراة في اليوم مع فرق متعددة أحيانا تكبره سنا، ما سرع نجوميته ليصبح حديث عشاق كرة القدم المراكشية. إلا أن ذلك أثر بالمقابل على مساره الدراسي، حيث كان يتغيب باستمرار عن حصصه الدراسية كلما دعي لمباراة، بعدما يودع محفظته لدى بقال الحي، لينهي دراسته بقسم “الملاحظة”، المؤهل للإعدادي، سنة 1960، ويتفرغ للكرة المستديرة محبوبة الشعوب.
إن لم تأت بالقلم ستأتي بالقدم
ويتذكر الشاوي بهذا الخصوص أن أستاذه الشرايبي نصحه بإكمال دراسته، والموازنة بين العلم والرياضة، كونه يتمتع بذكاء وتركيز شديدين في الدراسة، وموهبة خارقة في حراسة المرمى، إلا أن الشاوي رد عليه بمقولة: إن لم تأت بالقلم ستأتي بالقدم. وكان الشاوي يذكر أستاذه بعد ذلك بهذه المقولة، كلما حضر الأستاذ كزبون لأحد الأبناك التي كان الشاوي موظفا بها.
في سنة 1966 من القرن الماضي، نجح كل من لاعبي الكوكب المراكشي السردي، والقزويني، وبومليحة في إقناع أحمد الشاوي لحضور حصة تجريبية مع فتيان الفريق، استطاع خلالها نيل ثقة كريمو، الذي كان لاعبا ومدربا بالفريق المراكشي، متفوقا على 13 حارسا حضروا الحصة، ويصبح الحارس الرسمي لفتيان الكوكب المراكشي، الذين لم يقض معهم أكثر من موسم، حتى نودي عليه لفئة الشبان، ليجد الشاوي منفذا للإشعاع الوطني والدولي، حيث اختير حارسا للمنتخب الوطني للشبان والأمل سنة 1969، وفاز مع هذا الأخير بدوري فرنسا سنة 1972، إلى جانب كل من بتي عمر، والظلمي، وامحمد، وبابا، ولعلو، وجبارة، وعبد الحنين كحيلي، ولشهب (سفير بروسيا حاليا)، وهي المناسبة التي قررت فيها الفيفا بطولة كأس عالم الشبان.
الكوكب المراكشي أو لاشيء
تألق أحمد الشاوي بدوري فرنسا، الذي توج خلاله كأحسن حارس، إلى جانب اللاعب بتي، فتح أمامه مجموعة عروض احترافية، يؤكد الشاوي ذاته، أنها مغرية، كانت من طرف لوهافر، ومارسيليا، التي كان يلعب لها البرازيليين سيزار، وجرفينيو، ثم الفريق الثالث لميونيخ الألماني، والفريق الثاني لأوتريخت الهولندي، إضافة إلى فريق تموشنت الجزائري، إلا أن سيدي أحمد ، كما يناديه زملاؤه، رمى بذلك وراء ظهره، وعاد إلى مدينة البهجة مشحونا بوحشة لافحة، لوالديه، وأصدقائه، ولساحة جامع الفنا، وحدائق “الكتبية”، قبل أن يعلق على ذلك: ما كان عقل.
رفض أحمد بلقرشي قبل ذلك اللعب لغير الكوكب، بعد عروض كل من الرجاء والوداد البيضاويين، والجيش الملكي، والمغرب التطواني، وحسنية ورجاء أكادير، وهو تعصبُ جر على الشاوي غضبة بعض مسيري الرجاء والوداد والجيش بالخصوص، الذين يقول الشاوي انتقلوا من صيغة الإغراء المالي إلى صيغة المساومة بانتقاله لأحد هذه الأندية مقابل المناداة عليه للمنتخب الوطني. وأوضح الشاوي أن رفضه الإحتراف نتج عن صورة سوداء قاتمة شكلها في ذهنه المسيرون والمقربون من كون بلاد المهجر غير آمنة والصراع المغربي الجزائري في أوجه. أما الإنتقال لفريق وطني آخر فيعتبرها خيانة لجمهور متعلق به.
ويذكر الشاوي أن مسيري الرجاء البيضاوي استدرجوه مرة بمدينة الدار البيضاء، حيث استضافه المرحوم عبد اللطيف السملالي للمبيت بمنزله مع وضع حراسة مشددة عليه في الطريق أو المطعم، حتى لا يسرقه المراكشيون، لدرجة، كلما شاهد الحراس شخصا يرتدي طاقية أو ذا سحنة مراكشية إلا و لازموه. لكن إلحاح الجمهور المراكشي الذي طالب تدخل الأمير المرحوم مولاي عبد الله أعاد الشاوي لفريق الكوكب المراكشي.
الهروب من المستشفى
وكان أحمد الشاوي يقاس بقيمة نصف الفريق آنذاك، وباعتراف اللاعبين من جيله والذين ساندوه في مطالبته مكتب الحاج ميلود، رئيس الفريق، بثلاثة ملايين سنتم كمنحة توقيع بداية الموسم، رغم كونهم لا يتقاضون نصفها. كما كان اللاعبون وبالأخص المسيرون لا يحتملون غياب الشاوي عن التشكيلة الرسمية للفريق، ولو كان مصابا. وهنا يتذكر الشاوي إحدى طرائف مساره الكروي، وهو يخوض لقاء ضد فريق الجيش الملكي، لقاء وعدهم الوزير عبد الله غرنيط، بتشغيل العاطلين إذا حققوا الفوز، حيث ارتمى الشاوي على كرة من تسديدة محكمة لباموس ليسقط خطأ ويصاب بكسر مزدوج في فكه السفلي، استمر معه حتى آخر المباراة. والغريب في ذلك هو أن لاعبي الكوكب المراكشي رفضوا من لاعبي وطاقم الجيش الملكي حتى الاقتراب منه للإطمئنان عليه، مرتابين، يقول الشاوي، من الغواية. والأغرب منه هو إقحامه أساسيا بعد أسبوع واحد على إجراء عملية في فكه، لدرجة كان الشاوي يتواصل مع مدافعيه بالتصفيق والحركات.
ويضحك الشاوي وهو يسرد عملية هروبه من المستشفى العسكري بالرباط عقب إجراء العملية، وامتطائه القطار المتوجه إلى مراكش، هناك صادف وصوله مباشرة وصول الحاج ميلود والعمراني، الذين ساقوه للقاعدة العسكرية، التي يقيم بها الفريق برئاسة الكولونيل بامعروف، ليلعب اللقاء القادم ضد فريق سيدي قاسم. ويؤكد الشاوي أن لاعبي سيدي قاسم بقيادة المهاجم عزيز العمري، كانوا يتجنبون الإحتكاك رأفة به. و مرة أخرى، يقول، سرقه المسيرون من مصحة بمراكش منتصف الليل ليلعب أمام رجاء بني ملال.
مشوار مغبون
كل هذه التضحية والنجومية والوفاء ما شفعت للشاوي كي يخرج، بعد مسار 19 سنة كحارس رسمي بالكوكب المراكشي، بتتويج وطني أو دولي، حتى أن البعض يقول إنه جاء قبل وقته، باستثناء كأس دوري فرنسا، وبلوغ الدور الثاني لأولمبياد ميونيخ بألمانيا. مع أنه ليس من محظوظي “الكريمات”، التي لم يكن يسعى إليها، يقول الشاوي. وأضاف بلقرشي أنه لو بقي المسيرون القدامى بالكوكب المراكشي لكان الوضع أحسن، مردفا أن من تعاقبوا على الكوكب المراكشي منشغلون بأحوالهم وأحوال الفريق اليومية فقط.
ما زال أحمد الشاوي مرتبطا بملاعب كرة القدم حتى اليوم، لكن من زاوية مؤطر حراس مرمى الفئات الشابة للكوكب المراكشي، وهي المهمة التي تلقى بشأنها تكوينا، اعتبره الشاوي ضروريا لصقل المواهب، مشددا على الموهبة أولا في حراسة المرمى، قبل الصقل، وهو الذي يبرر قلة حراس المرمى بالمغرب لافتقاد الموهبة، والعمل على صنع الحارس.
وقد أشاد أحد المؤطرين الأجانب بالشاوي في محفل رسمي بعد حضوره إحدى حصصه التدريبية مع الفتيان، قائلا: “إن ما جاء به نظريا يفعله الشاوي تطبيقيا”. تبقى وظيفة أحمد الشاوي ذو المستوى الإبتدائي، والذي عرف مصرفيا بمراكش منذ 1974 هي ما فاز به في مشواره الرياضي، حيث تدخل أحد مرافقي المنتخب الوطني بعد رحلة بالكامرون ليشغله بإحدى الوكالات البنكية بمراكش، والتي كادت بدورها أن تقيله جراء رفضه الأنتقال لمدينة الدار البيضاء لأجل التكوين، حيث كان قد عاد لممارسة الجزارة بدكانه والده بالحي، الذي يسكنه لولا استعطاف زملائه والمحبين.
تعليقات الزوار ( 0 )