أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العاشر من دجنبر الجاري، وقبل شهر تقريبا من نهاية ولايته الرئاسية، وتسليم مقاليد الحكم لخلفه جوزيف بايدن؛ إعلانا رئاسيا يعترف بموجبه بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وفتح قنصلية لها بمدينة الداخلة تقوم بالأساس بمهام اقتصادية من أجل تشجيع الاستثمارات في المنطقة. يأتي هذا القرار موازيا كذلك لإحياء العلاقات المغربية-الإسرائيلية، وفتح مكاتب الاتصال بين المغرب وإسرائيل المغلقة منذ 2002، وتسيير رحلات جوية لنقل اليهود المغاربة والسياح الإسرائيليين من وإلى المغرب بحسب بلاغ للديوان الملكي المغربي.
يشكل الإعلان الأمريكي هذا نقطة تحول جوهرية في ملف الصحراء، كون هذا الاعتراف يصدر من قوة دولية لطالما سعى المغرب للحصول على دعمها في الملف، وظل متوجسا باستمرار من أي انعطاف أو تغير في التوجه الأمريكي تجاه الملف وتجاه المنطقة بشكل عام القائم على الحفاظ على الوضع الراهن Status Quo، وعلى حد أدنى من التوازن الاستراتيجي بين القطبين الإقليمين المغرب والجزائر باعتبار دعمها المطلق لجبهة البوليساريو.
ينقل هذا القرار الموقف الأمريكي من قضية الصحراء من مستوى الخضوع لتحولات وتقلبات المشهد السياسي الأمريكي الداخلي المتأرجحة بين تأييد مخطط الحكم الذاتي، وبين الانتصار للطرح الانفصالي والدعوة لتنظيم استفتاء تقرير المصير، وضرورة ربط المساعدات الأمريكية للمغرب باحترام حقوق الإنسان في الصحراء، وهو ما لا يرغب به المغرب خشية من جعل مسألة حقوق الإنسان مدخلا لتدويل القضية، إلى مستوى الدعم الصريح والمباشر للطرح المغربي.
سيشكل الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية مرجعية سياسية إضافية للمقاربة المغربية، بما يمكن دبلوماسيته من توسيع هامش حركيتها ونشاطها نحو فاعلين أو منظمات أو مجالات جغرافية جديدة خاصة تلك التي تحوز فيها الولايات المتحدة الأمريكية النفوذ والتأثير والتوجيه. كما أن الخطاب المغربي قد يتعزز بالإحالة إلى اللغة التي صيغ بها الإعلان الأمريكي الذي اعتبر أن اقتراح الحكم الذاتي يعتبر الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع في الصحراء، وأن قيام دولة صحراوية مستقلة ليس خيارا واقعا، وهو نفس القاموس السياسي والدبلوماسي الذي يرتكز عليه المغرب.
من المحتمل جدا أن يرفع الانحياز الأمريكي للموقف المغربي من القيمة الجيوسياسية والجيوستراتيجية للمغرب على المستوى الإقليمي، إذ سيسعى لحسم القضية وطيها بشكل نهائي، وهو وضع سيحرره من كوابح سياسية واقتصادية وأمنية لطالما فرملت طموحاته ومبادراته الريادية الإقليمية.
بالمقابل ينطوي القبول المغربي بمنطق المقايضة الأمريكي على مغامرة استراتيجية. ففي السياسة الخارجية بشكل عام يبدو من غير المنطقي توجيه العامل الثابت بالمعطى المتحول، وإخضاع قضية سيادية لقرار يتأثر وينضبط إلى حد بعيد بسياقات سياسية محدودة في الزمان. فالسيادة المغربية على الصحراء ظلت باستمرار من الثوابت الكبرى للمغرب، وعنصر تعريف مركزي للدولة، وهو ملف بالإضافة لأبعاده السياسية والاقتصادية والأمنية، قضية وطنية شعبية تختزل حمولات تاريخية واجتماعية ودينية ورمزية. أما قرار تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” فبالإضافة للرفض الشعبي العريض الذي عبرت عنه فئات واسعة من المغاربة، فإنه يحمل في طياته تأويلا وتلميحا يماثل ويشبه وضعية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين التي يشرعنها ويقبل بها قرار التطبيع؛ بوضعية السيادة المغربية على الصحراء التي يكرسها الاعتراف الأمريكي.
تثبت تجارب التطبيع المسنودة أمريكيا، أن الرهان على هذا الخيار لا يحقق أمنا ولا يدعم اقتصادا ولا يحسم نزاعا أو خلافا، وحتى إن تم ذلك فضمن الهامش الذي ينضبط للأولويات الأمريكية-الإسرائيلية المرتبطة بتعزيز الاندماج الإقليمي ل”إسرائيل” في المنطقة، وتقوية نفوذها، والرفع من أرقام مبيعات الأسلحة الأمريكية، ناهيك عن الاعتبارات السياسية والانتخابية الداخلية.
ولا شك أن الحسابات الأمريكية المبنية على رؤية جيوسياسية شاملة للمنطقة العربية، تتقدم بمراحل عن الاعتبارات والانشغالات الذاتية والمعزولة للدول العربية التي دفعتها الإدارة الأمريكية للتطبيع مع “إسرائيل”، وفي الحالة المغربية تظل الشهور وربما السنين المقبلة كفيلة بإثبات أو نفي عدالة الصفقة.
- باحث في قضايا السياسة الخارجية المغربية
تعليقات الزوار ( 0 )