وفقا لأحكام الفصل 47 من الدستور المغربي ، عين جلالة الملك رئيس الحكومة من حزب التجمع الوطني للأحرار الذي بدأ مشاوراته مع جل الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان تحضيرا لتشكيل الحكومة . وقد طفت إلى السطح بعض التسريبات الإعلامية لجس النبض بخصوص تشكيل أغلبية حكومية من ثلاث أحزاب فقط : حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة و حزب الاستقلال. وهو المنحى الذي سار فيه الأمين العام لحزب ـ”البام” عبد اللطيف وهبي عندما صرح خلال لقائه مع برلمانيي الحزب يوم الأربعاء بمدينة سلا بأن ” الانتخابات وجهت رسائل ديمقراطية داخلية، واختارت بوضوح أغلبية سياسية مكونة من ثلاثة أحزاب فقط ، وقد تشكل في حالة نجاح المشاورات، أرضية مواتية وغير مسبوقة لتشكيل تحالف سياسي مشروع ومنسجم، اختارته الصناديق بكل ديمقراطية وحرية وشفافية”.
فالأمين العام لحزب “البام” يمارس السياسة بدهاء ، لأن من مصلحة حزبه أن تنحصر الأغلبية الحكومية في ثلاثة أحزاب ، ليس كما قال بأنها “أغلبية منسجمة ” ، و إنما يحاول بذلك البحث عن تموقع قوي لحزب الأصالة والمعاصرة داخل الأغلبية الحكومية يحقق من خلاله مجموعة من الأهداف . وسنشرح ذلك فيما يلي :
– يمكن للحكومة ، من الناحية الدستورية و السياسية ، أن تتألف من ثلاث أحزاب كما سبق الذكر . التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال بأغلبية 269 مقعد ، وهي أغلبية مريحة . لكن في حالة ما إذا خرج حزب الأصالة أو المعاصرة أو حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي ، وهو أمر وارد ، قد تفقد الحكومة أغلبيتها و تحصل أزمة سياسية ستجعل رئيس الحكومة يبحث عن حزب مساند للأغلبية من خارج الائتلاف الحكومي أو حزب من المعارضة أو حزبين لتشكيل حكومة من جديد قصد الحصول على الأغلبية ، وإلا تم إسقاط الحكومة بملتمس الرقابة أو إثارة مسؤوليتها السياسية أمام البرلمان .
– يجب استحضار الخلافات السياسية والشخصية السابقة بين الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة و الطموح القوي الذي كان لدى الأمين العام لهذا الحزب الأخير لاحتلال الصدارة في الانتخابات ورئاسة الحكومة . كما أن هذا التقارب و التوافق بين الحزبين و الذي عبر عنه عبد اللطيف وهبي ، إذا ما تحقق على أرض الواقع ، لن يكون مبنيا على أرضية صلبة ، فهو نوع من “التكتيك السياسي” حتى يتمكن حزبه من المشاركة في الحكومة كمرحة أولى ، ثم على فرض أن الحكومة ستكون مشكلة فقط من ثلاثة أحزاب ، ستصير لحزب “البام ” قوة التفاوض على توزيع المناصب الحكومية وعلى رئاسة أحد مجلسي البرلمان ، خاصة مجلس النواب ، ثم ستكون له القدرة على فرض بعض أولوياته السياسية في البرنامج الحكومي و فرض منهجيته للعمل الحكومي ، مستفيدا من وضعه في الحكومة كثاني قوة سياسية من حيث عدد المقاعد ، وتبعا لذلك يمكن له استعمال هذه الورقة للضغط على رئيس الحكومة من أجل الحصول على امتيازات حكومية ، وإلا هدد بالخروج من الحكومة سعيا لفقدها للأغلبية.
والمثال الذي ضربناه فيما يتعلق بحزب الأصالة والمعاصرة يمكن أن ينطبق أيضا على حزب الاستقلال. ولذلك، فتشكيل الحكومة من ثلاثة أحزاب ، كما يطمح إليه أو يتوقعه البعض ،عبارة عن مخاطرة سياسية يجب أن ينتبه إليها رئيس الحكومة عزيز أخنوش ، لأن استمرار الحكومة التي ستعين خلال الأيام القادمة رهين بعدد الأحزاب المساندة لها ، والتي قد لا تقل عن أربعة أحزاب. وفي حالة ما إذا أسفرت نتائج المشاورات عن إضافة حزب رابع ، ينبغي أن تكون له قواسم مشتركة مع الأحزاب الثلاثة الأولى ، وذلك من أجل تشكيل حكومة بأغلبية جد مريحة . فحتى لو خرج حزب الأصالة و المعاصرة أو حزب الاستقلال من الحكومة للتموقع في المعارضة لن يؤثر ذلك على الأغلبية الحكومية من حيث عددها ، و ستظل الحكومة مستمرة في عملها بشكل عادي.
*أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بالرباط
تعليقات الزوار ( 0 )