الأوبئة والجائحات ليست من الأمور الغريبة على البشرية. فالتاريخ حافل بالماسي العديدة التي خلفتها الأمراض الفتاكة عبر العصور والأزمنة. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر الأنفلونزا الاسبانية (1918) التي أودت بحياة ما بين 50 و 100 مليون شخص عبر العالم الأنفلونزا الاسيوية 1957 وأنفلونزا هونغ كونغ 1968 واللتان فتكتا ما يقارب المليونين لكل منهما. وتندرج جائحة كورونا في خانة هذه الأوبئة مع فارق القياس من حيث الزمن والتطور العلمي والتكنولوجي الذي يسمى عصر كوفيد 19 واكتساحه كافة بقاع المعمور والسرعة المذهلة لانتشاره. وهذا هو مكمن الخطورة لكورونا، حيث أنها أوقفت جل مظاهر الحياة في وقت وجيز أمام ذهول وعجز اعلى القوى الاقتصادية في العالم المتطورة علميا وتكنولوجيا عن ايجاد أدوية ناجعة لوضع حد لهذا الوباء الذي ترتبت عنه تداعيات وخيمة على مختلف مناحي حياة البشرية. بحيث أصبح العالم بمثابة سجن كبير بفعل اغلاق المجالات الجوية والبحرية والبرية. عالم تحولت فيه الدول الى أقفاص صغيرة معزولة بعضها عن بعض بشكل شبه كلي بسبب الاجراءات الاحترازية التي اتخذتها كل دولة على حدة لتلافي قدر الامكان الخسائر البشرية وحماية مواطنيها، بعدما تفشى هذا الوباء بشكل مرعب و الذي فتك ولا يزال بأرواح عديدة خاصة في الدول التي تصنف في عداد القوى العظمى مثل الصين والولايات المتحدة وأوروبا التي تتوفر على امكانيات اقتصادي وتكنولوجي منقطع النظير.
ومن التداعيات الوخيمة لهذه الاجراءات، اصابة الاقتصاد العلمي بالركود التام، نتيجة توقف عجلة الاقتصاد جراء اغلاق المصانع والجامعات والمتاجر باستثناء تلك المتعلقة بالاحتياجات الضرورية ذات الصلة بالاستهلاك الفوري. وقد ترتب عن هذه الوضعية تكبد معظم الشركات خسائرا جمة، و فقدان ملايين العمال والمستخدمين لوظائفهم وأصبحوا بالتالي عالة على كاهل دولهم. والأسوأ من ذلك هو أن العديد من المواطنين تحولوا الى مشردين ويعيشون أحلك ايام حياتهم خاصة في الدول التي لم تعر أي اهتمام لهذه الشريحة من مواطنيها. وفي هذا المضمار، لا يسعني الا أن أنوه بالسياسة الرشيدة والحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي أولى اهتماما لا مثيل له لكل مكونات الأمة المغربية. فبفضل تعليماته السديدة التي وجهها للمسؤولين كل حسب اختصاصاته، استفاد كل المواطنين المغاربية، وفقا للاستراتيجية التي وضعت حسب الشروط و المعطيات المدروسة بعناية فائقة، بمساعدات مادية ومواد غذائية. هذا ناهيك عن المساعدات التي قدمها المحسنون وافراد المجتمع المدني الذين وقفوا وقفة رجل واحد خلف ملكهم الهمام. ويجدر القول للإنصاف، أن هذه الالتفاتة المولوية عززت الثقة أكثر بين مكونات المجتمع المغربي ومؤسساته بحيث جعلت ذلك المواطن البسيط يحس أكثر بدفيء الوطن.
إن جائحة كورونا التي يطلق عليها مجازا “اشتراكية المرض”، قد بعثرت كل الأوراق وكسرت كل الحواجز بالنظر الى نمط الحياة الذي فرضته. اذ أصبح الغني والفقير والأستاذ والطالب والمريض والطالب والكبير والصغير يعيشون هاجس الخوف وعدم الاستقرار النفسي والمادي لأنه لم يـعد هناك أي أحد يحس أنه بمنأى عن هذا الوباء العابر للطبقات الاجتماعية بكل أصنافها وشرائحها. وهذه الانعكاسات والمضاعفات لم تقتصر على الأفراد فقط بل امتدت الى الشركات الكبرى والدول بـدون أي تمييز. ذلك أن الحجر الذي فرضته سلطة كورونا شمل، بشكل عام وبدرجات متفاوتة، الأفراد كما والدول. فالإفراد ملزمون بعدم تجاوز حدود التحرك التي فرضتها سلطاتهم المختصة والدول أجبرت نفسها على العزلة وأغلقت حدودها الدولية الا في الحالات الندرة جدا. وبما أن المقام يضيف لتناول مختلف المجالات القطعات التي تأثرت و تأزمت بسبب الجائحة، فإنني ارتأيت أن أتطرق وبشكل مقتضب على قطاع التعليم خاصة في المانيا اعتبارا للتجربة المميزة لسلطات هذا البلد الموضوع.
لقد اضطرت المانيا، كما هو الشأن في العديد من الدول، اغلاق المدارس والجامعات لتجنيب أطفالها شر وباء كورونا. ولضمان استمرارية الدراسة في غالبية المؤسسات التعليمية لجأت سلطات هذا البلد الى تطبيق ما يسمى التدريس عن بعد عبر وسائل الأنترنيت. واذا كانت هذه الطريقة لم تنل رضى كل الفعلين في الميدان، حيث تعرضت لانتقادات جمة بدعوى أنها لا تؤتي أكلها كما هو الحال في طرق التدريسية التقليدية المعهودة، فان المدافعين عن هذه الوسيلة برروا اللجوء اليها بغياب بديل عنها يفي بالغرض وبتلافي تنامي مظاهر العنف داخل الأسر بسبب التشنج والتوتر النفسي الذي قد يتسبب فيه الحجر الصحي الذي يمتد لفترة طويلة في مساحات محدودة و مغلقة وبدون التواصل الاجتماعي المباشر. ولنفس الغاية، نصح الخبراء الاباء ايلاء عناية خاصة للأطفال بالاعتماد على الأشغال اليدوية واللعب التي تعتمد على الحركة والتي تساهم، بمساعدة الآباء، في التحفيز الذهني وصقل المهارات الحركية ولإبداع، وهي كلها وسائل كفيلة بتنمية القدرة على التحصيل وتنمية المدارك الذهنية.
وبعدما تبينت محدودية مردودية هذا النهج في التدريس، قررت الحكومة الألمانية استئناف حياة التدريس تدريجيا وفتحت كبداية روض الأطفال والمؤسسات التعليمية الخاصة بالتلاميذ والطلبة المقبلون على اجتياز امتحانات آخر السنة الدراسية. وللاستغلال الأمثل لهذه الطريقة، حرست السلطات الألمانية على الزام هذه المؤسسات التعليمية باتباع خطط وقائية محكمة تتعلق بشكل عام باحترام المساحات الضرورية (متر ونصف) بين روادها وتوفير وسائل التعقيم وغسل اليدين وما الى ذلك من أساليب الوقاية التي قد يتطلبها الوضع حسب الظروف. وهذه المبادرة لم تلقى ترحيبا من مختلف الفاعلين في الميدان، حيث تطالب بعض الولايات الاعتماد على تقديرات وامتحانات الدورة الأولى وذلك لتجنيب التلاميذ كما الطلبة كل مخاطر الوباء الذي لم يتم اجتثاث جذوره بالكامل.
وحرصا منها على طمأنة الطلبة الأجانب الذين يتابعون دراستهم في الجامعات الألمانية وتمكينهم من مواصلة مشوارهم الدراسي بعيدا عن الضغوطات المادية والنفسية، قامت الحكومة الألمانية باتخاذ مجموعة من الاجراءات لفائدتهم في هذا المضمار كمنحهم القروض بدون فائدة وبطاقة المواصلات تسمح لهم بالسفر مجانا عبر ولاية الإقامة.
ومجمل القول، هو أن وباء كورونا أصبح لغزا فرض تحديات جمة أمام كل الدول والمجتمعات استعصى عليها فهمه وكبح تداعياته التي دمرت مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية لكبار الدول كما صغارها وأصبح وطاها يجثم على صدر البشرية كلها.
*أستاذ باجث مغربي مقيم في ألمانيا
مقال ممتاز
احسنت استاذ
ما شاء الله على الأستاذ Ali Seamari , ونعم الأستاذ الطيب و الخلوق ؛ سيد المواقف و رجل التحديات دائما موجود و رهن الإشارة قلبا و قالبا لخدمة معظم الجالية المغربية بدوسلدورف . يلقن التعليم لأبنائنا و يرشدهم. الأستاذ علي من خير ة الأساتذة و المربين … يسهر على نشر كيفية التعامل لأبنائنا مع هاته الجائحة . خير الكلام اطلب للأستاذ ٦لي الصحة و العافية و حسن الجزاء . اخوكم الفنان عبدو جابر من الديار الألمانية 💝🦜💎💚