أحيانا تكون سعيدا على الرغم من أنك لم تبحث عن السعادة، وهي لحظات قليلة أو ناذرة إن صح التعبير، لكن في أوقات أخرى قد تفعل كل ما بوسعك لتبلغ ما يسعدك ولن تصل إليها بسبب من الأسباب… لكن السعادة الحقيقة، بالنسبة إلي، هي الاستمرار في البحث عن السعادة، فالحياة بدون رغبة معقلنة لا تساوي شيئا.
كل إنسان يريد السعادة، وكل إنسان يحب حياة الهناء والحب والطمأنينة، لكن هذه السعادة تختلف من شخص لآخر من حيث “معناها” من جهة أولى ومن حيث “ما يسعد” من حهة ثانية.
فبين راغب وطموح منعرجات ملتوية، وبين متأمل وفاعل فروقات شاسعة، وبين متكلم وصامت حالات نفسية مختلفة نظريا وعمليا، لكن علة ” رغبة السعادة” تجعل تلك الحالات هدفا رئيسا يصبو إليه الشخص الباحث عن السعادة. فالطموح قد ينقل الأفكار والأهداف صعبة التحقق من عالم الاحتمالات إلى عالم الممكنات. إذن فالإنسان يطمح في السعادة، ولن يتفق أحدا، بالتأكيد، مع مقولة “رفض السعادة”، إلا إذا كان بعيدا عن الواقع السيكولوجي والاجتماعي لإنيته أولا وللغير ثانيا.
كل إنسان يحب السعادة، وكل إنسان يبحث عن السعادة، وكل إنسان يفعل ما سيجعله سعيدا، بل ليظل سعيدا ! عن طريق أشياء أو أفعال ترتبط بسعادته، لكن ألا يمكننا طرح سؤال حول ماهية السعادة؟ قد يجيبنا البعض بسرعة البرق قائلا: “لا” وإذا سألناه عن السبب، سيحاججنا بحجج وأمثلة انطلاقا من واقعه ليعبر لنا عما يسعده ( مال، السفر، المعرفة….)، لكن إذا سألناه مرة أخرى السؤال الآتي: هل ما يسعدك يا صديقنا هو ما يسعدنا نحن جميعا؟
إن الأذواق والرغبات تختلف باختلاف الثقافات والتنشئات الاجتماعية والمواقع الجغرافية والعوامل الاقتصادية… وبذلك فالسعادة تختلف أيضا، لذلك، جعلت نفسها موضوعا من أهم المواضيع الفلسفية والاجتماعية، التي رصعت الفكر البشري بالعديد من الأفكار والنظريات. لأن مسألة التعريف ب” ما يسعد ” شخصا معينا أو التعريف بالسعادة عينها مسألة صعبة بالتأكيد، وهو ما ذهب إليه بعض الفلاسفة، وحتى الذين عرفوها فإن تعريفاتهم لها كانت جد مختلفة.
السعادة نسيان، خيال واجتهاد، هي ثلاث تعريفات فقط. إنها بالنسبة لكانط مجرد مثال أعلى للخيال وليس للعقل، وبالنسبة لأرسطو لن تتحق إلا في إطار الفضيلة، أي كل ماوهو خير مثل “الجد “، ومن ثمة فهي حياة اجتهاد لا حياة لهو. ليربطها نيتشه بنعمة النسيان التي اعتبرها أساس السعادة التي تجنب الإنسان التعاسة.
أما أنا فأراها أسلوب فني في العيش وأسلوب فني في التفكير، فالعديد من الناس بلغوا ما كانوا يطمحون إليه من أجل مستقبل وحياة سعيدة، لكنهم لم يصيروا كذلك، والكثير من الناس لديهم ما يسعد الآخرين، لكن ينقصهم نمط عيش وتفكير… إنه الاستمرار في البحث عن السعادة، وفق ما هو أخلاقي
تعليقات الزوار ( 0 )