نوقشت، صباح اليوم، بكلية الأداب والعلوم الإنسانية، جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه تقدم بها الطالب الباحث عبد الوهاب السحيمي بعنوان “دينامية السفح الساحلي لإقليم شفشاون: إكراهات التدبير ورهان التنمية”، وبعد المناقشة حصل السحيمي على درجة مشرف جدا مع تهنئة أعضاء لجنة المناقشة والتوصية بالنشر.
وتألفت لجنة المناقشة من الأستاذ الدكتور أحمد الشعرة، والأستاذ الدكتور علي بولربح، والأستاذ الدكتور عبد السلام بوغابة، والأستاذة الدكتورة نسرين بن دريس، من كلية الأداب والعلوم الإنسانية، جامعة عبد المالك السعدي ـ تطوان، والدكتور سالم تالحوت من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين ـ الدار البيضاء.
واستعرض الباحث أطروحته حول السفح الساحلي لإقليم شفشاون الذي ينتمي إداريا إلى إقليم شفشاون (جهة طنجة تطوان الحسيمة)، تتقاسمه 6 جماعات ترابية، وهي: تيزكان، اسطيحة، بني بوزرة، أمتار، بني اسميح ومتيوة، على مساحة إجمالية تقدر ب 728,34 كلم²، يصل عدد سكانه سنة 2014 حوالي 81742 نسمة، وهو مجال انتقالي بين وسط ساحلي متوسطي منبسط ووسط جبلي، يحظى بتساقطات مطرية وثلجية مهمة مما يجعل منها خزانا مائيا مهما في الريف.
ويعتبر الباحث السحيمي أن هذه المقومات الطبيعية والسوسيوثقافية جعلت المجال يحتل مكانة مهمة ومكنت اقتصاده من الانفتاح على أنشطة جديدة: السياحة الشاطئية والجبلية، التجارة، الخدمات باعتبارها موارد إنتاجية إضافية. لكن هذه الإمكانيات تصطدم بإكراهات عديدة، تتجلى أساسا في ارتفاع الكثافة السكانية لاسيما بالوحدة الساحلية التي تستقطب أعدادا كبيرة من السكان، ويرافق ذلك ضغطا كبيرا على الموارد الطبيعية مما يؤدي إلى زحف زراعة الكيف.
إشكالية الأطروحة
تعبر إشكالية البحث عن المستوى العلمي والثقافي والفكري للباحث، إذ يرتبط نجاح البحث الجغرافي بالطريقة التي تطرح بها الإشكالية التي تبين حدس الباحث والمستوى النظري والفكري الذي وصل إليه بعد اختيار موضوع البحث.
ولذلك فإن اختيار إشكالية البحث يمثل مرحلة حاسمة في أي نمط من أنماط البحث العلمي. وتتعدد أنماط الإشكاليات العلمية قدر ما تتعدد مبررات الاهتمام بإيجاد حلول لها، فقد يتعلق الأمر بتفسير حدث لم يكن متوقعا، أو دراسة ظاهرة بغية معرفة علة وقوعها، أو التشكيك في أدلة طرحت لإثبات غرض بعينه.
هناك جملة من الأسس والمعايير التي يتعين على الباحث الأخذ بها عند دخوله مرحلة اختيار إشكالية بحثه، ومنها: ألا تكون إشكالية قد تم طرحها من قبل بطرق “مرضية”. وأن يكون قادرا على الإسهام في حلها وتبيان مدى أهميتها .
وتبعا لذلك فإن المجال الجغرافي الذي تخصص الباحث في دراسته يتميز باستقرار بشري قديم، وهو مجال مفعم بخصوصياته التقليدية المتمثلة في الجهاد والتعليم العتيق والمنابر العلمية، وهو الشيء الذي جعله يلعب دورا محوريا في تاريخ المغرب، إذا حمل على عاتقه الدفاع عن حوزة الوطن ضد الغزو الإيبيري.
لكن في مقابل ذلك ظل هذا المجال يعاني – وعلى مر التاريخ – من العزلة والفقر والتهميش على غرار غيره من المناطق الجبلية المغربية، والتي تظافرت مع إكراهات المنطقة الطبيعية وخاصة صعوبة تضاريسها وانجراف التربة وقلة التساقطات وهبوب رياح الشركي، وهو ما حتم على الساكنة ضرورة التأقلم مع الوضع، بالبحث عن مصادر دخل بديلة تلبي حاجياتهم.
وعلى الرغم من أن التحولات التي طرأت بالجماعات المدروسة وهي: تيزكان، اسطيحة، بني بوزرة، أمتار، بني اسميح ومتيوة، قد مست جوانب عديدة، إلا أن وثيرتها ظلت متباينة مجاليا، فالسافلة المطلة على الساحل المتوسطي وعلى الطريق الوطنية الساحلية رقم 16، تشهد تحولات كبيرة على المستوى العمراني والاقتصادي ونموا ملحوظا، اما العالية (المنطقة الجبلية) فنختصر وضعيتها في تراجع الاهتمام بموروثاتها في ظل الانتشار الواسع لزراعة ʺالكيفʺ والعزلة التامة.
وفقا لهذه الظواهر الطبيعية والبشرية، تطلب من الباحث تحديد الإشكالية من خلال العناصر التالية:
إن اهتمام الدولة بالسفح الساحلي لإقليم شفشاون، رغم ما عانى من تهميش، كان نتيجة لرغبتها في استغلال الإمكان الطبيعي والسوسيوـ ثقافي الذي يزخر به من جهة، وبالتالي تأسيس لمورد جديد يكون مكملا لموارد الساكنة، ومن جهة ثانية يساعد على إنجاح محاولتها الرامية إلى القضاء على زراعة “الكيف” والأنشطة المرتبطة بها.
إلا أن تدبير وتثمين هذه الإمكانات بشكل محكم لا زال دون مستوى التطلعات، لا على مستوى النجاعة ولا على مستوى التوطين الحكيم للبرامج الإنمائية.
كما شكل الاعتماد الأحادي للسكان على منتوج – زراعة الكيف – خيارا يتشبثون به إلى درجة “القدسية”، فرغم أن المجال المدروس جبلي ذو انحدارات شديدة وتربات فقيرة، فإنه يستغل بكثافة لا تطاق. وهذا يشكل إكراهات عويصة انعكست سلبا على البيئة المحلية بمفهومها الواسع، ومن تجليات ذلك نجد:
ـ تراجع المساحات الغابوية.
ـ معضلة التعرية بجميع أشكالها: الانزلاقات والانهيارات وغيرها من الحركات السطحية…
ـ مشكلة تراجع قيم التعاضد والتآزر بين الساكنة.
ـ استفحال النزاعات الاجتماعية التي أحدثتها زراعة “الكيف.
ـ ساهمت الدينامية الاجتماعية والديمغرافية التي شهدتها الجماعات الترابية للسفح الساحلي لإقليم شفشاون – خلال السنوات الأخيرة – في التأثير على البنية الاقتصادية للمجال، وبعدما كان النشاط الفلاحي والصيد البحري التقليديان أساس اقتصاد الجماعة الترابية، أصبحا اليوم – وبفعل محدودية الموارد الطبيعية – يعرفان تراجعا ملموسا، لتصبح الساكنة بصدد البحث عن عملها بعيدا عن ذلك النمط التقليدي الذي يجعل الفلاحة التقليدية والصيد البحري العتيق عماد الحياة اليومية.
ـ تعاني أنشطة قطاع الصيد البحري من إكراهات ومشاكل جمة، عكس الأنشطة السياحية وما تذره من دخل على ساكنة الشريط الساحلي خصوصا في فصل الصيف. ويفسر ذلك بكون المنطقة أصبحت وجهة سياحية شاطئية مفضلة عند المصطافين المغاربة خاصة في الآونة الأخيرة.
ـ بما أن المناطق السفلى السياحية للجماعات الترابية المعنية بالدراسة، تشهد دينامية اقتصادية مهمة لا سيما السياحة فإن ذلك من شأنه أن يعزز ازدهار الفلاحة في العالية، خاصة وأن عائدات القنب الهندي في السنوات الأخيرة عرفت تدهورا كبيرا، أي إمكانية الانفتاح على موارد إنتاجية بديلة ونافعة متاحة في خضم حركية تسويقية مفترضة في السافلة، وإن كان ذلك موسميا فقط، فالجانب الفلاحي في المجال المدروس، عموما، يعاني من صعوبات جمة مرتبطة أساسا بطبوغرافية المجال ومناخه وأدوات الإنتاج التقليدية.
والسؤال، هنا والآن، ما هي الخصائص الطبيعية لمجالنا المدروس؟ وما أثرها على مردودية القطاعات الرعي-زراعية؟ وهل يمكن أن نتحدث عن تكامل بين عالية السفوح والشريط الساحلي، وفي حالة وجود هذا التكامل، إلى أي حد يمكن اعتبار الدينامية الاقتصادية (السياحية) في السافلة رافعة للنهوض بالأوضاع الاقتصادية في العالية؟
في هذا الإطار، اعتبر الباحث عبد الوهاب السحيمي إشكالية البحث تتمحور حول العناصر الآتية:
ـ يعرف الساحل دينامية مجالية خاصة، خصوصا، في فصل الصيف، حيث يتميز بمناطق جذب أساسية.
ـ في عملنا هذا، سنتعرف على الجماعات التي تعتبر أكثر جذبا للسياحة الوطنية.
ـ إشكالية تعمير الساحل وما يرافقه من تغيرات ترابية، وذلك على المستوى البيئي.
ـ تراجع في الأنشطة الاقتصادية التقليدية: الصيد البحري، الأنشطة الفلاحية.
ـ تعرف الجماعات الساحلية نسبة نمو ديموغرافي مهمة.
فرضيات البحث
من خلال التفكير النظري والتخمين حول الموضوع المدروس، استطاع الباحث عبد الوهاب السحيمي، وضع مجموعة من الفرضيات التي ترتبط بإشكالية البحث، والتي وجهت بشكل كبير اتجاهات بحثه، وهي كالآتي:
-يعتبر المجال المدروس مجالا جبليا عانى كغيره من المجالات الجبلية الأخرى من التهميش والعزلة، ترتب عنها تكون تمثلات لدى السكان انعكست سلبا على العمليات الإعدادية التي ستهم المجال لاحقا، وبالتالي تجاوزها رهين بنهج سياسة جديدة تروم خلق نوع من الانسجام والتكامل بين المعارف المحلية ونظيرتها التقنية للدولة.
-تتميز مؤشرات التنمية في بالجماعات الترابية: تيزكان، اسطيحة، بني بوزرة، أمتار، بني اسميح ومتيوة، بتباينات مجالية واضحة بين الوحدة الساحلية والوحدة الجبلية.
-تعتبر الجهة الرسمية، المعنية بتدبير المجال بشكل مباشر (الجماعات الترابية)، مؤسسات فقيرة وغارقة في مشاكلها الذاتية، وبالتالي تبقى تدخلاتها محدودة وضعيفة، ولا ترقى لتطلعات الساكنة.
-لعبت السياحة الشاطئية والطريق الوطنية الساحلية رقم 16، دورا كبيرا في استقطاب الساكنة لسافلة المجال المدروس، وفي إحداث تحولات اقتصادية وعمرانية داخل مراكز الجماعات.
أهداف البحث
حدد عبد الوهابي السحيمي أهداف أطروحته في مجموعة من النقط:
-تشخيص واقع حال الجماعات الترابية الساحلية لإقليم شفشاون وإبراز الدينامية التي تشهدها.
-يتميز السفح الساحلي لإقليم شفشاون بشح الأبحاث التي تناولته، لذلك نروم من خلال هذه الأطروحة إعطاء شيء جديد على مستوى البحث العلمي في هذا المجال الجغرافي، بالتعريف بالموضوع وبالمنطقة الجغرافية المدروسة.
ـ تبيان دور الدراسات الجغرافية الشمولية التي تكشف عن مكامن الهشاشة، خاصة في المناطق الجبلية، وبالتالي المساهمة في التوطين الأمثل والمحكم لعمليات التهيئة المجالية.
-تقييم المشاريع التي همت المجال المدروس، وإبراز مدى نجاعتها في تحقيق التنمية، مع تتبع تمثلات الساكنة لتلك التدخلات السابقة واللاحقة.
-اكتساب المهارات العلمية في التعامل مع مختلف الظواهر المجالية التي تعد عصب حياة علم الجغرافيا.
بعد تسطير أهم الأهداف التي يتوخى هذا العمل الوصول إليها، وذلك بغية إنجاز بحث علمي من شأنه أن يساعد مختلف المتدخلين بالمجال من الإحاطة بخصوصياته خاصة أنه لم يحظَ بما يستحق من دراسات وأبحاث، ويسعى إلى إيجاد حلول واقتراحات للتهيئة المجالية المثالية للمناطق الجبلية والساحلية والتدبير الترابي المحكم لها، سننتقل في المحور الموالي إلى دراسة المنهج الذي تم اعتماده لتحضير هذه الأطروحة.
تعليقات الزوار ( 0 )