تعد الشائعات السياسية بمثابة السلاح الخفي الذي يوظف في إطار علاقات سياسية منقسمة يسودها الصراع والتنافس، وهو نهج قد يرتقي إلى مستوى التوظيف الاستراتيجي في ظل هذه البيئة الاصطراعية، سواء على مستوى الاستخدامات الشعبية أو الاستخدامات السياسية. فنسيج الحياة السياسية المغربية أضحى يعج بالشائعات خصوصا في ظل ذيوع استعمال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تكثر الأخبار الزائفة والقصاصات الشائنة، وتنسج المؤامرات، وينشط المحرضون الذين يحتلون موقعًا محددًا في المجتمع.
فالإشاعة غالبا ما تكون من مصدر غير متحكم فيه وتنتشر بين الجمهور، يتم نقلها على الرغم من عدم صحتها أو مشكوك فيها، فالسرعة التي يتم بها نشر الشائعات تشهد على قيمتها التبادلية العالية الناتجة عن طبيعتها الأصلية، التي غالباً ما تكون هدامة أو فاضحة، ودائما ما يتم نشرها كأنها معلومات غير رسمية أو في شكل حقيقة مخفية عن عمد عن الجمهور، وإلا فإنها تصبح شيئًا آخر، نكتة أو حكاية يختلف اقتصادها الاجتماعي/السياسي عن الشائعات.
وبالتالي فمن المسلم به عمومًا أن الجهات الفاعلة في المجال السياسي لا تحافظ دائمًا على علاقة عقلانية ومفيدة بالمعلومات. وفي أحايين كثيرة ينزع العقل السياسي المغربي إلى استثمار الإشاعة كسلاح للهدم والنيل من الخصم السياسي، وهذا يعبر في حد ذاته عن وجود نوع من الخيال السياسي المشترك.
وهذا المعطى يبين بشكل عام، أن الشائعات تتغذى بسهولة على المشاعر المضللة والدراما السرية والمعارك القاسية. كما تعبر الشائعات السياسية عن القلق والشكوك السائدة في المجتمع، بل أكثر من ذلك عن استياء الناس في مواجهة السلطة أو الطبقة السياسية التي تبدو صماء ، وبالتالي كثيرا ما تعبر الشائعات عن الذوق السياسي السائد، وعن مدى اكتناز الوعي الجماعي لتمثلات قوامها أن الطبقة السياسية كجسم غريب أو مشبوه أو حتى عدائي. وفي هذا المقام يحضر النهج التفاعلي للإشاعة باعتباره سلسلة غير رسمية ومحسنة من المعلومات التي ينشطها الأفراد عندما لا تقدم القنوات الرسمية والعامة معلومات (أو معلومات مرضية) عندما تواجه حالة حدث يتطلب ذلك.
إن ذيوع الإشاعة في المشهد السياسي والحزبي في المغرب يعبر على أنها أصبحت هواية شائعة بشكل أساسي، والتي تغذيها التربة السياسة الخصبة بشكل خيالي، وهي تحدث نوعا من الضجيج السياسي أو الضوضاء السياسي الذي يتراكم وينتشر ككرة الثلج، والذي له قيمة اجتماعية وإدراكية على حد سواء، حيث يتم الاحتفاظ بتسويقها في أحسن صورة.
وقد يأتي خبر استقالة “عزيز اخنوش” الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار في هذا السياق، رغبة في خلق نوع من النقاش حول شخصه وأدائه، ويكون مبعث هذه الإشاعة خصومه السياسيين، وهي قد تأتي في سياق ممارسة نوع من “القتل السياسي التسلسلي” للسيد “عزيز اخنوش” ولو بشكل رمزي بعدما تعرض للكثير من الانتقادات بفعل جمعه بين المال والسلطة وقربه بدوائر صنع القرار ومقاطعة الكثير من شركاته ،وهي مسالة دائما الهدف منها إرجاعه إلى دائرة الضوء لكي يكون موضوع النقاش الاعلامي والسبراني/الرقمي. ففي ممارسة هذا النوع من “الضوضاء السياسي” عن طريق الإشاعة إحياء لنقاش قد يبدو توارى نوعا ما بعد حدث المقاطعة حول السيد عزيز اخنوش. وحتما وعلى الرغم من محدودية تأثير هذه الإشاعة وقياس مدى صحتها ،إلا أن ميزتها أنها تخلق نقاشا عاما يمتد إلى حد القيام بنوع من المحاكمة الجماهيرية للسيد عزيز أخنوش والدور الذي يقوم به حزبه خصوصا على مستوى الوسائط الاجتماعية ،وهي قد تشكل محاذير قبلية من شانها أن تؤثر في المسار السياسي والحزبي والانتخابي للحزب مستقبلا.
وقد تندرج استراتيجية بث إشاعة استقالة “عزيز اخنوش” أيضا مجرد فقاعة إعلامية/الكترونية مصدرها الحزب نفسه، الهدف منها استدراج سرديات نظرية المؤامرة التي أصبح يتعرض لها الحزب حسب تصورهم، والتي تزيد حتما من محاولات زيادة منسوب الالتفاف حول الحزب بصفة عامة، وعلى أمينه العام السيد “عزيز اخنوش” بصورة خاصة، ورص الصفوف أكثر، وخلق صورة عزيز أخنوش /الزعيم المنقذ القادر على إنجاح مسار الحزب، خصوصا في كسب رهان الانتخابات المقبلة بعدما كثر الكلام حوله، لأن في فعل الإشاعة في حد ذاته ينبري ويكمن رد الفعل الحزبي الذي يستحضر محاسن ومكارم وكفاءات وقدرات الأمين العام سواء على مستوى الحزب أو في قيادته للقطاع الوزراري المسؤول عنه.
كما يمكن أن يكون مصدر هذه الإشاعة خصومه من داخل الحزب الذين لم يجدوا منافذ للوصول إلى تحقيق مكاسب ومنافع داخل الحزب ومحاولتهم تكسير “جذوة السكون الحزبي المطمئن” للكثير من الأعضاء المنتمين للحزب، عبر خلق نوع من الشك حول شخص “عزيز اخنوش” ومحاولة خلق رسائل سلبية حتى لمن في نيته طلب تذكرة الانتماء إلى الحزب مع قرب الانتخابات.
وفي هذا المقام أيضا قد تكون إشاعة استقالة السيد “عزيز اخنوش” مرتجلة وعفوية والتي، أحسن الخصوم التقاطها، خصوصا وأنه في عصر الانترنت من الصعب التحكم في الأخبار الزائفة والإشاعات و حملات الإعلام المضللة والهياج الذي يتم نشره على الإنترنت.. من خلال إتاحة النشر الذاتي للأخبار وتشتت مصادر المعلومات السياسية، فإن استخدام الإنترنت يسمح للجميع بالتغلب على الحواجز الخاصة بالأماكن العامة والتي تتيح الفرصة الفرصة لأكبر عدد من الناس للتعبير عن وجهة نظر شخصية بحرية وعلنية ، لنشر الأخبار، وتقديم روابط فورية مع مصادر المعلومات الأخرى، يفتح الإنترنت أيضًا ممارسات جديدة للمواطنين، إذ تقدم مواقع الويب والمدونات المزيد من البيانات الصحفية التفاعلية، والإيضاحات الرسمية و الشائعات والشائعات المضادة.
*أستاذ جامعي ومحلل سياسي
تعليقات الزوار ( 0 )