ذكرت مصادر إعلامية، أن فؤاد عالي الهمة مستشار الملك محمد السادس، ووزير الخارجية ناصر بوريطة توجها مع بداية الأسبوع فيزيارة إلى الرياض، تدوم يومين بالمملكة السعودية، حاملين رسالة من محمد السادس إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
وذكرت المصادر نفسها أن عالي الهمة وبوريطة التقيا، مساء الاثنين، ولي العهد السعودي الإمير محمد بن سلمان، من أجل الإعداد لزيارة سيقوم بها الملك محمد السادس إلى السعودية خلال الأسبوعين الأولين من شهر مارس المقبل.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، أن المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، عقد اجتماعا أمس الأربعاء مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث قام بنقل رسالة شفوية من الملك محمد السادس للأمير السعودي تناولت الرغبة الملكية الجادة في تطوير أشكال الشراكة التي تجمع بين المغرب والسعودية في كافة المجالات وبحث سبل تعزيزها وتطويرها.
ومن المنتظر أن تشمل مباحثات الهمة وبوريطة مع المسؤولين السعوديين العلاقات الثنائية بين البلدين، بالإضافة إلى قضية الصحراء على ضوء تأجيل القمة العربية – الإفريقية التي كانت مقررة يوم 16 مارس في السعودية بعد الخلاف حول مشاركة جبهة البوليساريو الإنفصالية في القمة.
كما ذكرت قصاصات إخبارية مغربية، في وقت سابق، عن زيارة ملكية مرتقبة إلى المملكة العربية السعودية قبل زيارة فؤاد عالي الهمة، المستشار الملكي، وناصر بوريطة، وزير الخارجية، إلى الرياض، وهو ما يعني أن الزيارة الملكية للسعودية إذا ما تأكدت عن طريق خبر رسمي، تختلف عن سابقاتها من الزيارات الملكية للعربية السعودية.
فهل تختلف الزيارة الملكية المرتقبة عن الزيارات السابقة التي قام بها الملك محمد السادس إلى المملكة العربية السعودية؟ ولماذا ذهبت شخصية رفيعة المستوى من قبيل فؤاد عالي الهمة شخصيا إلى المملكة العربية السعودية في هذا الوقت بالذات؟
هل هناك ملفات عالقة بين المملكتين؟ هل هناك أوراق من المفترض أن تلعبها المملكتين، وهما بلدان محوريان بالمنطقة في المرحلة القادمة في ظل وجود أزمة خليجية وأخرى في شمال أفريقيا، تتعلق بالملف الليبي؟ وماذا عن ملف قضية الصحراء على ضوء تأجيل القمة العربية – الإفريقية التي كانت مقررة يوم 16 مارس في السعودية بعد الخلاف حول مشاركة جبهة البوليساريو الإنفصالية؟ فهل تقبل السعودية بحضور جبهة البوليساريو في القمة العربية- الأفريقية؟
هذه أسئلة وأخرى طرحتها جريدة “بناصا” على كل من الدكتور عبد الرحيم المنار اسليمي، المحلل السياسي، وعلى الدكتور سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس.
وقبل أن نسبر ونقسم، كما يقول الفقهاء، ينبغي التنبيه إلى طبيعة الشخصيات المغربية التي وصلت الى الرياض قبل الزيارة الملكية للسعودية، وهنا يتعلق الأمر بالمستشار الأمني والسياسي للملك محمد السادس، فؤاد عالي الهمة، وهو ما يعني أن الأمر مرتبط بنقاش وبحث عن تفاهمات مع السعوديين حول ملفات متعددة هي التي ستحدد ترتيب الزيارة الملكية أو تأجيلها. فما هي هذه الملفات يا ترى؟
التصدي للبوليساريو ومناورات جنوب إفريقيا والجزائر قبل الوصول للرياض
أول هذه الملفات، يرى عبد الرحيم المنار اسليمي، “يرتبط بمصلحة مغربية وطنية صرفة لها علاقة بالقمة العربية الإفريقية التي ستحتضنها الرياض، هذه القمة يجب أن يمنع البوليساريو من حضورها، ذلك أن هناك مناورات من جنوب إفريقيا والجزائر تريد فرض حضور البوليساريو وخلق أزمة بين المغرب والسعودية”.
وشدد اسليمي على أن “جنوب إفريقيا والجزائر تحاولان إحياء البوليساريو الميت عبر هذه المشاركة في دولة عربية كبيرة حليفة تاريخيا للمغرب”.
وقال بأن المغرب يريد من المملكة العربية السعودية “أن تتصدى لهذه المحاولات التي تقوم بها جنوب افريقيا والجزائر قبل انعقاد القمة العربية الإفريقية، وبذلك توجد العلاقات المغربية السعودية أمام امتحان كبير، وفي حالة تجاوزه، فإنه يفتح المجال لتعاون في ملفات أخرى ذات اولوية مشتركة”.
وساطة مغربية لحل النزاع السعودي القطري
أما بخصوص الملف الثاني، فإن المغرب يسعى، ييضف المحلل السياسي، إلى “لعب دور وساطة جديدة بين السعودية وقطر تمتد فيما بعد للإمارات، لأن المفاوضات بين السعودية وقطر توقفت في يناير الماضي وباتت الدولتان في حاجة الى وسيط عربي مقبول، سيكون هو المغرب نظرا لحفاظه على الحياد وتنبيهه السابق في سنة 2016 بالرياض لمخاطر ما يدبر للدول العربية، فلاأحد بات يفكر في القيام بالوساطة في الأزمة الخليجية، لذلك يبدو أن المغرب مؤهل لذلك لكونه قام بالمحاولة الأولى منذ سنتين”.
تحالف مغربي سعودي في الصخيرات الثانية
وأما بخصوص الأزمة الليبية، فإن المملكة العربية السعودية، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، “باتت تضاعف دورها في الأسابيع الاخيرة في ليبيا بعد شعورها بخطورة المشروع التركي في ليبيا وشمال إفريقيا، لذلك سيكون الحليف القادر احتواء التمدد التركي بشمال إفريقيا هو المغرب”.
وهنا “تصبح المصالح مشتركة بين المغرب والسعودية لكون المغرب يحمل معه اتفاق الصخيرات الذي تتحرك المؤسسات الليبية ببنوده منذ سنة 2015، وسيكون هذا الاتفاق مدعوما من طرف السعودية أمام بداية تراجع الإمارات في ليبيا نتيجة غموض الموقف الروسي ودخول الولايات المتحدة الى جانب حكومة الوفاق الوطني” يرى اسليمي.
وقوع خطأ في العلاقات المغربية السعودية قد يعصف بالعالم العربي بكامله
خلص المنار اسليمي، إلى أن هذه الملفات لها أولويات مختلفة بدرجات متفاوتة، تنطلق كلها من تشبث المغرب بمصالحه الوطنية بخصوص القمة العربية الإفريقية. فالسعودية ظلت مساندا للمغرب في الدفاع عن وحدته الترابية، وسيكون هذا المؤتمر فرصة لإظهار مزيد من الدعم للمغرب عن طريق منع البوليساريو من الحضور والتصدي لمناورات الجزائر وجنوب إفريقيا، وبذلك، فإن كل الزيارة الملكية وكل الملفات الأخرى تتوقف على هذه النقطة المتعلقة بملف الصحراء.
وشدد اسليمي في حديث مع جريدة “بناصا” على أن الجزائر وجنوب إفريقيا “تريدان خلق أزمة بين المغرب والسعودية، لذلك فالعلاقات المغربية السعودية توجد في مرحلة دقيقة، إما أنها ستفتح مناخا من الانفراج في كل العالم العربي، وفي حالة وقوع خطأ ما فإنها قد تغير جذريا كل التحالفات في العالم العربي والاسلامي”.
رغم أن العلاقات تاريخية لكنها سريعة التأثر
وبالرغم من أن العلاقات المغربية السعودية قديمة، وكان هناك تنسيق وتعاون سياسيين باستمرار بين الدولتين في مختلف القضايا الإقليمية، وكان التوافق بينهما هو الغالب دائما، إلا أن هذه العلاقات، كما يرى سعيد الصديقي “لم تكن مؤسساتية بالقدر الكافي، لذلك كانت لها دائما قابلية كبيرة للتأثر (vulnerable) بأدنى سوء فهم بين البلدين، وأن ما تبينه خلال عقود يمكن أن ينهار في لحظة عابرة، ويسري هذا أيضا على علاقات المغرب بباقي دول الخليج”.
ومن أجل تفادي هذا الوضع غير المريح، “سعى المغرب ودول الخليج إلى إنشاء آليات جماعية للتعاون ومتمثلة في اللجان المشتركة، لكنها ما لبثت أن خمد نشاطهما في ظل الأزمات المتتالية في المنطقة” يقول الصديقي.
غير أن أستاذ العلاقات الدولية يرى أنه ما يميز العلاقات المغربية مع السعودية وباقي دول الخليج مقارنة مع الدول الغربية، أن أي خلاف سياسي حول قضية إقليمية معنية “ينعكس سريعا على باقي جوانب هذه العلاقات، عكس علاقات المغرب مع الدول الغربية حيث لا يتأثر مثلا التعاون الاقتصادي والثقافي والتقني كثيرا بالاختلافات السياسية التي تحدث أحيانا بينهما”.
المغرب شريك موثوق به لدول الخليج
يلاحظ الدكتور سعيد الصديقي بأنه بدأت خلال السنوات التي تلت موجات انتفاضات الربيع العربي مبادرات كثيرة من دول الخليج تجاه المغرب، ومن ضمنها دعوة المغرب للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي.
ويعبر الصديقي أن هذه الحركية تجاه المغرب جاءت في سياق حكم الديمقراطيين في أمريكا، الذين تعاطفوا إلى حد ما مع الربيع العربي، وتركوا حلفاءهم في المنطقة يواجهون مصيرهم مع شعوبهم.
وأكثر من هذا، يضيف الصديقي في حديث مع جريدة “بناصا” فقد ظهر الكثير من الود بين إدارة الديموقراطيين والجمهورية الإيرانية وكاد ذلك أن يسفر على تطبيع تاريخي بين أمريكا وإيران.
وهكذا، وفي خضم هذه الأحداث العاصفة، يقول الصديقي :” وجدت دول الخليج في المغرب حليفا تاريخيا وموثوقا به، مما جعلهم يعرضون عليه مساعدات مالية مهمة، لكن بعد تولي ترامب مقاليد الحكم، تغيرت المعادلة، وظهر لبعض دول الخليج أن أمريكا وحدها ضامنة لأمنها واستقرارها، ولا يهمهم كثيرا لا المغرب ولا الأردن، لكن ضربات الحوثيين في عمق التراب السعودي وعدم قيام أمريكا بأي رد فعل قوي، هزت دون شك العقل الاستراتيجي الخليجي عموما ولاسيما في السعودية”.
رفض مشاركة البوليساريو في القمة ينسجم مع المواقف التاريخية للسعودية تجاه قضية الصحراء
ورغم إصرار الاتحاد الإفريقي بقيادة جنوب إفريقيا على مشاركة جميع أعضاء الاتحاد، فإن الصديقي يلاحظ بأن السعودية لا تزال حتى الآن تتحفظ من هذه المشاركة لما تشكله استضافة البوليساريو من حساسية كبيرة لدى المغرب. و”هذا الموقف السعودي ينسجم مع مواقفها التاريخية تجاه قضية الصحراء المغربية” يقول الصديقي.
وماذا لو حضرت البوليساريو، فهل هذا الحضور سينعكس سلبا على العلاقات المغربية السعودية؟
يجيب الصديقي: “إن حضور البوليساريو لهذه القمة سيكون ضد المسار الطبيعي لما يجري في المنطقة، حيث توجد البوليسارو في موقف ضعف غير مسبوق في تاريخها، وقد تكرس هذا الضعف بالخطوات التي قام بها المغرب مؤخرا في ملف الصحراء ومن ضمنها إقناع عدد مهم من الدول الإفريقية بفتح قنصلياتها في المدن الصحراوية، مما سيعزز أكثر الموقف المغربي قاريا ودوليا”.
وخلص الصديقي في حديث مع جريدة “بناصا” إلى أنه “بالرغم من سوء الفهم الذي يحدث أحيانا بين المغرب والسعودية حول بعض الملفات الإقليمية فإن المغرب لا يقوم بأي خطوة من شأنها الإضرار بالمصالح السعودية، أو الوقوف على طرف النقيض منها، بل يحاول دائما ألا يتفاقم سوء الفهم ليصير أزمة دبلوماسية أو سياسية بين البلدين”
تعليقات الزوار ( 0 )