Share
  • Link copied

الرموز الحزبية بالمغرب بين افتقاد المرجعية وضعف الايحائية

على بُعد نحو سنتين من محطة استحقاقات 2026 الانتخابية، والاستعداد لتنظيمها حيث تم الشروع في مراجعة اللوائح الانتخابية… قدم  حزب سياسي جديد، يحمل اسم “التجديد والتقدم”، ويتخذ من “الريشة” رمزا له و حزب البديل الاجتماعي الديمقراطي ويتخذ من الطاووس رمزا له طلبا لوزارة الداخلية بشأن الترخيص لمزاولة نشاطهما السياسي. ولعل ما يثير في هذا الطلب ، ليس فقط إمكانية مفاقمة الكم العددي للأحزاب وانعكاساته السلبية على تشتيت الناخب المغربي و إضعاف قدرته على التمييز بينها أساسا، بل في نوعية الرموز التي تتخذها الأحزاب في تميزها عن بعضها البعض التي لا تسثني لا حيوانات ( فيل ، جمل ، حصان..)ولا حشرات (نحل) ولا طيور ( طاووس…).

-الرموز الحزبية وضعف الايحائية

لجأت الأحزاب في معاركها الانتخابية طيلة عقود الستينيات والسبعينيات وثمانينيات القرن 20 إلى استخدام الألوان في التمايز عن بعضها البعض في مجتمع كانت تسود فيه الأمية بمختلف أشكالها ، فاختارت الحركة الشعبية اللون الأصفر ، بينما اختار حزب الاستقلال اللون الأزرق في حين اختار حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اللون الوردي، والاتحاد الدستوري اللون البرتقالي…. لكن قبيل انتخابات التناوب التوافقي سمحت السلطات الرسمية للأحزاب التي ستشارك في الانتخابات التشريعية باستعمال الرموز في بطائقها الانتخابية بعدما ظلت عدة أحزاب تطالب بوضع رموز خاصة بها والسماح باستخدامها في حملاتها الانتخابية خلال الانتخابات التشريعية ليونيو 1997 . بل هناك من الأحزاب ، خاصة من الكتلة ، من طلب بتعويض الألوان الانتخابية  بالرموز الانتخابية . إلا أن المرسوم المتعلق <<بتحديد شكل وحجم ومضمون ورقة التصويت >> فرض استخدام الرموز و الألوان معا .وهكذا حدد قرار لوزير الدولة في الداخلية << الرموز الممكن استعمالها من طرف الأحزاب السياسة على الأوراق الانتخابية الخاصة بها >>.

لكن بتولي الملك محمد السادس الحكم ، تقرر أن تعتمد الأحزاب المشاركة في أول انتخابات تشريعية أجريت في عهده والتي نظمت في 27 شتنبر 2002 الرموز الحزبية.

وهكذا اختارت مختلف الأحزاب المشاركة والبالغ عددها آنذاك 26 حزبا.

-ففيما يخص الأحزاب اليسارية اختار حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: وردة مقبوضة بيد، و حزب التقدم والاشتراكية : شمس بازغة قبل أن يستبدلها برمز الكتاب واليسار الاشتراكي الموحد : أربع شمعات ، وجبهة القوى الديمقراطية : غصن زيتون ، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي : سفينة  والحزب الاشتراكي الديمقراطي : يد مفتوحة

– بينما اختارت الأحزاب اليمينية كحزب الاستقلال رمز ميزان  ، والتجمع الوطني للأحرار : حمامة، والحركة الديمراطية الاجتماعية : نخلة، الحركة الشعبية : سنبلة  ، والاتحاد الدستوري رمز الحصان  وحزب العدالة والتنمية : فانوس حزب الشورى و الاستقلال : جمل

-أما الأحزاب الصغرى فقد الحزب الوطني الديمقراطي : مفتاح  حزب العمل : رسم عين

حزب البيئة والتنمية : غزال والحزب المغرب الليبرالي : أسد حزب الوسط الاجتماعي : نحلة….وهكذا ، فإن الرموز التي اختيرت من طرف مختلف هذه الأحزاب تتسم بغموضها نتيجة تشابهها  وضعف إيحائيتها ، فمعظم الرموز الحزبية عبارة عن رسوم خام ( شمعة ، يد ، وردة … ) لم يتم إخضاعها لأي تطويع إيديولوجي أو سياسي . فاختيار حزب ما لرموز مثل << نخلة >> أو << سنبلة >> أو << زيتونة >> يتعارض وطموحه في أن يكرس رمزه في مختلف أنحاء المغرب . فالنخيل لايوجد إلا في مناطق معينة في المغرب   و كذا الزيتون لايوجد إلا في أماكن من التراب الوطني … و أمام هذا الوضع كيف يمكن أن يكرس حزب ما مثل هذه الرموز في ذهنية هيئة ناخبة يتكون أغلبها من السكان الحضريين الذين لايعيشون وسط النخيل أو السنابل أو حتى الزيتون . وحتى بالنسبة للناخبين القرويين فإنهم سيختلفون في التجاوب نفسيا مع هذه الرموز . فكل المناطق ، وحتى الفلاحية منها ، لاتنتج كلها الزيتون أو القمع، ولاتعيش فيها حيوانات مثل الجمال أو الغزلان التي لاتوجد إلا في مناطق الجنوب الصحراوية.

-الرموز الحزبية وافتقاد المرجعية

إن كل رمز سياسي أو حزبي يستمد وجوده من مرجعية محددة سواء كانت هذه المرجعية : مرجعية إيديولوجية ، سياسية أو مرجعية اجتماعية، في حين نجد أن مختلف هذه الرموز الحزبية تفتقد إلى مختلف هذه المرجعيات. فمن المعروف أن        معظم الأحزاب سواء في الدول الغربية أو دول المعسكر الشرقي المنهار أو دول العالم الثالث عادة ما تستمد رموزها سواء من التراث الايديولوجي الليبرالي أو التراث الايديولوجي الشيوعي أو التراث الايديولوجي الاشتراكي . كما أن كل حزب يحاول أن يبلور رموزه في انسجام وتناسق مع أدبياته الايديولوجية سواء كانت ماركسية أو ليبرالية أو ديمقراطية اشتراكية أو ماوية …

افتقاد المرجعية الأيديولوجية

يمكن القول بأنه باستثناء رمز << ميزان >> حزب الاستقلال الذي يمكن أن يعكس     << تعادلية >> هذا الحزب ورمز  << وردة >> حزب الاتحاد الاشتراكي  للقوات الشعبية الذي قد يذكر بثورة القرنفل بالبرتغال أو << دع مائة زهرة تتفتح >> التي أطلقها ماو في الستينات من القرن الماضي، فإن رموز جل الأحزاب كالشموع والفوانيس والشموس و الطيوروالنخيل … لا تحيل على أية مرجعية إيديولوجية خاصة سواء كانت ليبرالية أو اشتراكية أو ديمقراطية أو شيوعية …و لعل افتقاد رموز الأحزاب المغربية لأية مرجعية يمكن أن يفسر بعدة عوامل من أهمها:

-أن هذه الأحزاب لا تتوفر على إيديولوجيات متميزة . فأغلب أدبياتها هي عبارة عن تقارير أدبية أو نداءات ظرفية.

-عدم وجود أي اختلاف إيديولوجي واضح بين مختلف هذه الأحزاب سواء على صعيد المسألة الدينية أو مسألة نظام الحكم أو طبيعة النظام الاقتصادي . فاقتصاد السوق و الاسلام والملكية هي توابث لا تناقش في المغرب.

-طبيعة الأحزاب الانتخابية ووظيفتها البرلمانية يدفعان الأحزاب إلى عدم الاهتمام بالجانب الايديولوجي و توضيحه.

– حرص السلطة على عدم اقتباس أية رموز قد تثير الحساسية الايديولوجية والسياسية والدينية للنظام القائم.

-افتقاد المرجعية السياسية

من الصعب جدا التميير بين اليمين واليسار في المغرب نتيجة عدة عوامل من أهمها:

-التحالف داخل الكتلة بين أحزاب تدعى الانتماء إلى اليمين و أخرى تدعى الانتماء إلى اليسار.

-انحدار أحزاب كانت تصنف ضمن اليمين إلى خانة الوسط.

-نشأة عدة أحزاب جديدة ما زالت تبحث عن موقعها داخل التشكيلة السياسية الوطنية .

لذا فوسط هذا الاختلاط و التداخل بين الأحزاب ، لايمكن لبعض الرموز أن تميز أحزابا عن أخرى . فشموع حزب << اليسار الاشتراكي الموحد >> لا يمكن أن تميز هذه الحركة اليسارية <<الماركسية سابقا >> عن << فانوس >> الحركة العدالة والتنمية التي تضم مناضلين من حركات إسلامية.

كما أن انتقاء حزب يساري لرمز <<سفينة>> يحيل بالأساس على رمزيات لجماعة أصولية كجماعة العدل والإحسان.

-افتقاد المرجعية الاجتماعية

إن أي حزب هو قبل كل شيء يشكل تكتال لمجموعة من الفئات الاجتماعية و المهنية . وبالتالي فالرموز التي تتخذها الأحزاب يكون الغرض منها التعبير عن هذه الفئات وضمان تماثلها . لكن إذا تمعنا في رموز الأحزاب المغربية فسنجد أنها تفتقد لأية مرجعية فئوية أو مهنية:

-فلا مناجل أو جرارات تذكر بفئات الفلاحين التي غالبا ما تتشدق الأحزاب باهتمامها بالفلاحين و العالم القروي.

-ولا فؤوس أو مطارق أو حفارات … تذكر بفئات العمال.

-ولا أقلام أو مكاتب أو أسرة تذكر بفئات المستخدمين أو رجال التعليم و الصحة …

-ولا مكاييل أو موازين تذكر بفئات تجار التقسيط وتجار نصف الجملة و الجملة …

ولعل غياب مثل هذه الرموز يمكن أن يفسر بعدة عوامل من أهمها:

-تحكم أصحاب المهن الحرة في معظم دواليب القيادات الحزبية.

-الطبيعة الحضرية و النخبوية للقيادات التي لايمكن أن تتماثل فكريا أو ثقافيا مع باقي الفئات العمالية أو الفلاحية او المهمشة المتواجدة بالبلاد.

-عدم انسجام التركيبة الاجتماعية داخل الأحزاب التي تتميز بغلبة المتعلمين سواء كانوا من مستخدمي القطاع العام ( موظفون ، ممرضون ، معلمون ، أساتذة) أو القطاع  الحر (أطباء، محامون ، مهندسون … ).

-غلبة العنصر الطلابي ضمن قواعد ومناضلي هذه الأحزاب بما يكتنف ذلك من غموض اجتماعي و فئوي.

وعموما فإن مختلف الرموز التي تم اختيارها من طرف أحزابنا المغربية يمكن أن تصلح :

-لهيئات قضائية أو نقابية ( ميزان ).

-لهيئات منتجي الحبوب والزيوت ( السنبلة، الوردة ، النخلة ، الزيتونة).

-لجمعيات القنص و الصيد ( الطيور ).

-لجمعيات الفروسية (الفرس)

-لجمعيات المكفوفين والمعوقين ( الشمعة)

-لتعاونيات تربية و إنتاج العسل (النحلة)

-لحدائق وجمعيات  ومحميات الحيوانات الاليفة والمفترسة (الأسود والغزلان والجمال)

-لشركات الأسفار و السياحة ( الشمس ن طيارة)

-لجمعيات الشعوذة والتعويذة ( اليد والعين)

-فيدراليات قطاع البناء وتركيب السيارات (سيارة، منزل، باب،مفتاح).

-لتعاونيات الصناعة التقليدية ( الخنجر والبراد).

      وبالتالي، فمن الصعب سياسيا، أن توظف هذه الرموز الحزبية بشكلها الحالي  في أية تنافسات سياسية وانتخابية حقيقية . مما يتطلب إعادة النظر في مختلف هذه الرموز وإعادة بلورتها اعتمادا على مرجعيات ثقافية و إيديولوجية واضحة تراعي الواقع الاجتماعي المعاش و تلويناته المهنية و الفئوية . والاعتماد  في بلورتها على كفاءات فنية وثقافية تستطيع إدراك الأبعاد العميقة لكل رمز وما يختزنه من إيحاءات سياسية     و إيديولوجية وطبقية .بالاضافة إلى ذلك ، ينبغي على الأحزاب في بلورتها لرموزها أن تراعي خصوصية التركيبة السكانية في المغرب التي تتكون في جلها من الشباب والنساء . فاستقطاب هذه الشرائح ينبغي أن يستند على رموز تثير الملكات الايحائية و الذهنية لديها وتحرك انفعالاتها و أحاسيسها العميقة.

Share
  • Link copied
المقال التالي