تحتفل العاصمة الرباط، هذا العام، بالثقافة وبالتنوير، لكن بدون حرارة، بدون مثقفين وبدون تنويريين، وستكون كما هي حالة المأساة التي وصفها أندرياس برنار لما تكلم عن نهاية الثقافة حين يسود الصوت الواحد ويشنق المثقفون على أعمدة النور.
لقد هيأ لهذا المشهد قرار محمد المهدي بنسعيد، وزير الثقافة والشباب والتواصل، في سابقة تاريخية وصفت بـ(الفضيحة) وذلك حين أعلن سحب جائزة المغرب من تسعة كتاب وأدباء فازوا في الدورة الأخيرة من جائزة المغرب للكتاب، لا لشيء إلا لأنهم تقدموا بملتمس لتفعيل البند 13 من قانون الجائزة والذي ينص على أنه:”يُمنح الفائز بجائزة المغرب للكتاب شهادة وتذكارا ومبلغا ماليا صافيا قدره 120000 درهم”.
وقد بين المعنيون بالملتمس التوضيحي والذي لم يكن مُوقعا أصلا حتى يكون رسميا، أن مبدأ المناصفة في جائزة المغرب للكتاب، يعني فقط أن عملا ثقافيا أو أكثر قد حضي بالاعتماد من لدن اللجنة العلمية المختصة، ليكون أفضل ما عُرض على أنظارها وطنيا، وليكون بنص المرسوم “الفائزَ” سواء تَوَحد أو تَعَدد. وعليه، فلا وجود لمادة تنص على المناصفة في المرسوم، وعبارة “الفائز” تنطبق على كل مرشح للجائزة ظفِر عمله باستحسان اللجنة المختصة.
ولفت المثقفون نظر الوزارة إلى وجود سوابق منها سابقة سنة 1996 حيث فاز الأستاذ يحيى اليحياوي والأستاذ أحمد المتوكل بالجائزة مناصفة مع تمكينهما من قيمة الجائزة كاملة لكل واحد منهما.
وفي الوقت الذي كان يُنتظر فتح حوار مع الكُتاب المعنيين بالملتمس ظلت أبواب مديرة الكتاب بالوزارة، وكذا أبواب الوزير بالقطاع موصدة في الوقت الذي جرت فيه مساعي سلبية داخل الوزارة تهيء لانقلاب مكتمل الأركان على الثقافة في وزارة تُعنى بالثقافة، حيث سعت الوزارة لاستدعاء رؤساء اللجن العلمية لدفعهم في اتجاه تغيير نتائج الجائزة في الفروع التي عرفت المناصفة، وهي سابقة سوداء لم تعرفها الجائزة إلا في عهد الوزير الحالي.
إن هذه الممارسات، ولا ريب، تضرب أسلوب الحكامة في الصميم وتزري بالثقافة المغربية أمام العالم، وقد تشبت رؤساء اللجن بموضوعيتهم واستقلالهم وعدم إمكان التصرف في النتائج بعد اعتمادها في محاضر نهائية.
لكن المفاجأة جاءت بطبول الفضيحة، كما يقول يوسف إدريس، ليسمعها العالم كله، وذلك يوم الجمعة الماضي، حيث راسل الوزير المعنيين برسالة جماعية لا تستند إلى أي قانون، وذلك عبر البريد الإلكتروني، تخبرهم بأنه يسحب الجائزة من التسعة لأنه لا يقبل تأويل المراسلين لوزارته للقانون، كما لو أن الجائزة ليست جائزة المغرب للكتاب في عظمتها وتاريخها المجيد، وإنما جائزة تنتمي لزمن الأعطيات والضيعات والإقطاعات والتي يعطي فيها ممثل السلطة لنفسه صلاحيات فوق قانونية للجزاء والعقاب وللمنح والمنع لمجرد أن من هم أمامه تجرؤوا على التماس تطبيق القانون وليس شيئا آخر !!
وقد اندهش المثقفون المتضررون من هذا القرار المتسرع وغير القانوني وعبروا عن استنكارهم جميعا لهذا السلوك الذي ينتمي لعصر الأنظمة الشمولية المغلقة التي لا تترجم أي قبول بالاختلاف والتنوع، ولا تؤمن بالحوار، ولسنا في بلد اسمه المغرب.
وأعرب المثقفون التسعة عن استيائهم العارم مما يحدثه هذا القرار العبثي من تشويه لمسلسل الإصلاح الثقافي الذي قاده الملك محمد السادس منذ سنوات، كما أدانوا في رسالة وجهوها لرئيس الحكومة ما أحدثه هذا القرار من شرخ في الفضاء الثقافي، بما يصادم من القيم النبيلة التي يفترض أن يُجسدها قطاع الثقافة في أي بلد محترم، وأكدوا على تمسكهم في النهاية بحقهم للجوء إلى القضاء إيمانا منهم بأن العدالة قادرة على أن تصحح أخطاء الثقافة حين تكون بأيد غير أمينة.
قبل أربعة أشهر تقريبا، اجتمع محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، مع مع سالم بن محمد المبارك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، وتم الإعلان عن مدينة الرباط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2022 عن المنطقة العربية، وذلك ضمن برنامج الإيسيسكو لعواصم الثقافة في العالم الإسلامي، وهي خطوة، مبادرة من الوزارة لا يمكن إلا تشجيعها والتصفيق لها.
لكن سحب جائزة من مجموعة من المثقفين المغاربة هي أيضا خطوة “متسرعة” بل و”مزاجية” ساهمت في إهانة مجموعة من المثقفين المغاربة وتصويرهم وكأنهم عبدة الدرهم والدينار، وليسوا مثقفين من حقهم أن يلتمسوا حوارا مفتوحا مع الوزارة الوصية على الشأن الثقافي من أجل “البيان والتبيين” في نازلة تتعلق بالقانون، وفي دولة الحق والقانون!
وهنا يعن طرح السؤال على الوزارة المعنية بالشأن الثقافي في بلادنا: هل يمكن التطلع إلى الاحتفاء بالثقافة بدون الاعتراف بدور ووظيفة المثقفين المغاربة؟؟!
تعليقات الزوار ( 0 )