شارك المقال
  • تم النسخ

الرباط بين الاستقرار والتأثير.. تقرير ألماني يسلط الضوء على الدور المملكة المغربية في الحفاظ على الأمن والتنمية في منطقة الساحل

سلطت ورقة بحثية لمجلة “International Politics And Society” صادرة عن مؤسسة “فريديريش إيبرت” الألمانية، الضوء على مكانة المملكة المغربية وقوتها كشريك أمني رئيسي لأوروبا في منطقة الساحل التي تعاني من الأزمات، وأهميتها المتزايدة بالنسبة لها مقارنة بجارتها الجزائر، مشيرة إلى أن المغرب يبرز كمنارة للاستقرار والثقة.

وأوضحت الورقة التي تحمل توقيع المحلل السياسي، مانويل جاث، ورئيس مكتب المؤسسة سالفة الذكر في المغرب، أنه وبعيدًا عن النزاع الطويل الأمد مع جارتها الجزائر، تميل المملكة إلى الابتعاد عن الصراعات الكبرى، وتبرز حاليًا كشريك الأمن الأول في منطقة الساحل.

بصبر استراتيجي كبير، اكتسب المغرب تدريجيًا نفوذًا دينيًا متزايدًا في غرب إفريقيا، حيث يقوم بتدريب الأئمة وتعزيز شكل معتدل من الإسلام، بالإضافة إلى ذلك، أبرم المغرب اتفاقيات أمنية وشراكات عسكرية متعددة، في حين أنه يسعى أيضًا إلى استراتيجية دبلوماسية اقتصادية شهدت استثماراته المباشرة العديدة في جيرانه الجنوبيين.

ونظراً للتوترات الإقليمية الناجمة عن الجهادية وتجارة البشر والمخدرات والأسلحة، وقبل كل شيء، الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، أصبح المغرب الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى للتنمية الاقتصادية في منطقة الساحل.

وبحسب الورقة البحثية، فقد تعزز النفوذ المتنامي للمملكة في هذا المجال بأربعة عوامل جيوسياسية:

1. القوة الدبلوماسية الإقليمية:

وأكدت المؤسسة، على أن انسحاب القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، الذي تسارعه حركات شعبية قوية معادية لفرنسا، خلف فراغًا أمنيًا في منطقة الساحل، ومن جانبه، لدى المغرب خبرة في مكافحة الإرهاب، وجيشًا قويًا وأكاديميات عسكرية مرموقة تقوم بشكل متزايد بتدريب الأفراد العسكريين من إفريقيا جنوب الصحراء.

يُضفي نفوذ المملكة العسكري المتنامي في الساحل، حسب المصادر ذاتها، طابعًا ما بعد استعماري تقريبًا يتناقض مع المشاعر السائدة حول المستعمر الأوروبي السابق في المنطقة.

2. البحث عن حلفاء جديرين بالثقة:

وتسعى الأنظمة العسكرية الجديدة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر إلى تعزيز مواقفها من خلال كسب حلفاء إقليميين جديرين بالثقة.

وفي أعقاب انقلاب 2021، كان السفير المغربي لدى مالي، حسن الناصري، أول دبلوماسي يجرى اتصالًا مباشرًا بالنظام الجديد، وقام رئيس الوزراء الجديد للنيجر بزيارة إلى الرباط، حيث اصطحب معه ضباطًا مختلفين تلقوا تدريبًا عسكريًا في المغرب.

في حين أن المجتمع الدولي كان لا يزال يراقب هؤلاء الحكام الجدد بحذر، كان المغرب يستقبلهم بأذرع مفتوحة.

3. العقوبات الاقتصادية والسياسية:

وفرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) عقوبات اقتصادية وسياسية على مالي وبوركينا فاسo والنيجر، مما أدى إلى عزلة هذه الدول الثلاث اقتصاديًا، وكرد فعل للعقوبات، قررت حكومات انتقالها الانسحاب من ECOWAS.

واستغل المغرب، الذي كان طلبه للانضمام إلى ECOWAS معلقًا منذ عام 2017، هذه الفرصة لإطلاق “المبادرة الأطلسية” التي تعد الدول الثلاث بمنحها الوصول إلى البنية التحتية المغربية للطرق والموانئ والسكك الحديدية.

في الآونة الأخيرة، شكلت دول الساحل الثلاث اتفاقية أمنية جديدة تعرف باسم “تحالف دول الساحل”. وعلى ما يبدو، يهدف التحالف إلى تعزيز التعاون الإقليمي في الشؤون العسكرية وسياسة الأمن، ولكنه يمتلك أيضًا خططًا طموحة للمستقبل، حيث يتصور تحقيقًا لا يقل عن اتحاد اقتصادي ونقدي بين الدول الثلاث.

من وجهة نظر المغرب، فإن تطوير ميناء الداخلة ليكون القلب الصناعي لمركز اقتصادي إقليمي جديد يمكن أن يوفر لغرب إفريقيا بوابة للعالم.

وسيمكن ذلك المغرب من تعزيز مطالبه الهيمنية على الصحراء المغربية وإنشاء حقائق على الأرض، سيكون ذلك ضربة حقيقية لاستراتيجية المغرب الراسخة للتعاون جنوب-جنوب، وفق تعبير الورقة البحثية.

4. انسحاب مالي من اتفاقات الجزائر:

وفي يناير 2024، انسحبت مالي من اتفاقات الجزائر، وهي اتفاقية عام 2015 بين الحكومة المالية والمتمردين الأزوادية لإنهاء الصراع الذي كان مستمرًا منذ عام 2012، وجاء انسحابها في سياق اتهامات الجزائر بدعم الحركات الانفصالية في منطقة الساحل والتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.

وسواء كانت هذه الاتهامات مبررة أم لا، فإن هذا الخلاف هو هدية للمغرب وسبب آخر لتكثيف هجومه الدبلوماسي في المنطقة.

حليف طويل الأمد:

وعلى الرغم من أن المغرب لم يكن قط عضوًا رسميًا في مجموعة الساحل الخمس، وهي مجموعة التنمية الإقليمية التي تضم موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، إلا أنه كان حليفًا مفضلًا، بفضل الاتفاقيات الأمنية والعسكرية.

وكانت مكافحة الإرهاب المشتركة وتدريب الضباط العسكريين المشترك والتمارين العسكرية المشتركة بالفعل سمة من سمات علاقات المغرب مع الدول الأعضاء.

وستكون هذه الحقيقة في صالح المملكة إذا تم حل مجموعة الساحل الخمس، كما هو مخطط، عقب انسحاب مالي في عام 2022 والنيجر وبوركينا فاسo في عام 2023.

وكانت هناك اتفاقيات مختلفة بين مالي والمغرب منذ سنوات، تتعلق في المقام الأول بتدريب الضباط والضباط العسكريين الماليين، وتبادل المعلومات الاستخباراتية وتوريد المعدات العسكرية، كما يحتفظ المغرب أيضًا بعلاقات عسكرية وثيقة مع بوركينا فاسو.

وتلقى كل من الرئيس الحالي، إبراهيم تراوري، واللواء دانييل سيديكي تراوري، الذي قاد قوة MINUSCA التابعة للأمم المتحدة حتى عام 2023 وهو الآن مستشار عسكري لرئيس أركان الدفاع في وزارة الدفاع في بوركينا فاسo، تدريباً عسكرياً في المغرب.

وقد أظهر إطلاق سراح العامل الألماني للتنمية، يورغ لانغ، بعد سنوات من الأسر في مالي، كيف يمكن أن تكون الروابط المغربية مع خدمات الأمن في منطقة الساحل قيمة لألمانيا، ولكن في حين أن الرباط قد تسعى إلى تحقيق أهدافها طويلة الأمد، فإن هذا لا يعني أنها لا تملك مصالح مشتركة مع أوروبا.

وعلى سبيل المثال، يشعر المغرب منذ فترة طويلة بالقلق من أن مجموعة فاغنر الروسية قد توسع أنشطتها في المنطقة، وفي هذا الصدد، فإن المغرب في معسكر الغرب تمامًا، ولكنه يستفيد أيضًا من الوصول المميز إلى الأنظمة الجديدة في المنطقة، ولديها نفوذ حقيقي من خلال جهازها الأمني.

وحتى الآن، رأت أوروبا المغرب بشكل أساسي من حيث شراكات الطاقة وإمكاناته في الحد من الهجرة، في حين أن الدول الأوروبية تبدو وكأنها تسعى إلى إرضاء المغرب في مثل هذه الأمور، فإن وعدًا بدعم المغرب في جهوده لتطوير شراكات الأمن الجنوبية هذه سيكون شيئًا يمكن لأوروبا أن تقدمه في المقابل.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي