شارك المقال
  • تم النسخ

الرئيس التونسي يحسم موقفه من المساواة في الإرث

أثار موقف الرئيس التونسي، قيس سعيد، الرافض للمساواة في الميراث، والذي عبر عنه في خطابه الأخير، جدلاً كبيراً في البلاد، حيث انتقد عدد كبير من السياسيين «الموقف المحافظ» لسعيد من هذه المسألة المثيرة للجدل، معتبرين أنه يتقاطع -على نحو ما- مع الدعوات المطالبة بتطبيق أحكام القرآن حول الرجم والجلد وتعدد الزوجات.

وكان الرئيس قيس سعيد انتقد، في خطاب ألقاه بمناسبة العيد الوطني للمرأة التونسية، الصراع القائم حول المساواة في الميراث بين الجنسين، مشيراً إلى أن «النص القرآني واضح ولا يقبل التأويل، ومنظومة الإرث في الإسلام لا تقوم على المساواة الشكلية، بل هي منظومة متكاملة تقوم على العدل والإنصاف.

والمساواة الشكلية في عدد من النصوص القانونية الغربية ليست بريئة، وليذكر من يريد أن يذكر النقاش الذي حصل في فرنسا إبان وضع شعار الدولة الفرنسية، حينما طالب البعض بإدراج العدالة، رفضت الطبقة البرجوازية آنذاك أن تُدرج العدالة إلى جانب المساواة».

وكتب المحلل السياسي بولبابة سالم: «لم تتغير مواقف الرئيس في المسألة الاجتماعية، وبدا محافظاً رافضاً ما سماه بالقضايا المفتعلة، مثل المساواة في الميراث (لا اجتهاد مع النص)، وهنا خذل أنصار الحداثة الذين قالوا فيه زمن الانتخابات ما لم يقله مالك في الخمرة، واليوم انقلبوا 180 درجة دون مراجعات لمواقفهم التي كانت انفعالية (الاصطفاف مع الرئيس ضد النهضة). في الأثناء، صمت أنصار النهضة عن الكلام المباح رغم أنهم زمن الباجي كانت القضية الاجتماعية ومشروع بشرى وأخواتها في صلب معاركهم مع الباجي قائد السبسي».

ودوّن سمير عبد الله، القيادي السابق في حزب تحيا تونس: «كنت أنتظر من الرئيس خطاباً يرتقي إلى مستوى أهمية الحدث ويواصل مسيرة الإصلاح التي بدأها الزعيم بورقيبة وقبله الطاهر الحداد. أود تذكيره بأن بورقيبة لم يعرض مجلة الأحوال الشخصية على مصادقة المجلس القومي التأسيسي، وإصداره لها بواسطة أمر علي هو نقطة قوة لفائدة بورقيبة. وحدهم الزعماء التاريخيين قادرون على دفع عجلة التاريخ بفضل إرادتهم القوية واستشرافهم للمستقبل. تونس كانت من البلدان الأولى في العالم التي ألغت الرق بأمر علي. ولو عرض ذلك القرار على استفتاء الشعب لوقع رفضه».

وأضاف: «لا ننسى أن المجتمع التونسي كان في ذلك الزمن غارقاً في الأمية والجهل والعقليات البالية. كنت لا أتمنى أن يحسم موقفه من قضية الإرث. وتناولها من جانبها الديني الضيق، بينما هي قضية مجتمعية بالأساس. الإسلام تطور بفضل الاجتهاد وفهم روح النص وليس ظاهره. الرئيس توقف عند ظاهر النص. وهنا أقول له لو التزمنا بظاهر النص الحرفي لنرجع إذن إلى تطبيق أحكام الرجم والجلد والحد والرق وتعدد الزوجات. الراحل الباجي تجرأ على طرح هذه القضية على النقاش العام لأول مرة في تاريخ تونس، وتقدم بمبادرة تشريعية ترسي اختيارياً قاعدة المساواة في الإرث، ثم اصطدمت باعتراض النهضة الغاضبة على الباجي لأنه فتح ملفات الاغتيالات والجهاز السري».

وأضاف سامي بن سلامة، العضو السابق لهيئة الانتخابات: «ألم أقل لكم إن قيس سعيد إنسان محافظ ولا يمكن الاعتماد عليه في قضايا الحقوق والحريات؟ لكن في المقابل، يمكن الاعتماد عليه في قضايا الساعة من قبيل: احترام القانون وعدم التلاعب بالمال العام وعدم اختراق الدولة».

ودون عدنان منصر، الأمين العام السابق لحزب الحراك: «أستمع إلى رئيس الجمهورية في محاضرته بمناسبة عيد المرأة، وأستخلص: أن تكون رجل قانون أسهل وأقل حرجاً من أن تكون مصلحاً. اعتبار أن الهدف هو تحقيق المساواة الاقتصادية بين المرأة والرجل، ولكن «دون المس بمسألة الإرث التي حددها نص قرآني بصريح العبارة»، هو نوع من الحذلقة اللغوية. رئيس محافظ، وهذا ليس مفاجئاً لأحد. كان هناك تقدميون جداً أخفوا موقفهم من المسألة خوفاً من صناديق الاقتراع! هذا ليس مفاجئاً بتاتاً. هناك فارق كبير بين أن تكون زعيماً وأن تكون رئيساً».

وأضاف محمد العربي الجلاصي، القيادي في حزب التيار الديمقراطي: «الرئيس قيس سعيد محافظ، وموقفه من المساواة في الميراث معروف لمن يجتهد قليلاً قبل الانتخابات. شخصياً، لم أصوت له إيماناً بمشروعه ولا اقتناعاً ببرنامجه، بل لأن منافسه كان ولا يزال غير مؤهل للمنصب. تصويتي لقيس سعيد لا يمنع أني أختلف معه تماماً في موقفه من المساواة في الميراث. بالنسبة إليّ، للدولة دين هو الإسلام، وفهمي لهذه النقطة أنها ترعى هذا الدين وتوفر ظروف ممارسة شعائره (كملاءمة العطل مع الأعياد الدينية والتوقيت الإداري مع رمضان مثلاً) وتؤطر خطابه في المساجد تفادياً للانحراف به».

وتابع بقوله: «بالنسبة إليّ، للدستور أحكام لا يرقى إليها الشك: المساواة التامة بين المواطنات والمواطنين وأحد رموزها في مجتمعنا هي المساواة في الميراث. أحترم المحافظين لأن مواقفهم واضحة من هكذا قضايا (مع تنسيب مهم: من السهل أن تكون سياسياً محافظاً في مجتمعنا) وأتمنى أن أحترم يوماً كل التقدميين فلا أجد بينهم من يمارس التقية، فيخفي أفكاره طمعاً في أصوات لا يستحقها. السياسة طموح في خدمة أفكار، وليست مجرد حصيلة أصوات تخرج من الصندوق. بوضوح، أنا مع المساواة التامة بين المواطنات والمواطنين ومع ما خلص إليه الرئيس الراحل ولجنة الحريات وما اقترحه التيار الديمقراطي منذ 2017 من مساواة في الميراث كأصل مع إمكانية تطبيق نظام المواريث الحالي لمن رغب في ذلك».

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي