Share
  • Link copied

الديموقراطية..ذلك الصنم الذي فشل عربيا!

استعير هذا العنوان من كتاب  هانز هيرمان هوپا “الديموقراطية الإله الذي فشل” والذي تتساوق فكرته الأساسية مع فلسفة نتشه حول أنه من العبثية جعل الناس سواسية وقد خلقوا مختلفين لأن الديموقراطية تجعل من  الكسالى متساوين  مع المجتهدين ، والنبلاء مع العبيد  وهي فكرة لا محالة عنصرية مقيتة ، ولذلك  تبدو نتائجه إشكالية ، مستفزة ، وهو تلميذ الفيلسوف الألماني هانز يورغن هابرماس ، والذي انتهى إلى أن يصبح ليبرتاريا واستنتح من بحثه   الى ان فكرة الديموقراطية فكرة فاشلة  وشريرة وخطيرة ،وغير طبيعية  وان الديموقراطية تدهور حضاري ، وان المساواة بين الناس تقود إلى أثار اجتماعية كارثية لأن المساواة  بين الناس  في رأيه انحطاط ،وتجعل المتبطلين العاطلين المتسكعين العاجزين المرضى  المتطفلين الجاهلين  يعيشون  على حساب الأسياد المتفوقين الذين منحتهم الطبيعة مواهب متميزة إن طريقة هيرمان تذكرنا بالرجل المتفوق الأسمى الذي انتهى إليها الفيلسوف الألماني فريديرك نيتشه رغم انه لم يشر إليه في ثنايا كتابه كما قال الدكتور نادر كاظم في تقديمه للترجمة العربية.

وما انتهى إليه هيرمان من افكار ثورية متعارضة مع ما انتهى إليه النظام الاوروبي حول طريقة الحكم وتدبير  الشأن العام ،فالديموقراطية وإن لم تكن نظاما مثاليا. ألا انها كما قال ونستون تشرشل من أن الديموقراطية هي أفظل الأنظمة السيئة  لكن ما انتهى إليه  هانز هيرمان  هوپا قد يصدق خاصة على التجربة العربية الفاشلة في ممارسة   الديموقراطية التي يبدو انها  لا تصلح لمجتمع قاصر  لم يبلغ الرشد جائع أمي جاهل ومصاب بعمى  القلوب التي في الصدور  ، وهو الى العبودية الطوعية  اقرب من الحرية و لا يحسن حرية اختيار ،  الاصلح  النادر جدا شكلا ومضمونا   وقد أتبحت له فرصة  التحرر خلال فترات تاريخية عديدة   من أبرزها  ما وقع من أحداث خلال ثورات الربيع العربي لكنه أخيرا  كفر  بالديموقراطية وجحدها وأخلف موعده معها ،بتصفيقه  للاستبداد  وتأييده للانقلابات  في مشاهد سورياليةةمضحكة مبكية وأسلمت هذه الشعوب  روحها ومستقبلها لجلاديها  بمسرحيات  شعبية ساخرة تافهة. وسيناريوهات غبية فخرجت  متظاهرة  محتجة ضد إرادتها، ولذلك فكانت شعوبا ماشوزية تتلذذ بالاستعباد  فهل نحمل في أجسادنا جينات وكروموزمات الاستبداد ، فكلنا مستبد بمن هو تحت سلطته وأقل قوة منه  وكل ضعيف طيب يصير اشرس المستبدين إذا  أتيحت له فرصة الاستقواء،  فالحجاج بن يوسف الثقفي كان مجرد معلم للصبيان في الكتاب،  فهل قدر الإنسان الشرقي إما أن يكون في ضفة الرق والعبودية أو أن يكون في ضفة السادية والاستبدادية.

ولذلك فإنني في لحظات اليأس من كثرة فشل تجاربنا التحررية والفكرية  أكفر بالديموقراطية ، عندما لا أجد  في تاريخنا نموذج يحتذى به ومثالا لدولة العدل والرفاهية والحرية فقد عدمنا  اي  نقطة ضوء ضئيلة  تنير طرقنا المظلمة الحالكة السواد ،وسط بحر المأساوية  والتصفيلت الدموية بواسطة الحروب  والاغتياليات والإعدامات حيث يستحيل ان تجد في تاريخ العرب السياسي أمير تسلم السلطة سلميا ، وكل الول نشأت بالسيف والغلبة ، كانت هناك بعض اللحظات القصيرة والمفارقة ولكنها لم تؤسس لطريقة ولم ترسي منها قارا  في الحكم ، وهذه مفارقة كبيرة فرغم ان  لنا بنك هائل من القيم الدينية الإسلامية  الرائعة التي حث عليه القرآن والمدونة الحديثية  كالوفاء والصدق والأمانة والشجاعة فإننا مع ذلك  نجد أنفسنا في ذيل الأمم اخلاقيا.وسياسيا.

ولكنني في لحظة الهدوء  ارجع واقول لا ييأس مع الحياة مادام في الجسد روح وما دامت هناك أنفاس تتصاعد ، فقد تتغير فجأة مجريات الأحداث بشكل تراجيدي ودون مقدمات كما يحدث في باطن الأرض قبل وقوع الزلازل ،فللتاريخ أحداثه ، غير المتوقعة ، وكذلك يبدو ان أوروبا فجأة تحولت من العصور الوسطى  المظلمة التي عرفت  خلالها  الاستبداد والتخلف ومطاردة الساحرات الى عصور  عرفت نهضة علمية عظيمة شكلت طفرة هائلة في التاريخ الانساني الكوني.

كذلك يمكن ان يحدث لنا ، وقد حدث لأمتنا درس في الخراب كما قال مظفر النواب ، فمن رحم المعاناة قد يولد الخلاص ، ومن الرماد قد يخرج طائر الفينيق .   إن الديموقراطية ليست آلية إنتخابية وفقط وإنما هي  فلسفة حياة قائمة على أسس عقلانية وحداثية وثورة فكرية  على المألوف والسائد ومن أهدافها العيش بحرية وتسامح مع الآخر وسط الاختلاف.

Share
  • Link copied
المقال التالي