ينتظـر العالــم الجولة الثانية للرئاسيات التركية يوم 28 ماي .. بعد يوم انتخابي عصيب ( 14 ماي ) حيث لم يحصل كل من الرئيس ” اردوغان ” 64 سنة ، و زعيم المعارضة ” كليشدار اغلو ” 75 سنة على نتائج تتجاوز عتبة 50 في المائة من نسبة مشاركة الناخبين الأتراك..
وقــد عرفت الحملة الانتخابية توظيفا كبيرا لرموز التاريخ العثماني والتراكم الديمقراطي التركي… بدءا من اختيار يوم الاقتراع 14 ماي نفسه ، و زيارة زعيم المعارضة ” كليشدار اغلو ” لقبــر ” مصطفى أتاتورك “، في حين صلى الرئيس “أردوغان” بمسجد “صوفيا” و كل ما تحمله تلك الأمكنة من رسائل الاصطفاف والأيديولوجيات، وكذا الانتصار والفخـر…
كما وصف العديد من المراقبين الحملة الانتخابية التركية بمعركة ” كسر العظــام ” ، إذ توفرت فيها كل مقومات المعركة من اتهامات و تراشق و تدافع و اقتحان…و مساومات و وعــود…و اصطياد هفوات الفريق الآخــر ، و باستعمال مكثف لكل وسائل الاعلام و شبكات التواصل الاجتماعي و تحريك جيوش ما يعرف ” بالذباب الإعلامي “… و ثنائيات أردوغان / كليشدار..إذ في الوقت الذي وظف فيه زعيم المعارضة فضاء المطبخ و البصل للتذكير بأزمة الغلاء و التضخم… سيرد عليه الرئيس ” اردوغان ” بنشر صورته بالزي العسكري و وراءه أسلحة “الــدرون”، كدليل على تطور صناعة الأسلحة التركية التي عززت التواجد التركي في اكثر من منطقة ساخنة في العالم و أدخلت تركيا / أردوغان لنادي الكبار…
أكثــر من هـذا، ففي الوقت الذي سوق فيه إعـلام المعارضة التركية و بعض المنابر الخارجية المعروفة بعــداءها للرئيس التركي.. بأن تركيا ” تشتاق للديمقراطية ” و وصفت بعضها ” اردوغان ” بالديكتاتور و المستبد ، و البعض الآخــر بنشره “للفاشية الإسلامية”…فقـد علـق الرئيس “أردوغان” بأن نسبة المشاركة التي اقتربت من 90 في المائة هي انتصار للديمقراطية…
لقد تابعنا تحليلات بعض منابر الاعلام الغربي حيث انتـابنـا شعور التجييش والتشكيك لصالح تيار المعارضة، وإعطاء مساحة إعلامية أكبر لتيار المعارضة دون تيار التحالف الحكومي و أردوغان..كما افردت مساحات مهمة لشرح نتائج استطلاعات الراي ولغضب سكان المناطق المنكوبة من جراء زلزال فبراير 2023..
وأعتقــد أن مبـرر التغطية الإعلامية القوية للانتخابات في تركيــا ، سواء أثناء الحملة أو اثناء إعلان النتائج… مرده هو الموقع المركزي الذي تحتله شخصية الرئيس “أردوغان” على مستوى خارطة العلاقات الدولية و قوته في صنع معادلات النظام العالمي الجديد…لذلك فنشر مراسلين و اعتماد صحافيين كبار لتغطية نتائج تعلن نهاية عهد ” اردوغان ” مثلا ، هو سبق صحافي و حدث تاريخي.. و في نفس الوقت الإعلان عن فــوز ” اردوغان ” هو حدث تاريخي و انتصار في معركة سياسية و أيديولوجية و إعلامية
لذلك فقد كانت شخصية “أردوغان” هي المبتدأ والخبر في كل انتخابات تركيا طيلة عقدين من الزمن.. فهل انهــزم فعلا الرئيس “أردوغـان ” في جولــة 14 ماي..؟
أولا، لغـة الأرقــام تقول بأن “أردوغان” جاء متفوقا على غريمه “كليشدار أغلو” بأكثر من مليوني و نصف ناخب…أضف ثانيا، ان التحالف الحكومي (أردوغان) فـاز بأغلبية مقاعد البرلمان، أي 323 مقعد من ضمن 600 مقاعد البرلمان…وهو مؤشر مهم على الحالة الصحية لحزب العدالة و التنمية رغم التضخم و ازمة العملة التركية و رغم تداعيات زلزال فبراير و فاتورة 50 ألف قتيل ومئات الضحايا…ومحفــز ايجابي للجولة الثانية ليوم 28 ماي.. كما ان لغة الأرقام أفادت بأن أغلبية مناطق الزلزال صوتت لفائدة الرئيس “أردوغان ” وهو ما اغضب تيار المعارضة الذي بنى حملته على تداعيات الزلزال و الدعوة لطرد اللاجئين السوريين والمهاجرين الهاربين من مناطق الصراع و تقلبات المناخ…
وعلى الرغم من هــذه القراءة الإيجابية لحصيلة تيــار “أردوغان”، فإننا لمسنا النصر بطعم المرارة، إذ سجل اللجوء للدورة الثانية لأول مرة في عهد الرئيس ” اردوغان “…كما كان بإمكان إنجازات ” اردوغان ” الكبيرة طيلة عقدين من التربع على السلطة… أن تشفع له عن تراجع العملة التركية أمام الدولار الأمريكي و ارتفاع نسبة التضخم و انخفاظ معدلات الاستثمارات الخارجية…
كما كان بإمكانهم حسم النتيجة بمشاركة تاريخية قاربت 90 بالمائة خاصة وأن فريق حملة “أردوغان” كان يتكلم لغة الإنجازات والأرقام و عرض المشاريع سواء بالداخل او الخارج.. في حين اكتفى فريق حملة المعارضة بلغة التمني و الوعود… دون الاعتماد على أرقام أو خرائط اجتماعية أو ثقــافية او اقتصادية…
كان بإمكانهم حسم النتيجة يوم 14 ماي بمقارنة متأنية بين تاريخ و شخصية “أردوغان ” القيادية ، و شخصية “كليشدار أغلو” الذي وصفه البعض من تيار المعارضة بـفـاقـد “للكاريزما “…
وباقترابنا من يوم 28 ماي ترتفع حدة التراشق و الاتهامات بتزوير نتائج الدورة الأولى و الدعوة لإعادة عملية الفرز و العـد خاصة في مناطق الاكراد و الزلزال ، و اتهام “وكالة الاناضول” الإعلامية بتفضيل تيار “أردوغان” على تيار” الطاولة السداسية “…كما ترتفع درجة الإشعاعات حول انسحاب بعض قادة المعارضة أو هشاشة الوعود…والتخوين والعمالة للخارج…
وباقترابنا من يــوم الجولة الثانية يرتفع صخب نتائج و تحليلات استطلاعات الرأي بين المشككة في قــوة “أردوغان” على الصمود و الفوز، و بين المهللة بانتصار المعارضة و قدوم عهد “ديمقراطي” جديــد…هذا مع الاشارة الى تنبيهات بعض المتتبعين وبقولهم انه في حالة فوز المعارضة، فإن الشلل سيصيب المشهد السياسي في تركيا إذ سينقسم بين مؤسسة تشريعية يسيطر عليها تحالف ” اردوغان “، و بين مؤسسة الـرئاسة الموزعة بين رئيس وعدة نواب الرئيس من الطاولة السداسية…
لكن الأكيد هو أن الناخب التركي سيقول كلمته الفصل يوم 28 ماي..، وستعطي تركيا درسا جديدا في نسبة المشاركة الانتخابية والممارسة الديمقراطية، في زمن تشتكي فيه بعض الديمقراطيات الأوروبية من العزوف الانتخابي و من نسب مشاركة ضعيفة…فمن يـقدر على إطفــاء مصباح رجب اردوغان..؟
*مفكر مغربي
تعليقات الزوار ( 0 )