Share
  • Link copied

الدكتور المريزق ينعي صديقه عبد القادر أزريع في الذكرى الأربعينية لرحيله

أستأذنك أخي الغالي بعد رحيلك عنا، لأقول للجميع أني لست بأحسن منهم تحدثا ولا أكثر منهم وفاء. ولكنني أستعطفهم المشاركة بكلمتي هذه وأنت الذي فارقت الحياة بعد عقود طويلة من العطاء السخي والنضال الدءوب، تاركا لنا سيرة حقوقية ناصعة، وثقافية متنورة إنسانية رائعة، وذكريات طيبة، وميراثا من الأخلاق والقيم الرفيعة الراعية والحافظة للمعرفة والعلم.

حزناء اليوم نحن بعد وفاتك، أيها الأخ العزيز، أيها الصديق الصادق المخلص، أيها الرفيق الغالي على قلوبنا..

إن عطاءك الغزير في الحياة كان وسيبقى سرا من أسرار الخلود، عرفناه فيك أسلوبا ومنهجا و نمطا لحياتك، فمهما حاول الموت أن تبعدك عنا ، فهو لن يمحو ذكر ما قدمته من عطاء ووفاء.

يعز علي وعلينا فراقك، في وقت نحتاج فيه إلى أمثالك من الوطنيين الأوفياء الصادقين، وخاصة في هذا الوقت بالذات من عمرنا الحقوقي.

فمهما قلت من كلمات في لقاء تأبينك، ومهما سطرت من عبارات الحزن الباكية، لن أوفيك حقك لما قدمته لي ولعائلتي ولخليل خليلي، ابني الراحل، من دعم إنساني ومن حنان وعطف ووقت وجهد، ومن توجيه ومساندة ومصاحبة لكل الديناميات الصاعدة التي كنت أتقاسم معك همومها كلما شعرت بالتعب والعياء، وكنت في كل محطة محطة تسقيها ورودا وأملا وتفاؤلا.

حزناء اليوم نحن بعد وفاتك، أيها الأخ العزيز، أيها الصديق الصادق المخلص، أيها الرفيق الغالي على قلوبنا..

لقد كنت أنا واحداً من بين المئات من المغاربة الذين تتلمذوا على يديك في جامعة الحياة، تعلمت منك الحزم والصراحة، وتعلمت منك دروس ومبادئ “اليين” و “اليانغ” والخط الفاصل بينهما الذي يعمل على إبقاءهما متحركين ومتغيرين.

عرفناك فاعلا وطنيا ومناضلا هادءاً، متواضعاً ، قنوعاً، سخيا اتجاه المحتاجين، ملتزما بعملك وواجباتك. حملت أمانة النضال بإنسانيتك وبإخلاصك، وأعطيت لكل ميادين وفروع صناعة التغيير جهدك وتجربتك وخبرتك وللوطن حبك الطاهر، وللجميع بسمتك وصدقك وقصصك التي كنت تحكي عنها وقائع وأحداث الطفولة والشباب والسياسة والنقابة وحقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني والتاريخ والجغرافيا وحكايات خالدة عن القبيلة والاستعمار والاستقلال والحركة الوطنية والتلاميذية والطلابية وحلقات اليسار والنخب.

في كل مناسبة وعيد، كنت تحكي قصصا وروايات بدون توقف ومن دون تردد. تحكي عن الطفولة والعمال والفلاحين و الأسرة التعليمية والشباب والنساء ومغاربة العالم وعموم طلائع وإشراقات النضال الديمقراطي وانتقالاته البهية والمتواصلة، وكأنك ” لاوتسو” الذي خرج من بطن أمه (النيزك الذي سقط من السماء) وعمره 82 سنة.

حزناء اليوم نحن بعد وفاتك، أيها الأخ العزيز، أيها الصديق الصادق المخلص، أيها الرفيق الغالي على قلوبنا..

تمتعت بخصال كثيرة ومزايا حميدة، حسن الخلق وطيبة المعشر وسماحة القلب، وكل من عرفك والتقى بك كان يحكي عنك بتقدير واحترام، نموذجا حازما وهامة من الهامات في العطاء والتضحية.

اليوم غيبك الموت عنا، جسداً، لكنك ستبقى في قلوبنا ما بقينا على قيد الحياة في هذه البسيطة. ولن ننساك، وستظل بأعمالك ومآثرك وسيرتك نبراساً وقدوة لنا، وأمثالك الصادقون لا يموتون.

كل التحية والتقدير لزوجتك الكاتبة والأديبة المغربية ربيعة ريحان وابنك البار أناس و كل أفراد أسرتك الكبيرة وأصدقائك ومعارفك في وطننا الكبير من طنجة إلى الكويرة، مرورا بالرباط و الدار البيضاء و بنكرير و قلعة السراغنة وآسفي و خريبكة ومراكش..وفي الدول الشقيقة والصديقة..

نؤبنك اليوم أيها البشوش، السموح، الخلوق، الكريم النعيم، وننعيك بكل اللغات والعادات، مستحضرين كل تفاصيل مساراتك المركبة والمتعددة، وما تبقى من شظايا الذاكرة الضائعة في الريح!

آه كم يئس الموت منك أكثر من مرة! كنت تضحك عليه وتطلق العنان لفرسك وأنت تحكي، تحكي…وتحكي كل يوم، عن كل شيئ، عن التفاصيل وعن خبايا ديناميات لم تقل كلمتها بعد!

كنت رمزا من رموز حركة التحرر الوطني المغربية، ومؤسسا لمدرسة نضال الحياة وفاء منك للنهج الحقوقي في كل تجلياته وجزئياته وتقاطعاته واستشرافاته، حاضرا ملتزما بقضاياه الإنسانية والاجتماعية من عدل وعدالة ومساواة، مدبرا للاختلاف، مدافعا عن الإبداع والاجتهاد في المنتديات الوطنية والدولية، وفي مراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية.

لم تمت ولن تموت..
يموت الرجال ولا تموت مواقفهم!

ستبقى ذاكرة شامخة إلى الأبد في قلوبنا..

ستبقى صورتك أمام أعيننا وفي عمق الذاكرة الجماعية لشعبنا، وأنت في عنفوانك الحقوقي والاجتماعي والإنساني الباذخ .

ستظل إسهاماتك المشرقة نبراسا لحركتنا المواطنة، الفتية و المناضلة، في “قادمون وقادرون” و في المنتدى الوطني للمدينة الذي نظم لك تكريما خاصا دوليا بمكناسة الزيتون سنة 2014 ، أنت والعديد من الوطنيين المخلصين للوطن ومؤسساته..من دون أن ننسى دعمك للجامعة الشعبية المغربيةUPM وللمقهى الثقافي بمكناس SCM، حيث كنت مساهما وداعما ومرافقا لكل دينامياتنا منذ انطلاقاتها..إلى جانب الأنثروبولوجي المغربي الراحل نور الدين هرامي والخبير الدولي الحقوقي عبد الحميد الجمري.

فلترقد روحك الطاهرة بسلام، في النعيم والفردوس!

Share
  • Link copied
المقال التالي