نشأ الاستشراق الغربي في بداياته لأغراض استعمارية وتبشيرية تتحكم فيها الأحقاد التاريخية ، ويمكن تعريف الاستشراق بكونه علم دراسة التراث الثقافي والديني والتاريخي والاجتماعي للشرق، وبداياته عموما ترجع القرن 16 عشر وخصوصا مع الحملة الفرنسية على مصر وقد حدد مكسيم رودنسون مولد الاستشراق في الغرب بتاريخ 1779 حيث ظهرت هذه الكلمة لأول مرة بإنجلترا. في القرن 19 واعتبر ادوارد سعيد أن “الاستشراق” شكل منذ أواخر القرن الثامن عشر أسلوبا غربيا للسيطرة على الشرق، مؤكدا أن دراسة الشرق من قبل الغربيين هي دراسة منحازة مدفوعة بأغراض استعمارية ووجهات نظر مسبقة ونظرة دونية لشعوب الشرق مهما حاولت أن تبدوا علمية وموضوعية.، لكن وللحقيقة يمكن القول بتحفظ ان حركة الاستشراق نمت وترعرت وخبرت خبايا وكنوز لم تكن مجلوة في الثقافة العربية الأدبية والدينية وبعثث مخطوطات كانت طي النسيان ، بعد الجيل الأول والثاني الذي كان منحازا لأهداف تبشرية واستعمارية بسبب الأحقاد الدفينة ضد العرب عموما وضد الإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم خصوصا ، لكن مع ذلك تشكل بعد ذلك أجيال من المستشرقين كان لهم الأثر الكبير في الحركة العلمية بغض النظر عن الأهداف الحقيقية، ومنهم على سبيل المثال لا الحسر لويس ماسينيون وماكسيم رودنسون، ونولدكه الألماني صاحب كتاب تاريخ القرآن وجاك بيرك، الفرنسي وبروكلمان صاحب كتاب تاريخ الأدب العربي وتاريخ الشعوب الإسلامية، ولورا فيشيا فاغليري الإيطالية وهي من أوائل المستشرقين المتعاطفين ظهورًا على مسرح الفكر الاستشراقي المعاصر، وقد درست الإسلام بروح متفتحة، وكذلك كان المستشرق الفرنسي (موريس بوكاي) والمستشرقة الألمانية الكبيرة – آنا ماري شيمل:الحاصلة على دكتوراه في الاستشراق عن رسالة: “القضاء الإسلامي في مصر في القرون الوسطى” في أوائل الأربعينيات، ثم درجة الأستاذية “بروفيسور” في منتصف الأربعينيات، ثم دكتوراه ثانية في أوائل الخمسينيات، وعملت في تدريس الشريعة الإسلامية في جامعة أنقرة بتركي جامعة هارفارد.
لكن الصوت الغالب على الاستشراق كان سلبيا نتج عن ردود فعل مسيحيي القرون الوسطى الذين كانوا ينظرون بتقزز للأسلام لأنهم يعتبرونه هرطقة مسيحية ، وهذا الرأي ما زال شائعًا في الكثير من الأوساط المسيحية حتى يومنا هذا، ويمثل هذا التيار المستشرق (أدولف فون هارناك) الذي اعتبر الإسلام نوعًا من الهرطقة المسيحية، وكذلك من المستشرقين المتطرفين جولدتسهير. والمستشرق برنار لويس،
الإنه في الفترة الأخيرة ظهر جيل من المستشرقين أراد أن يقلب التاريخ والرواية الرسمية للإسلام رأسا على عقب ومنهم مدرسة نظرية الإسلام المبكر والتي مفادها أن الإسلام لم يظهر في مكة وأنه لم يكن هناك أمة تسمى بالمسلمين إلى حدود القرن الأول الهجري وأن ماكان في الجيل الأول مجرد جماعات نصرانية يهودية كان العرب فيه متحالفون مع طائفة متنصرة من اليهود ضد الرومان من أجل تخليص أورشليم لكن العرب انقلبوا على هذا التحالف واسسوا ديانة جديدة تسمت بالمسلمين في عهد عبد الملك بن مروان ودليلهم على ذلك أنه ليس هناك أي أثر حفري يشير إلى وجود الإسلام الى غاية تاريخ ظهور قطع النقود التي صكها عبد الله بن الزبير أثناء حكمه لمكة، وهي أول علامة على وجود شيء اسمه الإسلام، وأن الآمة التي كانت قبل هذا التاريخ كانت تسمى بالهاجريون، وهذا الطرح هو ما جاءت به المستشرقة باتريشا كرونه، ومايكل كوك، ونظريتهم تقول كذلك أن الدين الجديد لم يظهر في مكة وإنما ظهر بالشام، وأن العباسيون هم من دمروا جميع الآثار التي على ذلك وشجعوا على انطلاق عصر التدين و أختاروا الشكل الرسمي الجديد للدين، بهدف التخلص نهائيا من السردية الأولى ومسح الأصول اليهومسيحية للإسلام وقد ذهب بهم خيالهم بعيدا وشطبوا كل التاريخ لصالح فكرة لا أساس واقعي لها إلا ظنون وتخمينات،
أما المدرسة التي جاءت بعدهم وهي التي تهمنا هنا، لكونها موضوع البحث، وجل رواد هذه المدرسة مسيحيون متطرفون ، كان هدفهم نفي المصدر الإلهي للقرآن، بالبحث عن التشابهات القصصية واللغوية،بين القرآن وما ورد في التوراة والأناجيل وبعض الكتابات اللوتارجيا كإنجيل برنابا وكتابات الأريسيين ، وأحيانا أخرى بتركيزهم على عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم ونفى أميته وكونه هو من خطط لإنشاء أمة الأسلام.
ومن أبرز من خاضوا هذا الطريق جبريال صوما اللبناني ومانجانا الأشوري العراقي وكريستوف لكسنبرغ في كتابه الأصول الآرامية والسريانية للقرآن
وقد كان مدخلهم لذلك وجود كثير من المفردات القرآنية بدون جذر لغوي عربي، أو أن لكونها لها أصولا آرامية أوسريانية، أو أثيوبي.
، واسترسالا في طرح الإشكال سيكون من اللازم الجواب على هذه الأطروحات عن طريق التحلي بكثير من الجرأة والجدارة الفكرية وعدم الخوف والهيبة فكلام الله الأزلي محفوظ لقوله تعالى :(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له حافظون) صدق الله العضيم
والخوض في هذا البحث العويص لن يمكن إلا عن طريق امتلاك أدوات النقد، والبحث العلمي غير المتحيز، والأمر يحتاج إلى كثير من التجريد، من الذات ولبس لباس الموضوعية والحيادية مع موضوع حساس ولن يمكن ذلك إلا عن طريق اتباع منهج الكوجيطو الديكارتي الدي يعني الشك المنهجي، وكذلك استعمال المنهج التحليلي الفليلوجي ويكون ذلك بطرح الإشكالات والأسئلة التالية :
فهل ما يصادفنا من هذه الكلمات والمفردات المستشكلة هي كلمات أعجمية عربت باستعمالها في سياق الكلام العربي أم أنها عربية الأصل شكل ونطقا؟
، نحن اليوم نستعمل بعض المفردات الانجليزية والفرنسية في أحاديثنا وأبحاثنا العلمية والأكاديمية ، حتى أصبحت تكتب بحروف عربية تبين المقصود أكثر من أي كلمة عربية الآصل بحيث يكون من الصعب إيجاد مرادفات لها في اللغة العربية، تؤدي نفس المعنى المقصود بدقة ، كاستعمالنا اليوم لمصطلح جيولوجيا وأركيولوجيا وإثنوغرافيا وسيستام وترنسدالية ،وتليفون وتلفاز، وغيرها من الكلمات التي عربت بكثرة استعمالها في اللسان لعربي، ومن ذلك أسماء الأعلام كقولنا مثلا مايكل أو جابريال أو غيره فهذه الإسماء مثلا لها معنى في لغتها الأصلية، ولكن استعمالها في لغة أخرى يكون مجرد محاكاة صوتية مع بعض التحريف ، دون ترجمتها حرفيا ، ومن ذلك مثلا اسم نبي الله ابراهيم، والحال أن اسمه في الأصل كان ابرام ثم صار ابراهم ويعني في التفسير التوراتي أب الأمة أو الأمم ،وتم تعريب اسمه الى إبراهيم دون ترجمة معنى اسمه، فكل اسم لعلم هو في الأصل يحمل معنى، فرشيد مثلا من الرشد وسعيد من السعادة ومحمد من كثرة الحمد وهكذا، وقياسا على ذلك هل يمكن القول أنه قد ورد في القرآن كلام غير عربي في الأصل وأنه لكثرة الاستعمال في سياق الخطاب أصبح عربيا، ومن ذلك كثير من الكلمات كجهنم وفردوس وآمين وشيطان وجبريل واستبرق وسندس وطور والكوثر وغيرها من الكلمات التي من الصعب إرجاعها إلى جذر لغوي ثلاثي أ و رباعي، أو إيجاد أصل لها في الأفعال أو الأسماء العربية. وهو ما نتبه إليه الماتريدي في تفسيره بخصوص كلمة الكوثر لان تفسيرها بنهر في الجنة لا يستقيم في رأيه وسياق الكلام، فلا علاقة للأبتر بالكوثر .
، سيكون من اللازم قبل الإجابة، طرح السؤال حول ماهية اللغة العربية، ووقت ظهورها َ وتشكلها، وهل كانت لغة خاصة بقبيلة من القبائل أو أنها هي مجموع لهجات القبائل التي استوطنت الشرق الأوسط من سوريا إلى الحجاز إلى اليمن إلى العراق والأردن إلى غاية نهر طبريا والأحواز بعربستان، هل هي لغة حمير أم تدمر هل هي لغة العرب العاربة أم لغة العرب المستعربة؟. وهل يصح القول أن اسماعيل هو أب العرب؟ وأنهم لم يكن لهم وجود عرقي إثنولَوجي قبله، وأي لغة كانت سائدة قبله وجوده؟
يقسم علماء العربيه اللهجات التي كانت موجودة إلى عربية جنوبية وهي القحطانية وعربية شمالية وهي العدنانية وقد قال الإمام محمد بن جرير أبو جعفر الطبري في تفسيره: أن العرب، وإن جمع جميعها اسم أنهم عرب، فهم مختلفوا الألسن بالبيان متباينو المنطق والكلام، وأن ألسنتهم كانت كثيرة وأذكر هنا ما وقع لخالد بن الوليد حين قال لأحد جنوده أدفئوا مالك بن نويرة، ففهم الجندي الدفئ على أنه أمر بالقتل، وكذلك كان،، كما الفرق بين المدية والسكين وغيرها من الكلمات المتشابهة ،، لا تسعفنا الحفريات الأركيولوجيا في البحث على إجابات حاسمة، إذ ليس هناك أي كتابات على الجدران أو الصخور أو الرقائق توثق لنص عربي مكتوب قبل مجيء الإسلام، بإستثناء بعض العبارات التي عثر عليها علماء الآثار واللغة على نقوش مكتوبة بالخط النبطي الذي اشتق منه الخط العربي، وقد وجدت هذه النقوش في مدينة الحجر وفي البتراء بتدمر وفي منطقة حوران وفي سيناء، وهو ما أكده الدكتور جواد على في كتابه المفصل من تاريخ العرب، حيث أن أقدم هذه النصوص، هو ما وجد على شاهد قبر فهر بن شلي ملك تنوخ وقد دون هذا النص على الصورة التالية(دنه نفسو فهرو بن شلي ربو جديمت ملك تنوخ) وترجمة هذا النص تعني (هذا قبر فهر بن شلي مربي جذيمة ملك تنوخ) وهو نقش بخط نبطي، والأنباط من عرب الشمال وهو نفس الخط الذي استعمله في وقت لاحق تجار الحجاز ويلي هذا النص نقش آخر هو نقش النمارة شرقي جبل حوران، من بلاد الشام وهي كتابة على شاهد قبر الملك امرئ القيس ثاني ملوك الحيرة مؤرخة بسنة 328 قبل الميلاد وهذا النص عثر عليه مكتوب بالخط النبطي وبلغة آرامية بتراكيب عربية وهو كالتالي :(تي نفش مر القيس بن عمرو ملك العرب كله ذو أسر التج) وتعني :(هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذي تقلد التاج) المرجع من كتاب المفصل مجلد 3/ص192. ومن خلال شواهد أخرى يطول الحديث عنها ومن أراد التفصيل فليرجع إلى مصادرها،
يتبين من خلال ذلك أن اللغة لم تنشأ هكذا فجأة وإنما تشكلت عبر فترات تاريخية طويلة، تطور فيها اللسان العربي نتيجة تلاقح حضاري، مع الأمم الأخرى المجاورة والتي كانت مختلطة معها بالشمال والشرق وبالخصوص بلاد الشام كالمناذرة والغساسنة، حيث كانت سائدة اللغة الآرامية والنبطية والسريانية، فهل يكون هناك إشكال يمس أصالة اللغة، إذا وجدت بها مصطلحات وكلمات عربت ودخلت في اللسان، الفصيح، وهي في أصلها كانت لأمم أخرى.
قد تبين فعلا أن العرب لم تكن لهم لغة موحدة وإنما كانت لهم لهجات متعددة وأنها في الغالب كانت شفاهية وليست كتابية، لأن العرب في غالبهم كانوا أمة أمية لا يكتبون إلا أفراد قلائل منهم ، وأن اللغة العربية استعارت الخط النبطي والحميري والمسند وكانت تراكيبها مختلفة عن تراكيب الفترة الإسلامية، وهذا يجرنا إلى مبحث كلامي دار فيه نقاش عقدي طاحن بين المعتزلة والحنابلة حول هل القرآن مخلوق أم أزلي، وهل هو كلام نفسي بثه الله في صدر الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي بواسطة جبريل وخرج على لسان الرسول بواسطة لسان قومه لغة مفهومة هي لغة قريش، أم أن الكلام الموحى به كان حرفا وصوتا،
حول هذا الإشكال دارت رحى حرب ضروس بين المعتزلة والأشاعرة والحنابلة وهي ما سيعرف بمحنة ابن حنبل،
وقد بلغ الأمر إلى نفي وطرد شيخ المحدثين صاحب الجامع الصحيح إلإمام محمد بن اسماعيل البخاري من نيسابور لما عاد إليها والتهمة التي اتهم بها كانت هي تهمة اللفظية؛ وهي تعني قول القائل: أن لفظي بالقرآن مخلوق، فقد قال الشيخ الدهلي إمام نيسابور وقتها لأصحاب الحديث إن البخاري يقول: اللفظ بالقرآن مخلوق، فامتحنوه في المجلس، فلما حضر الناس مجلس البخاري قام إليه رجل فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن: مخلوق هو أم غير مخلوق؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجب، فأعاد الرجل السؤال ثلاث مرات، فالتفت إليه البخاري، وقال القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة، والامتحان بدعة، أي أن البخاري قد أدرك مغزى السؤال، وعلم أنه من جنس السؤالات التي لا يراد بها وجه الله عز وجل، وإنما يراد بها امتحان العلماء، وإثارة الفتن والفرقة بين الناس، فشغب الرجل السائل على مجلس البخاري؛ فقام البخاري من مجلسه، وجلس في منزله.
لأنه عندما سئل عن القرآن هل هو مخلوق أم أزلي أجاب بأن تلفظه بالقرآن مخلوق وقد ظل البخاريُّ ينتقل من بلد لآخر، وكلَّما حلَّ ببلد طاردته الشائعاتُ، وضل الشيخ الذُّهليُّ تيلاحقه في كلِّ مكان نزل به بالتهمة الجاهزة ، حتى اضطرَّ في النهاية للنزول عند أحد أقاربه ببلدة خرتنك، الواقعة بين بخارى وسمرقند، قضى بها الإمامُ آخر أيام حياته، وقد ضاقت عليه الدنيا بما رحبت حتى أنه تمنى الموت ،فكان غالبُ دعائه في أيامه الأخيرة: “اللَّهمَّ إنَّ الأرض قد ضاقت عليَّ، فاقبضني إليك يا ربَّ العالمين”.وفعلا فقد ترفي في ليلة الفطر من سنة 256 هجرية.
، وعودة إلي موضوع الإشكال وهو هل ماورد من كلمات ومفردات غريبة هي كلمات عربية قحة أصلية لم يخالطها لسان أخر ، أم أنها عربت وأصبحت دارجة مستعملة في التخاطب اليومي ، هناك حديث مهم يؤشر على تداول السريانية في المدينة بين اليهود فقد روى وأهل يثرب فقد رؤى الترمذي في جامعه الصحيح في (باب تعليم السريانية) بسنده إلى زيد بن ثابت قال: “أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم كلمات من كتاب يهود وقال إني والله ما آمن يهود على كتابي، قال فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له، قال فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم”.
قال الشيخ العالم السلفي المغربي تقي الدين الهلالي هذا حديث حسن صحيح.قال العالم الرباني أستاذي عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري الهندي رحمه الله رحمة واسعة في شرح هذا الحديث من كتابه (تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي ج 3 ص392) ما نصه:
“قال القاري: قيل فيه دليل على جواز تعلم ما هو حرام في شرعنا للتوقي والحذر عن الوقوع في الشر كذا،… إذ لا يعرف في الشرع تحريم تعلم من اللغات سريانية أو عبرانية هندية أو تركية أو فارسية.
وهذا الحديث رواه أيضا أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه وذكره في صحيحه تعليقا، ومعنى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابي الجليل كاتب الوحي زيد بن ثابت أن يتعلم كتابة اليهود وفي رواية “أمره أن يتعلم السريانية” وعلل ذلك بأنه عليه الصلاة والسلام لا يأمن اليهود أن يقرءوا له كتابا يأتيه منهم لئلا يزيدوا فيه و ينقصوا أو يبدلوا ويغيروا، فتعلم زيد ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم في نصف شهر،. ذلك أن اليهود في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، بل وفي زمان عيسى بن مريم وقبله بزمن لم يكونوا يتكلمون ويكتبون بالعبرانية لأنها كانت قد انقرضت ولم يبق منها إلا كلمات قليلة تردد في الصلوات، وكان اليهود يكتبون علومهم الدينية والدنيوية ويتخاطبون بالسريانية،، وإنما تعلم زيد بن حارثة، الكتابة والقراءة، أما معاني لغة اليهود فكان يفهمها لأنها كانت لا تزال قريبة جدا من لغة العرب، ولأن قبائل من اليهود كانت مساكنة للأنصار.
ويظهر من هذا الحديث أن اللغة السريانية كانت متداولة على الأقل بين اليهود في المدينة وكانت َهي لغة الكتابة والثقافة وبالتأكيد والحالة هذه من العادي أن تتسرب كلمات ومصطلحات إلى لغة أهل يثرب بمقتضى التعامل اليومي بينهم وبين اليهود، في أعمال التجارة والمعاملة،اليومية، خاصة وهم يسكنون في أحياء متجاورة وتجمعهم أسواق واحدة ، وهناك الكثير من المفردات المستعارة الغريبة من لغات أخرى كالأثيوبية مثل مائدة والتي أصلها أثيوبي (مائيدي) بمعنى طاولة ومأدبة، وكلمة جبت وطاغوت وتابوت و جهنم استبرق وفردوس ، وحطة، وهناك توجه استشراقي ذو طبيعة تنصيرية متطرفة تريد أن تقلب التاريخ الإسلامي رأسا على عقب يمثل هذا التيار عدد منهم أمثال جيرد غوين الألماني الذي استقدمته الحكومة اليمنية لفحص صحائف صنعاء التي عثر عليها العمال بالمسجد الجامع أثناء عملية الترميم وكذلك نجد المستشرق كريستوف لكسنبرغ صاحب كتاب القراءة الآرامية السريانية للقرآن ، والذي اعتمد فيه على على التحليل الفيلولوجي وقد ذهب هذا الأخير إلى اعتبار أن المقصود بالحور ليس الحور العين، لكون هذه الكلمة كما قال سريانية، وتعني عنب أبيض، وما دام أن القرآن لم يكن منقطا إلى غاية القرن الأول، حيث قام حينها كل من الحجاج بن يوسف الثقفي بتنقيطه، ومن بعده أبو الأسود الدؤلي بوضع المد ، فهذا المستشرق أزال النقطة من على زوجناهم حورا عين لتصبح روحناهم عنب أبيضا والمؤكد أن هذا تلفيق وتزوير، وقد رد عليه مستشرقون آخرون وسفهوه على مذهبه ،فقد وصف المستشرق {ريتشارد كروس} لكسنبرغ بأن عمله يدل على جهله بأدبيات الموضوع، وأن ما يفعله لكسنبرغ إنما هو بدافع تبريري مسيحي، كما أن {فرانسوا دي بلو} أشار إلى كم الأخطاء النحوية الكبير في عمل لكسنبرغ وإلى محدودية معرفته باللغة السريانية ووصف عمله بأنه عمل هاو ٍ وليس عملاً علمياً. وهو أيضاً ما وصف به عمل لكسنبرغ من قبل البروفسورة باتريشيا كرون . وقد قدم الدكتور وليد صالح من جامعة تورنتو الكثير من النقاط التي تفنّد فرضيات لكسنبرغ.
فلكسنبزغ لم ينتبه إلى أن القرآن الكريم كان محفوظا في الصدور قبل الكتابة والجمع، وهناك مستشرقون آخرون غلب عليهم الحافز التنصيري والتبشيري الأعمى، مثل جبريال صوما اللبناني، ومانجانا الآشوري العراقي، وعند بحثي عن كلمة حور وجدت أن مؤنثها حوراء ومذكرها أحور وجمعها جمع التذكير والتأنيث: حور. كقولنا أبيض وجمعها بيض ومؤنثها بيضاء، وأحمر جمعها حمر وتأنيتها حمراء. وهكذا ذواليك، قال العلامة الراغب الاصفهاني في كتابه مفردات ألفاظ القرآن ت ص 263 {وحور عين} جمع أحور وحوراء والحور قيل :ظهور قليل البياض في العين من بين السواد، وبالتالى فإن المعنى لا يسقيم وما ذهب إليه لكسنبرغ من أن حور تعني عنبا أبيض لا أساس له منطقيا وعقلانيا وهو تكلف وتعسف لا يستند إلى دليل، لأنه كما قلنا في المقال السابق إن الكلمات تأخذ معناها من ٧ سياق الجملة ولا يمكن فهمها منفردة منتزعة من نظمها، حسب ما ذهب إليه عبد القادر الجرجاني في كتابه إعجاز القرآن، وأختم هذا الموضوع بتفسيدر آية {طه} من أحد أهم التفاسير المعتمدة عند أهل السنة والجماعة وهو من التفاسير الأولى وهو تفسير جامع البيان للإمام جعفر بن جرير الطبري قال
:
﴿طه* مَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰۤ * إِلَّا تَذۡكِرَةࣰ لِّمَن یَخۡشَىٰ}
القول في تأويل قوله تعالى: {طه}… اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ﴿طَهَ﴾ فقال بعضهم: معناه يا رجل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تميلة، عن الحسن بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس: طه: بالنبطية: يا رجل.
⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ﴿طه مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ فإن قومه قالوا: لقد شقي هذا الرجل بربه، فأنزل الله تعالى ذكره ﴿طَهَ﴾ يعني: يا رجل ﴿مَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ .
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن مسلم، أو يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير أنه قال: طه: يا رجل بالسريانية.
قال ابن جريج: وأخبرني زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس، بذلك أيضا. قال ابن جُرَيج، وقال مجاهد، ذلك أيضا.
⁕ حدثنا عمران بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا عمارة عن عكرمة، في قوله ﴿طَهَ﴾ قال: يا رجل، كلمه بالنبطية.
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد الله، عن عكرمة، في قوله ﴿طَهَ﴾ قال: بالنبطية: يا إنسان.
⁕ حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، عن قرة بن خالد، عن الضحاك، في قوله ﴿طَهَ﴾ قال: يا رجل بالنبطية.
⁕ حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حُصين، عن عكرمة في قوله ﴿طَهَ﴾ قال: يا رجل.
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ﴿طَهَ﴾ قال: يا رجل، وهي بالسريانية.
⁕ حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة والحسن في قوله ﴿طَهَ﴾ قالا يا رجل.
⁕ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، يعني ابن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ﴿طَهَ﴾ قال: يا رجل.
وقال آخرون: هو اسم من أسماء الله، وقسم أقسم الله به.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله ﴿طَهَ﴾ قال: فإنه قسم أقسم الله به، وهو اسم من أسماء الله.
هذا النص ليس لأحد من غير المسلمين وإنما هو وارد عن نص من أهم النصوص التفسير ية لدى أهل السنة والجماعة وعليه بنى باقي المفسرين الآخرين من أمثال ابن كثير والسيوطي والقرطبي ،،مما يدل على أن الموضوع فعلا يجب أن يحظى بالأهمية اللازمة من طرف الباحثين والمختصين
للرد على الشبهات وللجواب على الاستشكالات التي لا يمكن التخلص منها بدفن رؤوسنا في الرمال بل لمواجهة الموضوع بكل شجاعة وجرأة دون المساس بقدسية القرآن وكونه ذو أصل إلهي، و كون الله قادر على فعل ما يريد،
يجب التأكيد على أن القرآن عربي مبين ونزل بلسان عربي فصيح وفقا لقول الله تعالى :(بسم الله الرحمن الرحيم*حـم والكتاب المبين* إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون* وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم* ) صدق الله العظيم،
وقوله تعالى :{نَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} صدق الله العظيم إن هدف البحث هو التأكيد على أن ما نطق به العرب بلسانهم هو لغة عربية مبينه ولو كانت أصولها في لغات أخرى،لأنها ليست ملكا لها وحدها وإنما هي ملك للإنسانية جميعا واللغة تلاقح حضاري،، وليس هذا هو القول الفصل والنهائي، وإنما هو احتمال يبقى معلق التحقق على نظر أهل الاختصاص من اللغويين والفلولوجيين والعلماء المفسرين..
المراجع:
١- تفسي الطبري جامع البيان في تأويل آي القرآن
٢- ألفاظ القرآن للراغب الاصبهاني
٣- القرآن في محيطه التاريخي تأليف جبرائيل سعيد
٤- التاريخ الخفي للإسلام تأليف أولاف
٥-موسوعة الكلمة وأخواتها للشيخ الكبيسي
٦-المفصل في تاريخ العرب للدكتور جواد على
٧- الإسلام المبكر في الاستشراق الانجلوساكسوني تأليف أمينة البلاوي دار الجمل
٩- كتاب الهاجريون باتريشا كرون
١٠-التوراة تتحدث عن بيت الله الحرام تأليف عصام شكيب
١١- الجامع الصحيح للإمام الترمذي
تعليقات الزوار ( 0 )