قال مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، ورئيس النيابة العامة، إنه سيواصل السعي جاهداً للنهوض بمستوى العدالة في المغرب، معتبراً أن التعيينات الأخيرة التي قام بها الملك محمد السادس، تعدّ تدشيناً لحلقة جديدة من حلقات تكريس تنزيل السلطة القضائية المستقلة في المغرب، واستمرارها في الزمن وتعزيز بنائها، واستكمال مقوماتها ووضع آليات تفعيلها، وأيضا من خلال تعيين عبد النباوي، رئيساً لمحكمة النقض.
وتوجه الداكي، خلال كلمته التي ألقاها خلال تنصيبه وكيلاً عاماً للملك لدى محكمة النقض، ورئيساً للنيابة العامة، بالتعالي لعبد النباوي “على الثقة المولوية الغالية التي حظيتم بها لدى جلالة الملك محمد السادس دام له النصر والتمكين بتعيينكم على رأس هذا الهرم القضائي، وبهذه الصفة رئيسا منتدبا للمجلس الأعلى للسلطة القضائية”.
وأضاف رئيس النيابة العامة الجديد، أن “هذا التعيين الذي له دلالات ذات أبعاد قيمة لشخصكم الكريم، إن على مستوى قامتكم القانونية والمهنية والمعرفية أو على المستوى المتميز الذي دبرتم به مهام النيابة العامة على مستوى محكمة النقض، ثم مرحلة تأسيس رئاسة النيابة العامة، سواء من حيث جهودكم في التأصيل القانوني المؤطر لهياكلها، أو على مستوى إيجاد فضائها وهيكلته، دون إغفال الطريقة المثلى لتدبيركم لمواردها المادية والبشرية”.
وتابع: “لكل ذلك سيادة الرئيس المحترم لكم تحية إكبار وإجلال على كل ما فعلتم من أجل تثبيت الاستقلال الفعلي لرئاسة النيابة العامة، ومن خلال ذلك الإسهام في توطيد دعائم استقلال السلطة القضائية، ويحدوني الأمل الكبير أن تظل عنايتكم ودعمكم لرئاسة النيابة العامة مستمرة في الزمن وداعمة لشخصي المتواضع ولكل أطرها في تدبيرها حتى يتأتى بعون الله بلوغ الأهداف التي رسمتموها لها، وتكتمل مختلف أوجه وعناصر مقوماتها”.
وشدد الداكي على أنه سيكون “لا محالة منصتا لكل نصائحكم في هذا الصدد مستحضرا في ذلك العناية والرعاية والتوجيهات المولوية لنا جميعا سواء أثناء تشريفنا باستقبال مولانا أمير المؤمنين دام عزه ونصره حين تفضل جلالته بتعييننا للقيام بهذه المهمة، أو من خلال مضامين خطبه السامية ذات الصلة بإصلاح منظومة العدالة، واستقلال السلطة القضائية”.
واسترسل: “إن الاقتناع بالقيام بكل ما تمليه هذه المرحلة التاريخية من جهود لفائدة العدالة المغربية قائم وفي سبيل تحقيق ذلك، فإن العزم لأكيد على العمل معكم وإلى جانبكم لمواصلة تكريس وتوطيد استقلال السلطة القضائية بكل معانيها السامية، حريص في ذلك على ضمان ترسيخ مبدأ التنسيق والتعاون مع كل السلط المعنية، تفعيلا لمضامين دستور المملكة لاسيما في مادته الأولى ومع كل الفاعلين في مجال العدالة خدمة لمصلحة الوطن والمواطن مؤكدا على مواصلة النهج الذي نهجتموه ووضعتم أسسه كآليات لتطوير عمل النيابة العامة ولا غرو أن ما تم تحقيقه خلال ثلاث سنوات ونيف لدليل ساطع على نجاعة ما اعتمدتموه من استراتيجية”.
وزاد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض: “تأكدوا يقينا أنني بحول الله وقوته سأعمل جاهدا على الاستمرار في تفعيل نفس الدينامية والفعالية في تدبير عمل النيابة العامة لدى محكمة النقض، وإدارة رئاسة النيابة العامة، والسعي إلى تسخير كل الطاقات والإمكانات لمواجهة الصعوبات ورفع التحديات، مما سيساهم لا محالة في توطيد مخرجات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة وتعزيز ما تم تحقيقه من مكتسبات، وما مكن من تبوأ عدالتنا مكانة متميزة دوليا، ولا شك أن كل هذه الجهود سوف تقوي البناء المؤسساتي للسلطة القضائية لتكون في مستوى الرهانات والاستحقاقات الكبرى والتي يتبوأ فيها القضاء المغربي دورا محوريا”.
وأشار: “إن مسؤولية تدبير قطاع ما بقدر ما هي تشريف تترجم مستوى الثقة التي يحظى بها من أسندت إليه بقدر ما هي تكليف يطوقه ويسائله على مختلف المستويات، وإنني أؤكد لكم والمناسبة قائمة على أنني سوف أواصل السعي جاهدا للنهوض ما استطعت بمستوى العدالة في بلادنا بتنسيق وتناغم تامين مع مختلف المتدخلين في هذا المجال”.
وأكد الداكي على أن “العزم معقود على تسخير كل الطاقات لبلوغ الغايات والأهداف المتوخاة من عدالة تجسد أمانة ثقيلة لما ترمز إليه من إقامة العدل بين الناس، ولما لذلك من دلالات ذات أبعاد متعددة تنسحب إلى مختلف أوجه الحياة بالمجتمع، قوامها السهر على التطبيق السليم للقانون وضمان سيادته والمساواة أمامه بكل حزم وصرامة وفعالية ونجاعة ونزاهة وتجرد. وضمان حسن تنزيل فعال للسياسة الجنائية، وتكريس مبدأ الحكامة الجيدة، ومن خلاله ربط المسؤولية بالمحاسبة”.
وأردف: “إنني أؤكد لكم أيضا الحرص على حفظ استقلال النيابة العامة وتفعيل دورها في الإسهام إلى جانب باقي مؤسسات الدولة والدفاع عن المصالح العليا للبلاد ومقدساتها، وفي هذا الإطار أعلن التزام أعضاء النيابة العامة بما ورد في ظهير تعييني وكيلا عاما لجلالة الملك لدى محكمة النقض بالدفاع عن الحق العام والذوذ عنه، وحماية النظام العام والعمل على صيانته، متمسكا بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف من أجل تعزيز بناء دولة الحق والقانون، وصيانة حقوق وحريات المواطنات والمواطنين أفرادا وجماعات في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات”.
وأوضح أن “دقة المرحلة التي تجتازها بلادنا والمليئة بانتظارات المجتمع إلى عدالة تكون في مستوى هذه الانتظارات كما عبر عن ذلك جلالة الملك المنصور بالله في خطابه السامي بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 2003، إذ قال حفظه الله ( أما الأهداف المنشودة، فهي توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف، باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق، وعماداً للأمن القضائي، والحكامة الجيدة، ومحفزاً للتنمية، وكذا تأهيله ليواكب التحولات الوطنية والدولية، ويستجيب لمتطلبات عدالة القرن الحادي والعشرين) انتهى النطق الملكي السامي”.
واستحضارا لهذه التوجيهات الملكية السامة، يضيف الداكي: “أؤكد أنني سوف أحرص على أن تكون مؤسسة النيابة العامة مؤسسة منفتحة على محيطها لمواجهة كل التحديات، نيابة عامة مواطنة تستجيب لتطلعات أفراد المجتمع حول العدالة، من حيث أمنه القضائي وانشغالات مواطنيه ومنصتة لتظلماتهم، ونهج استراتيجية ودينامية تؤسسان لمواجهة الجريمة بشتى أنواعها وأصنافها والعمل على تطوير آليات التعاون الدولي في مجال مكافحة الجرائم المنظمة والعابرة للحدود”.
وشدد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، على أنه سيعمل على “أن تسهر النيابة العامة على التفعيل الأمثل لمقتضيات الفصل الأول من الدستور في مجال التعاون والتنسيق مع كل السلط المعنية. بما يضمن انسجام الأداء، كما سأحرص في ذات الوقت على مواصلة علاقات التعاون مع مختلف الفاعلين في المجال لاسيما الهيئة القضائية وعلى رأسها أنتم السيد الرئيس الأول ووزارة العدل وعلى رأسها السيد وزير العدل وهيئة الدفاع والمهن القانونية والقضائية ومصالح الشرطة القضائية وهيئات المجتمع المدني، وذلك إيمانا منا بأن التواصل آلية ومدخل أساسي للعمل المشترك”.
وواصل الداكي: “إيمانا بضرورة المساهمة في تخليق الحياة العامة، فإن النيابة العامة لن ندخر جهدا في ذلك وسنعمل بتنسيق مع باقي الفاعلين على تحقيق هذه الغاية ضمانا لحماية المال العام وتعزيز قيم النزاهة والشفافية”، متابعاً: “كما سأجعل من الاهتمام والعناية اللازمين بحماية الفئات الهشة داخل المجتمع إحدى أهم الأولويات التي ستواصل النيابة العامة تكثيف الجهود بشأنها من خلال تفعيل المقتضيات القانونية والتدابير الحمائية للأطفال والنساء على مختلف المستويات من كل الإعتداءات والانتهاكات التي يمكن أن تطالهم بما يضمن تحقيق الأمن الأسري”.
واسترسل: “وانخراطا في الجهود التي تبذلها بلادنا لتكون في مستوى الرهانات والتحديات الكبرى التي تنتظرنا جميعا على مختلف المستويات، فإنني سأحرص على أن تكون النيابة العامة دعامة أساسية لحفظ النظام العام الاقتصادي وتشجيع الإسثمار والمساهمة في الرفع بالنمو الاقتصادي، وضمان الأمن القانوني والقضائي في هذا المجال لتحقيق التنمية الشاملة”.
ووعيا منا بأهمية تأهيل الموارد البشرية، يتابع رئيس النيابة العامة، “فإن العزم قائم على الانفتاح على تخصصات أخرى حتى تواكب النيابة العامة التحديات التي يفرزها تطور الجريمة، أمام بروز أشكال وأساليب جديدة في ارتكابها، وهو ما سيجعل تعزيز التعاون القضائي الدولي في هذا المجال أحد المداخل الأساسية لمحاربتها، باعتبارها آلية أساسية لكل سياسة جنائية حديثة ترمي إلى مكافحة المظاهر الخطيرة للجريمة التي أصبحت تتخذ أكثر فأكثر أبعادا منظمة عابرة للحدود”.
ونبه الداكي إلى أنه، “مهما صدقت النوايا وانعقد العزم على بذل كل التضحيات فإنه لن يتأتى بلوغ الغايات ولا النتائج المرجوة بالعمل المنفرد، إذ لا محيد عن التعاون والتآزر بين مختلف مكونات العدالة عبر محاكم المملكة، وكافة المنتسبين للعدالة”، موضحاً: “إن يقيني وأملي لوطيد بأني سأجد في كل من أسلفت ذكرهم استجابة سخية ودعما قويا لا تحول دونه الشدائد، حتى يتيسر مواجهة كل التحديات والتحولات التي تلزم القضاء بالفصل يوميا في النوازل والمنازعات ذات الصلة بمختلف المجالات التي تمس كيان المجتمع سياسيا، واقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا وحقوقيا، وتضمن استقرار وأمن وحرية أفراده، ومحاربة كل مظاهر الفساد الإداري والمالي”.
تعليقات الزوار ( 0 )