لانتناول هنا التنظيمات ذات مرجعيات دينية التي عرفت تطورا فكريا، أدى بها إلى قناعتين:
الأولى متمثلة في الإيمان بالديمقراطية وحقوق الإنسان بنسب وجرعات مختلفة، وبتصورات شبه مكتملة.
الثانية براغماتية وقد تجلت في الانخراط عبر الأحزاب في العمل السياسي وملحقاته، المتمثلة في الادرع الاجتماعية والاقتصادية مثل النقابات والجمعيات المهنية وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.
والخلاصة أن هذا النوع من التنظيمات اصبح يؤمن بالعيش ضمن نسق الدولة، وتحت سقف مؤسساتها اجمالا، دون بعض الاختلافات الجزئية هنا أو هناك من العالم الإسلامي.
من هنا ستكون ورقتنا منصبة على التنظيمات التي تقع في منطقة رمادية، لازالت تأسس وتمهد لفكرها عبر ستة أركان تحاول تنزيلها في سلم زمني ، وكلما اشتدت عليها العقبات وعجزت عن تنفيذها لجأت إلى خطاب داخلي بنيته الامتحاص والاختبار واستدعت لذلك نصوصا كثيرة، وخطاب خارجي يتحرك من المظلومية، إلى تأكيد حال الطغيان حسب ادبياتها، ومرجعياتها الفكرية، التي نحتت على مدى قرن من الزمن وزيادة إذا اخدنا فقط بتاريخ نشأة الدولة الحديثة، كتجربة غربية بامتياز، انتقلت الى معظم العالم الإسلامي أثناء احتلال الغرب.
ان الركن الأول في هذا النسق الأيديولوجي يتمثل في فكرة إعادة بناء الخلافة، كمفتاح لإعادة الإسلام إلى المشهد السياسي العالمي، وارتبط في تصورهم ان الإسلام والخلافة متلازمين الوجود، وليس هدف المقال الاستدلال والبرهان على خطأ بل انحراف هذا الركن، ولكن ذلك عمل وسياق آخر، ففط واردنا هذا الركن كأحد ميكانيزمات الاشتغال.
الركن الثاني ويتجلى في إنتاج آليات ووثائق التاطير بمبادئ فكرية قديمة جديدة تسري فيها روح الخوارج من جهة و نفس التشيع من جهة أخرى د، فهي تعتمد التقية في بناء التنظيم، في زمن رقمي اصبح كل شيئ شبه مكشوف، وبروح الحق نحن اهله، و غيرنا متفاوتين في ضلالاتهم، وبالتالي فإن هذه التركيبة الكيميائية تجعلنا أمام نموذج، قطع غياره تاريخية، غير أن بنائه يأخذ من وسائل العصر الكثير. وباختصار يبدأ الاستقطاب الافراد لبناء الإيمان لينتهي البرنامج بالعداء للدولة والمجتمع، وقد تمتد الفكرة الى الاعداد ليوم حمل السلاح. بل قطعت كثير من التنظيمات كل المراحل في خريطة بعض الدول من العالم العربي والإسلامي والتجارب اطول من أن تحصى داخل المقال.
اما الركن الثالث فستكنه فكرة العمل على تاكل الدولة من الداخل، وهو يعتمد خطتين، الاختراق والبحث عن التموقع داخل مفاصل الدولة، وأجهزتها ، وهو أمر كان ولازال صعبا للغاية والسبب بسيط جدا فمن المستحيل العيش بولائين مهما كانت درجة التقية، لكون نظام المؤسسات وخاصة الأمنية والعسكرية يميز ويكتشف هذه المحاولة بسهولة، الأمر الثاني ويقع فيه تحقيق مكتسبات هنا وهناك باستغلال هفوات الدولة في القطاعات الأساسية ذات البعد الاجتماعي كالتعليم والصحة والشغل،
أما الركن الرابع فيتمثل في بناء حزامين اقتصاديين، أحدهما يعتمد الميكرواقتصاد، وقد وقع نجاح كبير فيه، بحيث تتكثل التنظيمات في دعم ومساندة ومساعدة المشاريع الصغرى، الاجتماعية واعتماد “دارت” والتشغيل للطبقة الهشة والفقيرة، بناء على الولاء، ولما لا احيانا المصاهرة والنسب، أما المحاولة الثانية فلم تنجح الا ناذرا كتجربة الخميني حين جعل بازار طهران حاسما في الثورة، وبعض التجارب في الشرق، خاصة دول الخليج مع تجربة وثروة أسامة بن لادن كنموذجةللماكرواقتصاد داخل هذه التنظيمات، إحدى هذه التجارب المكرواقتصادية وبضبط ما انجز في السودان و أفغانستان ضمن مشروع القاعدة من جهة وفي المرحلة الثانية مع طالبان التي تتجه الآن إلى النموذج الذي تحدثنا عنه في بداية الورقة.
يمثل الركن الخامس اخطر الاركان، لكونه يؤسس لتفريق المجتمع على اساس انحراف لتعريف الإيمان، ويتمثل في بناء مجتمع داخل المجتمع، حيث يترتب عن ذلك قائمة من السلوك الذي يستدعي نصوصا من القرآن الكريم والسنة النبوية، تهدف بوعي أو بدون وعي إلى تشطير المجتمع وتفرقته وتمزيق لحمته الإيمانية والإسلامية والإنسانية.
اما المكون السادس فهو صناعة طبقة دينية تسعى لبناء المنافسة داخل الدولة، ليس من حيث القانون ولاكن من حيث المشاعر والوجدان، بهدف سحب البساط من كل عناصر التماسك الاجتماعي ورموزه، سواء بالاتهام في تدين الناس أو نظافة يدهم أو نزاهتهم، وخلق رموز دينية وثقافية بالمقابل كبديل للالتفاف حولها.
أن أحداث كورونا قد خلقت شرطين أساسيين إذا احسن استثمارهما فإن هذه الاركان ستنهد بفعل طبيعي، وهما
1 بناء واستثمار رصيد الثقة بين القيادة والمؤسسات والمجتمع أو المواطنين، هذه العملية ستحاصر جملة من الاركان التي تقوم عليها التنظيمات ذات مرجعيات الدبنية بالوصف الذي حددناه سابقا،
2- بناء مشروع مجتمعي يقوم على عقد اجتماعي يضمن خمس مطالب:
* الحرية والعدالة
* تعليم يربي ويؤهل في المشروع الوطني
* الكرامة والتي تتجلى في حق الصحة والتعليم والشغل
* بناء طبقة وسطى ضامنة للاستقرار الاجتماعي
* تطوير آليات بناء الدولة الحديثة
*أستاذ التعليم العالي بفاس
تعليقات الزوار ( 0 )