قال مركز مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في تقرير حديث له، إنه في العاشر من دجنبر سنة 2020، غرد الرئيس دونالد ترامب حينئذٍ، أنه نظرا لأن “المغرب اعترف بالولايات المتحدة عام 1777، فإنه يجب على الولايات المتحدة رد الجميل بالاعتراف بـ”بالسيَّادة الكاملة للمغرب على صحرائه”.
وأضاف التقرير، أنه تم انتقاد هذا المقايضة الصريحة، التي سمحت لإدارة ترامب بتأمين الإضافة النهائية لـ”اتفاقيات أبراهام”، من طرف جيمس بيكر الثالث، الذي شغل منصب وزير الخارجية الأمريكي، ومبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة، واصفا القرار بأنه “خطوة متهورة مُقنعة في زي دبلوماسية”.
وأوضح التقرير الذي أعده الكاتبان، نولان كوين، الباحث المشارك في برنامج إفريقيا التابع لمجلس العلاقات الخارجية، وفرانشيسكا إريميفا، الباحثة المساعدة في البرنامج ذاته، أن الانتقادات الموجهة لقرار إدارة ترامب تركزت على تخليها المخالف للمعايير، وعن عملية السلام التابعة للأمم المتحدة.
وذكر المصدر ذاته، أن هناك طريقة أخرى للنظر إلى القرار، وهي النظر إليه على أنه كان نتيجة طبيعية لنزاع افتقر إلى وسطاء فعالين وحياديين، مما أوجد فراغًا تتفوق فيه دبلوماسية المعاملات على جهود السلام المتعددة الأطراف.
ويعود الصراع على الصحراء إلى الجهود المبذولة لإنهاء استعمار القارة الأفريقية، وذلك عندما تخلت إسبانيا عن السيطرة على الصحراء في عام 1975 ، ووافقت على نقل المسؤوليات الإدارية إلى المغرب وموريتانيا، وتابع التقرير، أن حربا ثلاثية اندلعت بعد فترة وجيزة بين الدولتين الإفريقيتين وجبهة البوليساريو، وهي منظمة سياسية عسكرية تدعمها الجزائر.
وفي حين ثبت أن التدخل الموريتاني في الحرب لم يدم طويلاً، استمر القتال بين القوات المغربية ومقاتلي البوليساريو حتى تم توقيع وقف إطلاق النار بدعم من الأمم المتحدة في عام 1991، وترك وقف إطلاق النار الوضع السياسي للصحراء في استفتاء تديره بعثة المينورسو التابعة للأمم المتحدة.
وكانت مهمة المينورسو لتنظيم استفتاء مسألة صعبة منذ بدايتها، وسرعان ما أصبحت الخطوة الأولى الأساسية هي تحديد الناخبين المؤهلين، في حين اقترحت البعثة حلولاً تقنية للمأزق، إلا أنها تركت المشكلة السياسية الأساسية دون معالجة: إذ أن كلا الجانبين ملتزمان بتحقيق النصر في استفتاء “الفائز يأخذ كل شيء”
وكان ينبغي أن تكون منظمة الوحدة الأفريقية (OAU) وخليفتها، الاتحاد الأفريقي (AU) في وضع جيد للاضطلاع بدور الوساطة هذا، وفق المصدر ذاته.
ولفت التقرير، إلى أنه في مواجهة الرفض المغربي، قرر عدد متزايد من الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الأفريقية في يونيو 1980، الاعتراف الثنائي بجبهة البوليساريو، التي أسسها القوميون الصحراويون في عام 1976 للدفاع عن مطالباتهم بالسيادة على الصحراء، وسعت إلى قبولها في منظمة الوحدة الأفريقية.
وحذر المغرب من قبول جبهة البوليساريو على أساس أنها لا تشكل “دولة أفريقية مستقلة ذات سيادة” على النحو المحدد في المادة الرابعة من ميثاق تأسيس الهيئة القارية. ومع ذلك، تم قبول الجبهة في عام 1982، وهو ما رد عليه المغرب بسحب عضويته من منظمة الوحدة الأفريقية.
وأوضح التقرير، أن القرار المثير للجدل والمتفجر سياسياً، ولّد تصوراً مغربياً بأن منظمة الوحدة الأفريقية، ثم الاتحاد الأفريقي لاحقاً، ليسا محايدين بما يكفي للمشاركة في المفاوضات، وأن التقلب اللاحق من قبل الاتحاد الأفريقي قلل من قدرة الهيئة القارية على التوسط في نزاع الصحراء.
وبعد غياب دام 33 عاما، عاد المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في عام 2017، وفي عام 2018 حدّ الاتحاد الأفريقي رسميا من دوره في جهود السلام المتعلقة بالصحراء، واختار بدلاً من ذلك دعم عملية الأمم المتحدة وكلاهما مكسب دبلوماسي للمغرب.
وتضخم فشل منظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأفريقي بسبب عدم رغبة مجلس الأمن الدولي في ممارسة الضغط لكسر الجمود الدبلوماسي المستمر، حيث أن جيمس بيكر، الذي اقترب من التوصل إلى قرار بشأن الصحراء في عام 2004 كمبعوث خاص، استقال في نفس العام بسبب الانقسامات داخل مجلس الأمن.
وقال التقرير، إن نمط الإدانة الخطابية لاعتراض المغرب، أدى إلى جانب تأجيل الاستفتاء دون عقاب سياسي، إلى ركود عملية السلام، وأن الجهات الخارجية بدورها، أعطت الأولوية لعلاقاتها الثنائية مع المغرب، أو بشكل أقل مع جبهة البوليساريو على دعم خطة سلام قابلة للتطبيق.
وأضاف المصدر ذاته، أن الولايات المتحدة حافظت، حتى موقف ترامب على ذات المسار، وعلى سياسة غامضة من “الحياد الإيجابي”، ودعم المغرب عسكريا مع الحفاظ على موقف محايد بشأن الوضع السياسي للصحراء.
إن إعطاء الأولوية للعلاقات الثنائية هو في نهاية المطاف ما جعل “الوضع النهائي” للصحراء، مصدر قلق لا يمكن الاستغناء عنه، حيث أمكن للرئيس ترامب استخدامه كورقة مساومة، وبعد كل شيء، لم تكن شراكة أمريكا مع المغرب مشروطة قط بعملية السلام.
ويرى التقرير، أن خرق ترامب للمعايير بشأن قضية الصحراء، كان مدفوعا جزئيا، بالعوامل نفسها التي حفزت دعمه للمطالبات الإسرائيلية بشأن مرتفعات الجولان والقدس، وتأمين الأصوات من مجموعة صغيرة نسبيًا من الناخبين الأمريكيين الذين يعتبر دعم إسرائيل من بين أهم العوامل بالنسبة لهم.
وأبرز المصدر ذاته، أن مصالح هذه المجموعة البعيدة، التي لا علاقة لها تقريبا بالصحراء، يمكن أن يكون لها تأثير على الوضع السياسي للإقليم، وتعمل على التأكيد على خطر الدبلوماسية المنفصلة، كما يجب على الاتحاد الأفريقي، الذي لا يزال وسيطًا غير راغب وغير فعال في المنطقة، أن ينظر إليه على أنه دعوة تحذير.
ويتم تجاهل النزاعات الكامنة الأخرى في القارة والتي تتطلب اتخاذ إجراءات في معظمها، حيث لم يفعل الاتحاد الأفريقي الكثير للجمع بين الصومال وجمهورية أرض الصومال الانفصالية لإجراء محادثات، بزعم أنه لا يريد تشجيع حركات الاستقلال الأخرى في القارة.
ومع ذلك، فإن السماح لإسرائيل ودول الخليج بالتنافس دون رادع على النفوذ ليس نتيجة أفضل، كما سمح الدور الهامشي للاتحاد الأفريقي في المناقشات حول سد النهضة الإثيوبي بتفاقم الخلاف، وأظهرت الجولة الأولى من المفاوضات التي توسط فيها الاتحاد الأفريقي العام الماضي أنها واعدة، لكنها فشلت في وقت لاحق مما أثار دعوات للمشاركة الخارجية.
ووفق التقرير ذاته، فإن التهديد الذي يلوح في الأفق من تغير المناخ الذي يسبب بالفعل صراعًا في غرب إفريقيا ومن المرجح أن يؤدي إلى تفاقم النزاعات الحدودية، فإن ذلك يعني أن الاتحاد الأفريقي بحاجة إلى بناء أطر أقوى للنزاعات العديدة والمتنوعة.
وأشار تقرير المنظمة، إلى أن إنشاء وحدة دعم الوساطة التابعة للاتحاد الأفريقي في عام 2016، يعد أمرا مشجعا، وكذلك الاعتراف بالدور المهم للغاية للجماعات الاقتصادية الإقليمية، والتي أثبت بعضها أنها وسطاء فعالون، لكن بدون اتخاذ موقف أكثر تقدمًا في تشجيع المحادثات في حالات الصراع، فإن الترتيبات المؤسسية الجديدة لن تحدث فرقا كبيرا في بناء مصداقية الاتحاد الأفريقي كوسيط.
حري بالذكر، أن مجلس العلاقات الخارجية ( Council on Foreign Relations) هو منظمة في شكل خلية تفكير مستقلة أمريكية، هدفها تحليل سياسة الولايات المتحدة الخارجية والوضع السياسي العالمي.
وتأسست المنظمة في 1921، وتتكون من أكثر من 000 5 عضو جلهم من طبقة الأعمال، الاقتصاد والسياسة، ومقرها الرئيسي في نيويورك، ولديها مكتب أيضا في واشنطن العاصمة.
يشار إلى أن هذه التقارير، انتشرت في الفترة الأخيرة، بعد تحرك اللوبي الجزائري في الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل ثني الإدارة الجديدة عن مواصلة المسار الذي دخل فيه دونالد ترامب، قبل انتهاء ولايته، وإعادة واشنطن لتبني موقف “الحياد السلبي”، عبر دعم “حل سياسي واقعي وعملي وتوافقي”.
تعليقات الزوار ( 0 )