بعدما انطلقت كأزمة ثنائية بين المغرب وإسبانيا، عقب استضافة الأخيرة لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي، بشكل سري وبهوية مزورة، وهو ما اعتبرته الرباط موقفا عدائياً يناقض الشراكة المميزة التي تربك البلدين، يتجه الخلاف في الوقت الحالي، ليتحول لمشكل كبير بين دول الشمال في أوروبا، ودول الجنوب في إفريقيا والشرق الأوسط.
وحاولت إسبانيا التغطية على خطئها الجسيم بالاتحاد الأوروبي، حيث عملت منذ بداية الأزمة على الزج به في المشكل، معتبرةً بأنها ليست وحدها وأن أوروبا كلها معها، وهو ما تجسد نسبياً، بعد مصادقة برلمان القارة العجوز على قرار يرفض ما أسماه بـ”استعمال المغرب للقاصرية في أزمة الهجرة”، إلى جانب تأكيده على أن سبتة ومليلية المحتلتين تعتبران حدوداً أوروبية.
“أَورَبَة” الأزمة ستؤتي نتائج عكسية
وردّت الخارجية المغربية بصرامة على القرار، حيث اعتبرته تصعيداً سياسيا قصير النظر، وبأنه لن يساهم في الحل، وسيعطي نتائج عكسية، مشددةً على أن “المغرب لا يحتاج إلى أي ضمان في إدارته للهجرة، إذ لم يعد منطق الأستاذ والتلميذ صالحاً، فنهج الأستاذية أصبح متجاوزاً ومنطق العقوبة أو المكافأة لا يمثلان دافعاً لهذا التحرك، وإنما هو الاقتناع بالمسؤولية المشتركة”.
ومن جانبه، أكد وزير الخارجية، ناصر بوريطة، أن أي محاولة لصرف النقاش حول الأزمة مع إسبانيا، ستكون له نتائج عكسية، معتبراً بأن القرار الأخير يندرج في إطار “استغلال المؤسسات الأوروبية والبرلمان الأوروبي على وجه الخصوص في ما يتعلق بقضية ليست من اختصاص البرلمان الأوروبي”.
البرلمان الأوروبي يتجاوز اختصاصاته
وأوضح بوريطة: “إذا كان عنوان القرار يتعلق باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، فالسؤال الأول الذي يطرح نفسه: من الذي أعطى البرلمان الأوروبي التفويض للإشراف على اتفاقيات الأمم المتحدة؟ منذ متى كان البرلمان الأوروبي هو الوصي على تطبيق الدول الأعضاء لاتفاقية أممية؟”.
استمرار أصل المشكل سيبقي الأزمة قائمة
وشدد بوزريطة على أن المغرب “لن ينحرف عن جوهر الموضوع المتمثل في أزمة ثنائية يُعرف أصلها ومرتبطة بموقف وأفعال كانت معادية لقضية مقدسة للمغرب والمغاربة”، مذكّراً بأن استمرار أصل المشكل سيبقي الأزمة قائمة، وأي “محاولة صرف النقاش ستكون بلا جدوى، ولن يكون لها أي تأثير على تصور ومنظور المغرب لهذه الأزمة”.
بدء ظهور النتائج العكسية
النتائج العسكية التي تحدثت عنها الخارجية المغربية، لخطوة الانحراف عن الأزمة الثنائية، لم تتأخر كثيراً، حيث بادرت جامعة الدول العربية إلى إعلان تضامنها المطلق مع المغرب في كل الخطوات التي يتخذها، مطالبةً الاتحاد الأوروبي بالبقاء بعيداً عن خلاف بين دولتين، ومنوهةً في السياق نفسه، بدور الرباط الكبير في محاربة الهجرة غير الشرعية، وهو نفس الموقف الذي أعرب عنه مجلس التعاون الخليجي.
وبدوره، أعلنت البرلمان الإفريقي عن تضامنه المطلق مع المغرب، داعيا نظيره الأوروبي إلى البقاء بعيداً عن الأزمة الثنائية، وعدم الانخراط فيها، لأنها تتعلق ببلدين يمكن تسويتها عبر الوسائل الدبلوماسية، مشدداً على ضرورة اتخاذ أي موقف من شأنه أن يزيد من التوتر، ومطالباً الطرفين بحل الخلاف بشكل ثنائي صرف.
وذكّر البرلمان الإفريقي نظيره الأوروبي، بالاتفاق المنعقد في أبيدجان سنة 2017، والذي تعهد فيه الطرفان على أن “أية مشاكل بين دولتين تدخل في إطار العلاقات الثنائية، وأنه لا يمكن للبرلمانين التدخل إلا إذا ناقش الطرفان هذا المشكل سلفاً”، مبرزاً دور المغرب الرائد في مجال محاربة الهجرة غير الشرعية.
أزمة كبيرة تلوح في الأفق
من جانبه قال علاء عابد، نائب رئيس البرلمان العربي، إن موقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة بين المغرب وإسبانيا يعتبر تدخلا في الشأن الداخلي لكلا البلدين، مشدداً على أن العلاقة بين مدريد والرباط إستراتيجية، ومطالباً أوروبا بعدم التدخل في الشأن الداخلي للمغرب، والإبقاء على الخلاف ثنائيا بين الدولتين فقط.
واعتبر في تصريح لوسائل الإعلام، أن أي تدخل خارجي في الأزمة، سيمنع الحلول الودية والدبلوماسية، وسيحول الخلاف إلى أزمة كبيرة، مضيفاً أن الأزمة بين إسبانيا والمغرب، كان بالإمكان أن يتم حلها بطرق دبلوماسية، لولا محاولة استقواء مدريد بالبرلمان الأوروبي الذي انحاز في بيانه عن الحقائق التاريخية والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وفقه.
سبتة ومليلية مغربيتين
ونبه إلى أن المغرب كان متعاونا صادقا في قضايا الهجرة غير الشرعية، غير أن “استقبال إسبانيا لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية بذريعة العلاج، كان بداية الشرارة والأزمة بين البلدين”، مجدداً التأكيد على “الوقوف مع الوحدة الترابية المغربية دون المساس بأي سيادة للدولة، ومعتبراً بأن سبتة ومليلية، مناطق مغربةي محتلة من قبل إسبانيا”.
وأبرز، من منطلق أن إسبانيا تحتل مدينتين مغربيتين، أن تدخل البرلمان الأوروبي في الخلاف الثنائي، حوله إلى أزمة إقليمية بين دول شمال وجنوب المتوسط، سيما وأن البرلمان الأوروبي، يتابع علاء، “خلط بين الهجرة غير الشرعية وتجاهل الحقائق التاريخية للدور الذي يلعبه المغرب في الملف، وبين حقوق المغرب التاريخية في سبتة ومليلية، ووحدة أراضيه ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله والتصدي لمحاولات الانفصال”.
البرلمان الأوروبي يواصل عنصريته
واسترسل عابد، بأن تضامن البرلمان العربي مع دولة عضو فيه، هو “رسالة لنظيره الأوروبي الذي يتخذ سلسلة من القرارات المعادية للبلدان العربية، مرة تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان، ومرة للانحياز لموقف دول أوروبية دون تقصي الحقائق على الأرض، الأمر الذي يجعل بين التعاون بين البرلمانين صعب في حالة استمرار هذا النهج العنصري”.
تعليقات الزوار ( 0 )