تنبغي الإشارة إلى أن هذا الخطاب الملكي قد فاجأ المتتبعين الذين كانوا ينتظرون أن يتضمن هذا الخطاب الافتتاحي لدورة تشريعية رابعة التطرق إلى قضايا ملحة تهم التشغيل أو تداعيات الغلاء ، أو أزمة الماء، بينما ركز على تطورات ملف الصحراء الذي كان من المنتظر أن يكون بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء التي سيتم الاحتفال بها بعيد أسابيع قليلة.
– سياق الخطاب
تجدر الإشارة في البداية الى سياق الخطاب الملكي الذي تمحور حول تطورات قضية الصحراء حيث أن هذا الخطاب ياتي قبيل الذكرى 49 للمسيرة الخضراء وفي وقت يتم فيه نقاش مستعر داخل اللجنة الرابعة التي يخوض فيها الوفد الدبلوماسي صراعا مع الخصوم للدفاع عن القضية الوطنية دون ان ننسى القرار الاخير لمحكمة العدل الأوربية. ووسط هذا السياق خصص الملك خطابه الافتتاحي البرلمان للتطورات الحاسمة التي عرفتها قضية الصحراء التي انتقلت فيها الدبلوماسية المغربية من مقاربة التدبير إلى مقاربة التغيير والتي كان من نتائجها الإيجابية تبني عدة دول وازنة للموقف المغربي القاءم على مبادرة الحكم الذاتي حيث نوه العاهل المغربي بالموقف الفرنسي الذي شكل دعما حاسما بحكم ان هذه الدولة لا تتمتع بدور وازن وتتوفر على حق الفيتو في مجلس الامن فقط بل ايضا لمعرفتها بخفايا ملف الصحراء واشكالياته مما سيقوى من موقف المغرب سواء في الوقت الراهن أو في المستقبل المنظور . وبالتالي فتركيز العاهل المغربي على الموقف الفرنسي فيه إشارة سياسية تمهد لزيارة الرءيس ماكرون للمملكة التي حددت في نهاية هذا الشهر وفي نفس الوقت إشارة سياسية خفية للنظام الجزاءري ترسخ انتصارا سياسيا للمغرب وذلك بتغيير شامل لفرنسا لموقف التوازن التقليدي التي كانت تنهجه لعدة عقود خلت . وبعد التنويه بالموقف الفرنسي اشاد العاهل المغربي بمواقف دول وازنة اعترفت بمغربية الصحراء كالولايات المتحدة او دول أوروبية ساندت مبادرة الحكم الذاتي وعلى رأسها اسبانيا ودول أوروبية اخرى بالإضافة الدول العربية وبالاخص تلك التي فتحت قنصلياتها بالداخلة أو العيون.
تفعيل الدبلوماسية البرلمانية
يرى العاهل المغربي أنه بعد هذه المكاسب السياسية السالفة الذكر ، ينبغي أن تركز الدبلوماسية المغربية في المستقبل المنظور على اقناع ما تبقى من الدول بوجاهة الموقف المغربي وعدالة قضيته من خلال اللجوء الى كل الحجج القانونية و التاريخية والروحية.من هنا دعا العاهل المغربي إلى ضرورة تعبءة جهود كل الهيئات وعلى رأسها المؤسسة البرلمانية من خلال التنسيق بين المجلسيين وتطعيمهما بالكفاءات الضرورية للدفاع على ملف الصحراء في مختلف المحافل الدولية والاقليمية منوها إلى ضرورة التضامن بين المغاربة للحسم في هذا الملف والانتصار النهاءي في هذه القضية. من هنا ضرورة أن تقوم رئاسة المجلسين بتشاور مع رؤساء الفرق البرلمانية بوضع خطة عمل للسنتين المقبلتين يتم التركيز فيها على الدول المستهدفة والوازنة المتمثلة خاصة في إنجلترا كدولة وازنة تتمتع بحق الفيتو إضافة إلى روسيا كدولة وازنة تتمتع بحق الفيتو من خلال تحريك الفعاليات اليسارية داخل البرلمان لاقناع صناع القرار التشريعي بأهمية المصالح المشتركة بين البلدين وأولوية قضية الصحراء في هذه المصالح . بالإضافة إلى التركيز على بحث قنوات برلمانية مع السويد بوصفها دولة رائدة داخل الدول الاسكندنافية خاصة بعد الاختراق الدبلوماسي الذي تحقق مع كل فلندا و الدانمرك مما يتطلب تدعيم ذلك بلقاءات تتم بين البرلمان و الهيئات التشريعية للبلدين . في حين ينبغي مواصلة اللقاءات على المستوى البرلماني مع دولة جنوب افريقيا خاصة بعدما ظهر أن هناك خلافات داخل الحزب الحاكم بشأن قضية الصحراء عكستها الزيارة الأخيرة التي قام بها أحد المسؤولين الجنوب افريقيين للمملكة . كما ينبغي أن يتم التحرك البرلماني في المحافل الدولية والجهوية والثنائية وفق خطة عمل موحدة يتم فيها التنسيق مع باقي الأجهزة الدبلوماسية الرسمية للحصول على المعلومات الضرورية حول البلد المنظم وطبيعة ومستوى الوفود المشاركة ، مع انتقاء مدروس لطبيعة أعضاء الوفود البرلمانية التي ينبغي أن يكون الانتقاء فيها قائما على المؤهلات الضرورية واتقان اللغة الملائمة وليس بغرض السياحة البرلمانية والحصول على التعويضات. بالاضافة إلى ضرورة قيام هذه الوفود البرلمانية بكتابة تقرير مفصل حول المشاركة والنتائج المتوصل اليها للبناء عليها في المشاركات المقبلة.
وقد خصص العاهل المغربي قسما من خطابه للجهود التنموية التي تبذلها بعض الدول التي تقوم بالاستثمار بالاقاليم الصحراوية كجزء من التراب الوطني وتساهم في تنميتها اقتصاديا في إشارة سياسية على ما يبدو إلى إنجلترا التي لها استثمارات كبرى في هذه المنطقة . فعلى الرغم من عدم اعترافها لحد الان بمغربية الصحراء ، فهذا الاستثمار لبعض الشركات البريطانية يعتبر مكسبا سياسيا في تدعيم تسيير المغرب لاقاليمه الصحراوية خاصة وأن هناك مشروعا تنمويا لهذه الجهات يهم على الخصوص انجاز اكبر ميناء بالقارة الافريقية بالإضافة إلى مشروع الربط الكهرباءي التي تساهم انجلترا في الاستثمار فيه والعمل فيه على تصدير الطاقة إلى أوربا . ولعل هذه الإشارة ايضا فيها رد مبطن على القرار الاخير لمحكمة العدل الاوربية يتضمن التأكيد على مواصلة المغرب للتحكم السيادي في ثروات المنطقة واستثمارها وطنيا وقاريا.
تعليقات الزوار ( 0 )