تصاعدت في الأسابيع الأخيرة حدة الخطاب العدواني الجزائري ضد المغرب، والتي آخرها تصريحات وزير خارجية الجزائر اليوم لقناة روسية، وهو خطاب يسوق عموما لمفاهيم مغلوطة ومؤامرات وهمية، هدفها الأساسي شيطنة المغرب وتصويره على أنه عدو للشعب الجزائري، هذا في الوقت الذي ظلت فيه الجزائر مصدر الشر الأساسي والمؤمرات الحقيقية المشهودة والثابتة ضد بلادنا على امتداد عقود طويلة من الزمن، فهي التي تحتضن مليشيات تنظيم البوليساريو الإنفصالية التي تهدد الأمن القومي للمغرب بشكل مباشر وخطير، وتدربها وتمدها بكل أشكال الدعم المادي والسياسي والعسكري، وكل ذلك أمام أنظار العالم وبشهادة الشاهدين.
وفضلا عن ذلك سبق وأن ساهمت الجزائر في محاولات إشعال ثورة مسلحة بالمغرب سنة 1973 فيما عرف بأحداث مولاي بوعزة، حيث تسلل عدد من المقاتلين إلى المغرب عبر الحدود الجزائرية، وذلك بعد فشل القوميات العربية في إسقاط النظام الملكي بالمغرب عبر المحاولات الإنقلابية في 1971 و1972، هذا غير الأحداث الإرهابية التي ضربت المغرب سنة 1994 والتي تورط فيها فرنسيون من أصل جزائري، ونسبت إلى المخابرات الجزائرية.
ومع هذا كله ظل المغرب دائما لا يصدر منه إلا الخير محافظا على نظافة اليد تجاه الشعب الجزائري، والمصدر الأساسي لدعوات السلام والحكمة وتغليب مصلحة المنطقة والحفاظ على استقرارها، وحمايتها من كيد الكائدين وتربص المتربصين من ضباع العالم والدول التي لا مصلحة لها في قيام أي وحدة في المغرب العربي أو سلام بين الشعبين الشقيقين، والتي تبقى أبرزها دعوة صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2018 الجزائر إلى الحوار المباشر وإنشاء آلية مشتركة لذلك، وتأكيده في خطابه السامي في غشت الماضي، بعد ثلاث سنوات من هذه الدعوة التي لزمت تجاهها الجزائر الصمت، على أن المغرب لا يمكن أبدا أن يكون مصدرا للشر للشعب الجزائري ولن يأتيه منه إلا الخير.
ورغم كل هذا الثبات والرصانة والتشبت بالسلام الذي تميزت به المملكة المغربية، لم يزدد النظام الجزائري إلا وقاحة وسُعارا ضد المغرب ومصالحه، وصلت حد الإفتراء البيِّن وقطع العلاقات وغلق المجال الجوي بين البلدين الجارين، بل وفي تصرف غريب يتميز بالتطرف والتشدد، وينم عن حجم الحقد والعقد المريضة لدى حكامها، أعلنت الجزائر أنها لا تريد أي وساطة بينها وبين المغرب، وهو أمر لا يكون حتى في حالة الحرب، فبقدر ما لا يكف الجنود عن القتال في ميادين المعارك، لا يكف القادة السياسيون والدبلوماسيون عن التباحث والتفاوض وإيجاد الحلول الممكنة والأرضيات المشتركة للتفاهم.
وفي هذا السياق فإن إصرار المغرب على تحقيق السلام بين الشعبين الشقيقين، ليس معناه كما قد يذهب البعض إلى ذلك، الضعف والخوف من الجزائر أو اعتبارها طرفا أقوى، بل المغرب ينطلق من واقعية أن التعاون الدولي والسلام هو الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، والضمانة الأساسية لشعبيهما بالنماء والرفاه والتقدم والإزدهار، وليس الحرب والدمار والصراعات التي تعطل المشاريع التنموية والإصلاحية، وتبذر فيها الأموال الباهضة من ثروات الشعوب التي تصبح عرضة للقتل والتشرد والضياع، كما أن السلام والتعاون سيفتح الطريق أمام الكثير من الفرص للدولتين معا وفق مبدأ رابح رابح، وفضلا عن ذلك فإن أمن الجزائر هو من أمن المغرب، فالمغرب لن يكون سعيدا إذا دمرت الجزائر وأصبحت الجماعات المسلحة الخطيرة تصول وتجول على حدودنا مباشرة.
أمام كل هذا، وحسن النوايا المعبر عنها مباشرة من قبل أعلى السلطات في المغرب، كان الوضع الطبيعي أن تتفاعل الجزائر بشكل إيجابي مع دعوات السلام، هذا طبعا لو كان فيها نظام حريص على مصالح شعبه وأمن دولته، لكن جنرالات الجزائر الذي يبدوا أنهم يعيشون بمعزل عن التطورات الجارية في العالم، ناهلين من السرديات التي أكل عليها الدهر وشرب، وأمام فقدان شرعيتهم في الحكم وانفضاحهم أمام الشعب الجزائري الذي يتوق إلى التغيير والإنعتاق من القبضة الحديدية لحكام قصر المرداية، وأمام كل الإضطرابات والمشاكل الداخلية التي تعصف بالداخل الجزائري، وفي ظل الوضع الإقليمي المتسم باندحار معسكر القوميات العربية الإشتراكية على حساب قوة واستقرار نادي الملكيات العربية، فقد فضلوا الهروب الأمام والنفخ في بالونة العدو المغربي تصريفا لأزماتهم الداخلية التي تهدد وجودهم، والتظاهر بالقوة أمام حقيقة ضعفهم الشديد ووضعهم الحرج.
في هذا السياق لا يأتي السُّعار الجزائري ضد بلادنا في إطار تصريف الأزمات الداخلية وحسب، بل هو تعبير واضح عن انتصارات المغرب وقوته على حساب الجزائر التي تعتبر نفسها منافسا له، فهذا السُّعار يأتي في إطار الإنزعاج الشديد والتخوف الرهيب الذي بات يسيطر على نواة السلطة العسكرية في الجزائر، أمام إستقرار المغرب وتنامي قوته ونفوذه في المنطقة، وخاصة الإنتصارات الكبيرة المتعلقة بقضية الصحراء المتوجة بالإعتراف الأمريكي، وتقلص الإعترافات بالكيان الوهمي، وعملية الكركرات الناجحة السنة الماضية، ومكانة المغرب وقوته في إفريقيا، والتي ستمكنه مع الوقت من طرد تنظيم البوليساريو من منظمة الإتحاد الإفريقي، ونزع أي شرعية عن هذا الكيان الوهمي الإنفصالي، والأداة الأساسية لكبح نمو المغرب وعدم الإستقرار في المنطقة، والذي يعتبر من مخلفات الحرب الباردة في عهد الاتحاد السوفياتي.
وهنا لابد من الإشارة، إلى أن قوة المغرب وانتصاراته على هذا الصعيد، هي نتاج عمل متين عبر سنوات طويلة، ورؤية استراتيجية واضحة تغلب منطق الربح المشترك والتعاون والسلام على منطق التخاصم والصراع، وهو أيضا بفضل الحلفاء الأقوياء لبلادنا، وأصدقائها الأوفياء، وعلى رأسهم الأشقاء في الخليج العربي، وخاصة الممكلة العربية السعودية والتي كان لها موقف قوي دفاعا عن مصالح المغرب أمام اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، والذي هو معروف لا يسع المغرب بجميع مكوناته ملكا وشعبا، إلا تثمينه عاليا، والدعم الدائم والقوي لمصالح الأشقاء العرب في الشرق الأوسط، وخاصة تجاه الخطر الإيراني الداهم الذي يعصف بالمنطقة.
باحث في مختبر الدراسات السياسية والقانون العام بفاس
تعليقات الزوار ( 0 )