شارك المقال
  • تم النسخ

الخبرة والخبراء في المؤسسات الدولية بين المعرفة النظرية والأبحاث الميدانية

نوقشت أمس أطروحة في علم الاجتماع تقدم بها الطالب نورالدين لشكر لنيل شهادة الدكتوراه بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، تحت عنوان “الخبرة والخبراء في المؤسسات الدولية، بين المعرفة النظرية والأبحاث الميدانية:قراءة في بعض آليات إنتاج الخبرة للبنك الدولي بالمغرب” أمام لجنة مكونة من الأساتذة: عبدالغني شفيق مشرفا جامعة بن طفيل، وعبدالهادي أعراب رئيسا جامعة شعيب الدكالي، وجمال فزة جامعة محمد الخامس، وعبدالهادي حلحولي جامعة المولى سليمان، وكذلك إبراهيم حمداوي جامعة بن طفيل، وعبد الله أبو إياد من المعهد الملكي لتكوين الأطر

ومن خلال السؤال الأساسي لهذه الأطروحة والذي غايته تحديد آليات إنتاج الخبرة التي يقدمها البنك الدولي للمغرب، تم التأكيد على أن الخبير رغم كونه “ابن” للجامعة، إلا أن سياقات تشكل الخبرة تختلف عن سياقات نشأة الجامعة، إذ ترتبط بظهور الدولة الحديثة والمؤسسات الدولية. فالخبير ينقل المعرفة النظرية إلى الميدان ويتجاوز طابع التقنوية. لأن الخبرة كتقنية خطة للسيطرة المعقلنة على المجتمع، ولا تخرج عن الحسابات السياسية والإيديولوجية للجهة الراعية لها. وبها تُسيِّسُ الخبرةُ العلمَ، وتجعل العالم قابلا للإدارة. وبالرغم من أن الخبرة الممولة من طرف المؤسسات غير مستقلة، لكن يمكن أن تكون موضوعية ونزيهة ومحايدة. لذلك يمثل الخبير وسيطا بين العلم والسلطة، يفيد السياسي في تبرير اختياراته ويفيد العالم في بمعرفته الميدانية مرغوب فيها بين الطلبة والباحثين، بدل بقائه في برجه العاجي ومندرجا في دائرة “المهنيين المعرفيين”. وأما معيار الخبرة فله مجموع معاملات تتراكم وليس الزمن إلا واحدا منها.

   وباعتبار البنك الدولي مؤسسة راعية للخبرةتم التأكيد على أن الخلفيات الإديولوجية والمعرفية لهذه المؤسسة اقتصادية ليبرالية، إلا أنها تخضع لمنطق الصراع الفكري والمعرفي بين خبرائها الاقتصاديين وعلماء الاجتماع والأنثروبولوجيين. وبالرغم من أن خبرة البنك متقدمة في المغرب غير أن نتائجها ليست إيجابية على مستوى تحقيق التنمية. كما أن الانتقال من المقاربات الاقتصادية أثناء إنجاز الخبرة إلى المقاربات السوسيوأنثروبولوجية، سيصطدم بصعوبات إجرائية تجعلها لا تلتزم كليا بقواعد البحث الأكاديمي.

وبالتالي، فرغم القيمة العلمية والتقنية والمؤسساتية لخبرة البنك الدولي بالمغرب، إلا أن خلفياتها الليبرالية الربحية، وبعض المشكلات في الميدان، تجعل من التنمية لا تتحقق إلا من خلال خبرة مواطنة ومجموع معاملاتها يتجاوز البعد الزمني.

انتهت هاته الاطروحة إلى مجموعة توصيات وهي لخمس جهات يعنيها موضوع الخبرة بشكل مباشر:

المؤسسات الراعية للخبرة كالبنك الدولي: تعترض خبرة هاته المؤسسات مشكلات ميدانية تستدعي فتح نقاش علمي وتقني لإنجاح عملية إدماج المقاربات السوسيوأنثروبولوجية ميدانيا قبل إنجاز التقارير، وكذا استحضار البعد الإنساني والأخلاقي أثناء التفاعل مع المجتمع المبحوث.

المؤسسات الوطنية: لا يمكن أن تصبح المؤسسات قاطرة للمجتمع نحو التنمية إلا بخبرة مواطنة وممأسسة ومبدعة ومواكبة لمستجدات العلم والتقنية وليست مقلدة. فالنموذج التنموي يرسمه أبناء الوطن ولا يتحقق بالخبرة الخارجية أو باستيراد النماذج الجاهزة. فمن يبيع النموذج يحقق من خلاله النفوذ الخبراتي.

الخبرة والخبراء: الخبرة لها معايير ومجموع معاملات، تختلف قواعدها حسب طبيعة كل مؤسسة، وبالتالي ينبغي إعادة النظر في شروط انتقاء الخبراء في المؤسسات الوطنية. ولابد من إخراج القانون المنظم لعمل الخبراء ولمراكز الخبرة إلى الوجود لسحب بساط الشرعية عن الخبراء الأدعياء وذوي الخبرة الهشة.

الجامعة: لا ينبغي الاكتفاء بإصدار أحكام القيمة حول مفهوم تأخرنا كثيرا في التفاعل معه باعتباره من مفاهيم الموجة الثالثة للعلوم، ويمكن أن يمثل تحديا “للمهنيين المعرفيين”. كما أن السوسيولوجيا لا يمكن أن تقوي موقعها المؤسسي إلا عن طريق تطوير قدراتها على مستوى الخبرة، وتغذية الباحثين لمعرفتهم انطلاقا من الميدان الذي تيسره الخبرات. كما يدعو هذا البحث إلى خلق تكوينات في الخبرة تتجاوز التأطير النظري، لأن هناك حاجة مجتمعية لهذا النوع من التدخل، وفي غياب هذا التكوين الأكاديمي يفتح الباب على مصراعيه للأدعياء.

الإعلام: ينبغي التوقف عن توزيع صفة الخبير بسخاء على أدعياء الخبرة، فهذه الأخيرة لها مجموع معاملات، والمدة الزمنية التي يمضيها باحث أو مهتم بموضوع ما، لا تعكس كفاءته كخبير بل يمكن أن تكون على حساب الخبرة ذاتها.

وبعد مناقشة دامت أكثر من ثلاث ساعات منحت اللجنة العلمية ميزة مشرف جدا لهاته الاطروحة مع توصية بالنشر.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي