تشكل رحلة شارل دوفوكو Charles de foucauld إلى المغرب في نظر الباحثين فارقا بين ما سبقها وما لحقها، نظرا للجهد الكبير الذي بدله هذا الرحالة العسكري في وصف المغرب بشكل دقيق وبتفاصيل غاية في التنظيم، فاعتبرت رحلته استكشافية للمجال المغربي طبيعة وسكنا وسكانا وقبائل وعادات…، تجاوز ذلك إلى الوصف الممتع للباس والنساء والحلاقة والأكل وغيرها من أنشطة حياتية، بعين تنبته إلى البسيط من الأمور، وبذاكرة قوية وقدرة على التسجيل رهيبة.
وسنعرض في هذه الرحلة إلى بعض ما رصده الرحالة الذي كان موضوع العشرات من الدراسات الأجنبية والمغربية، نظرا لغزارة ما قدمه من معطيات عن المغرب في رحلته التي قارب العام وتمت فيما بين 20 يونيو 1883 و23 ماي 1884. حملت الرحلة إسم Reconnaissance au Maroc(1883-1884) ترجمها الأستاذ المختار بلعربي إلى ” التعرف على المغرب”، ويفضل آخرون عنوان “استكشاف المغرب”.
وهي من جزئين يهمنا منها الجزء الأول في هذا العرض، الذي يقدم بعض أهم مظاهر حياة المغاربة في ثمانينيات القرن التاسع عشر (حكم السلطان مولاي الحسن الأول).
وتعرض المؤلف لتفاصيل دقيقة في جغرافية المغرب وعادات السكان ونوعية السكن وإمكانات القبائل القتالية…
سنحاول أن نعرض لبعض عادات المغاربة في هذه الفترة في اللباس ووصف المرأة المغربية في بعض المناطق.
لون البلغة يحدد الانتماء الديني..
ويتكون اللباس المغربي عموما من ملابس داخلية من القطن، أما الرداء الأساسي فهو إما كسوة من قماش صوف مطرز على الطريقة الجزائرية وإما قفطان طويل من الجوخ. أو في أكثر الأحيان “الفراجية” وهي قفطان مصنوع من النسيج المحبك أبيض اللون مخاط فوق الخصر يشبه “الكندورة” ويعقد في اتجاه العنق بمجموعة صدف من حرير.
وتوضع على الرأس عمامة واسعة من نسيج ناعم جدا من القطن الأبيض. أما الجوارب فلا تلبس أبدا. وإنما تستعمل البلاغي فقط التي يعد لونها هاما جدا. فاللون الأصفر مخصص للمسلمين والأحمر للنساء والأسود لليهود. هذا ينطبق على المدن والبوادي المغربية على حد سواء. سكان المدن لا يلبسون البرنس إلا عند اشتداد البرد. أما التجار فيعوضون البزة الجزائرية المكونة من القفطان والفرجية بالجلباب المصنوع من الصوف أو القماش الأزرق الداكن.
وعموما فمن تطوان إلى فاس الزي موحد. وإذا كان الزي لا يتغير في الحواضر فإن العكس يحدث تماما في البوادي.
ففي أولاد زمور (من أعمال مكناس) نجد أن لباس الرجال الأغنياء ليس فيه لا قميص ولا سروال، وإنما فقط فرجية عادية عليها برنس، يضعون فوق رؤوسهم عمامة من قطن أبيض أو زيفا أبيض وأحمر. أما الفقراء فمالهم إلا البرنس، رؤوسهم عارية، يظهرون عراة عندما يمشون بعد أن يطوون السلهام ويضعونه فوق رؤوسهم.
ويتكون لباس النساء من مجرد قطعة ثوب مستطيلة، من القطن وفي الغالب من الصوف، تجمع طرفيها خياطة رأسية.
ويختلف هذا اللباس تماما إذا توجهنا إلى جنوب المغرب، فمثلا في منطقة “تيسنت” وهي إحدى الواحات الكبرى بصحراء المغرب، المكان الوحيد الذي يحمل فيه الحرطاني لقب “شيخ”، وحيت تسود اللغة الأمازيغية، وتعد الرواية الشفوية حافظة للعادات والقوانين، في هذه المنطقة يختلف اللباس تماما فبدل القميص تلبس قشابية من قطن أزرق “الخنت” إنها قطعة ثوب طولها 2/2,5م وعرضها 1/1,5م، يوجد بها شق طولي يمر عبره الرأس… لاخياطة بالثوب.
ويكتفي بعقد زوايا أطراف الثوب بعضه ببعض في اتجاه أسفل قامة لابسها، يمينا وشمالا ويبقى الجانب عاريا. في أغلب الأحيان لايملك الفرد إلا واحدة، وعند بعض الأغنياء إثنثان. يحاط الرأس أحيانا بعمامة من خنت، وفي أغلب الأحيان يبقى عاريا.
وتلبس بلاغي صفراء. يملك الأغنياء فقط السروال القصير، يلبسونه في القصر (نمط سكني في الواحات)، وإذا أرادوا الحركة خارجه خلعوه حتى لايعيقهم، ويلوونه على الرأس دعما للعمامة.
وتتشابه طريقة ارتداء الملابس، في هذا المجال الصحرواي، بين نساء الحراطين والشلوح والرحل. وهي عموما تشبه ما عليه في باقي جهات المغرب: قطعة قماش وحيدة معقودة على الكتفين ومقبوضة عند الحزام. الثوب من خنت بدل أن يكون من قطن أبيض أو من صوف كما في المناطق الأخرى. البلغة في أرجلهن حمراء اللون.
الحرطانيات جميلات ونساء الرحل أجمل
ويرى دوفوكو أن في منطقة تيسنت الصحراوية، تتمتع الشلحات بقدر من الجمال، لكن الجميلات قليلات العدد، على عكس الحرطانيات “فعدد كبير منهن جميلات”. تمتاز هؤلاء، حسب معايناته، “في شبابهن بعيون كبيرة كثيرة الحركة والتعبير وببشرة متفتحة وباسمة وحركات مرنة ولطيفة”. لكن الأكثر جمالا، والكلام له دائما، هن نساء الرحل إذ يعترف قائلا “لم أر نماذج نساء أجمل إلا بينهن”. يضاف إلى هذا “النبل والانسجام والملاحة وبياض جلد الوجه والأدرع”. هذا البياض الشديد نجده أيضا بين أهل فاس المسلمين، وهم ذوو جمال كبير، إذ يقضون وقتا كبيرا في الحمام. ويتمتعون بالنظافة التي تميز مسلمي الحواضر.
الشاي المشروب الرسمي للمغاربة والقهوة تستهلك قليلا في المدن فقط
إذا كان الزوار يقدم لهم عند استقبالهم في الجنوب المغربي سلة من التمر، فإنهم إذا كانوا من ذوي جاه وكانت الأسرة المستقبلة غنية يقدم لهم في الصباح سلة تمر مع العسل بدل الحسو. ولكن يبقى الكسكس هو أهم وجبة غدائية للمغاربة. في حين يشكل الشاي المشروب الوحيد خاصة في البوادي، أما شرب القهوة فمجهول وقليل في المدن وينحصر في مراكش وفاس والمراسي. أما في الصحراء فـ”يصبح شرب الشاي وليمة مكلفة يمنحها لأنفسهم القياد والشيوخ والمرابطون واليهود”.
المرجع:
شارل دوفوكو، التعرف على المغرب 1883-1884، ترجمة المختار بلعربي، دار الثقافة، ط1، 1999.
*كاتب صحافي
تعليقات الزوار ( 0 )