Share
  • Link copied

الحكومة.. “بْغَاتْ اَتْكَحّلْهَا عْمَاتْهَا”

• كورونا أصبحت مشجبا يُعلَّقُ عليه كل مشكل اجتماعي وفشل سياسي.
• مؤسسات الجالية تتحدث في كل شاذة وفاذة إلا مشاكل الجالية!
• المد والجزر الدبلوماسي مع الجارة الشمالية على حساب مصالح الشعب الحقيقية.

الصيف على الأبواب.. الملايين من مغاربة أوروبا والعالم انتظروا منذ شهور طويلة فتح الحدود لزيارة الأقارب وتسوية أمورهم الإدارية والتجارية. ظلت الحكومة في صمت مطبق، وكأن الأمر لا يهمها على الإطلاق، وكأنها لا شأن لها بمغاربة الخارج ومشاكلهم ومعاناتهم. وعندما خرجت بالبلاغ الأخير خلقت وأضافت أزمة جديدة إلى الأزمات السابقة، وعقّدت الأمور أيما تعقيد، يا ليتها لم تصدر هذا البلاغ الملغز؛ يا ليتها بقيت صامتة! وأنا أقرأ نص البلاغ خطر ببالي المثل الشعبي: “بْغَى يْكَحّلْهَا عْمَاهَا”، وهو أقل ما يمكن أن يوصف به الموقف الحكومي الأخير.

إن هذا ليس غريبا كما علّمتنا تجارب الماضي مع الحكومات السابقة، وهذا ما ينطبق أيضا على الحكومة الحالية، حيث إذا عدنا وراجعنا مواقفها تجاه مغاربة أوروبا والعالم منذ بداية أزمة كورونا، سوف نعرف السبب فيبطل العجب! تُرك مغاربة الخارج لمصيرهم المجهول، في الوقت الذي كانوا فيه في أمس الحاجة إلى من يواسيهم ويزرع الاطمئنان في نفوسهم، وتمّ تعليق عشرات الآلاف من المواطنين سواء في الداخل أو في الخارج دون رحمة ولا شفقة، بل وحتى حُرمة الموتى لم تُحترم، فمنهم من تركت جثامينهم تتحلل في المستودعات، ومنهم من دفن في أرض الغربة في انتهاك سافر لما هو قانوني وأخلاقي وديني، بينما تركت معظم البلدان، ومنها الأفريقية الفقيرة، أجواءها مفتوحة لنقل الأموات.

تقبّل مغاربة أوروبا تبريرات الحكومة ولو على مضض، وآثروا مصلحة الوطن فوق كل شيء في زمن الجائحة، لكن أثناء الصيف الماضي بدأت الألاعيب تنكشف وسوء التدبير والإهمال والتهميش يطال قضايا مغاربة أوروبا والخارج، عندما حُرموا السنة الماضية من زيارة ذويهم وتسوية أمورهم في الوطن، جراء الغموض الدبلوماسي في التعاطي مع الجارة الشمالية، واعتماد حلول ترقيعية لاستقبال المغاربة عبر مناءين بعيدين (سيت وجنوة) عن بلدان أوروبا الغربية التي يستقر فيها أكبر عدد من المغاربة، الذين اعتادوا منذ عقود طويلة العبور عبر الموانيء الإسبانية المتنوعة والسلسة والمعقولة الثمن. ما زاد الطين بلة، هو الغموض الذي ساد آنذاك مواقف الحكومة ومؤسسات الهجرة كما العادة، فلم يعرف مغاربة أوروبا ماذا يصنعون؛ منهم من قطع الألفي كيلومترا نحو الموانيء الإسبانية، فظل هنالك عالقا ينتظر الذي يأتي ولم يأت، وهناك من صار ضحية وكالات الأسفار سواء في الداخل أو الخارج، وهلم جرا. كل من زار الوطن السنة الماضية (وهي قلة قليلة) يسرد لك قصته المؤلمة والمأساوية التي لا تخلو من المعاناة والضياع والغياب المطلق للجهات المعنية بمغاربة الخارج، سواء الرسمية أو الحكومية أو السياسية أو غيرها.

كان على المغرب أن يحافظ على المنافذ البحرية الإسبانية مفتوحة من أجل “مواطنيه المقيمين في أوروبا” دون خلط الأوراق السياسية والدبلوماسية بعضها ببعض على حساب الشعب ومصالحه الحقيقية. لو أن المعنيين بالأمر تعاطوا مع هذه المشكلة في إبانها بحنكة وذكاء وتعاون لنجحوا بشكل أو بآخر في التفاهم مع إسبانيا على الأقل على تمكين مغاربة أوروبا من استعمال موانئها، وكان من المتوقع أن يتعامل الإسبان مع هذه المسألة بنوع من الليونة لأهميتها الاقتصادية والسياحية من جهة، ولكون أكثر من نصف مغاربة أوروبا أوروبيين بالجنسية والولادة من جهة ثانية، ما يمنحهم حق التنقل عبر بلدان الاتحاد الأوروبي، ومنها إسبانيا، بلا قيود.

لا أعرف كيف تروج الحكومة الآن لعملية “مرحبا 2021″، في الوقت الذي سوف يُحرم فيه معظم مغاربة أوروبا للمرة الثانية على التوالي من زيارة أهاليهم، وحتى الذين عقدوا العزم على زيارة الوطن لصلة الرحم مع ذويهم خصوصا المرضى أو لتسوية بعض الأمور الإدارية المهمة، أصبحوا الآن أكثر تخوفا بعد صدور البيان الحكومي الذي جعل الأمور أكثر تعقيدا وإبهاما واستغلاقا. كان على المسؤولين مواجهة المغاربة بالحقيقة، وتوضيح أن عملية مرحبا سوف تعلق هذه السنة بسبب الأزمة السياسية مع إسبانيا، وأن التنقل عبر المطارات (العربية والخطوط الملكية فقط!) وفرنسا (سيت ومارسيليا) وإيطاليا (جنوة) سوف يغطي نسبة ضئيلة من العملية التي قد لا تتجاوز 20% بالمقارنة مع السابق، ليس بسبب أزمة كورونا كما يروج دوما، حتى أصبحت بمثابة ذلك المشجب الذي يعلق عليه كل مشكل اجتماعي أو فشل سياسي، بل بسبب الأزمة السياسية مع إسبانيا بالدرجة الأولى، وهذا ما نفتقده في بيان الحكومة!

ثم إنه لابد من الإشارة إلى أن مغاربة أوروبا يستغربون أيضا أمرا آخر، وهو أن المؤسسات المعنية بمغاربة أوروبا (الوزارة المعنية، المجالس، المؤسسات، السفارات والقنصليات، الجمعيات والمنظمات الممولة…) لم تتعاط مع هذه الإشكالية كما كان يجب عليها، سواء من خلال المتابعة الإعلامية أمام تدفق المعلومات المزيفة عبر مواقع اليوتيوب التجارية والشبكات الاجتماعية، أو من خلال توضيح آخر الإجراءات والقوانين للمواطنين العاديين باللغة التي يفهمونها، لا عقد ندوات ومؤتمرات غارقة في التجريد والتفلسف بعيدا عن واقع الجالية ومعاناتها، ولا تتابعها إلا حفنة من النخبة التي لا تتعدى بضعة آلاف، بينما مغاربة الخارج يعدون بالملايين! أو من خلال الطمأنة وزرع الأمل والتفاؤل، لاسيما في ظروف الجائحة العصيبة التي أودت بمئات مغاربة العالم، وأصابت عشرات الآلاف، وفقد جراءها العديد من العمال والتجار المغاربة موارد رزقهم، كان من الأجدى والأولى أن يساهم كل مسؤول من خلال مؤسسته في تقديم الدعم النفسي، وهذا أضعف الإيمان، لأنه لا يتطلب ميزانيات مالية ولا يقتضي مشاريع سوسيولوجية أو إبستيمولوجية أو استراتيجية أو أكاديمية، أو من خلال التشاور الجاد مع الحكومة والبرلمان، لا الاكتفاء بالتصريحات والفقاعات الإعلامية.

في الختام، وباختصار تام، لم يعد مغاربة أوروبا يُعوّلون على الحكومة الحالية بعد سلسلة من المواقف السلبية (أزمة كورونا، منع نقل الجثامين، تعليق المغاربة في الداخل والخارج، اتفاقية التبادل الآلي للمعلومات، استثناء الموانيء الإسبانية من عملية مرحبا…)، لكن يتساءلون باستغراب وحسرة كما العادة: لماذا تتحدث مؤسسات مغاربة العالم في كل صغيرة وكبيرة وتناقش كل شاذة وفاذة، لكن عندما يتعلق الأمر بحقوق مغاربة الخارج ومشاكلهم فلا يُسمع لها رِكْزًا، رغم أنها في الأصل أُسِّست لهذا الهدف؟!

Share
  • Link copied
المقال التالي