Share
  • Link copied

الحضور النسوي بالمغرب بين التمثيلية الوطنية والمسؤولية المحلية

     حظيت الاستقالة التي قدمتها رئيسة المجلس الجماعي لمدينة الربا ط أسماء أغلالو، إلى والي جهة الرباط-سلا- القنيطرة عامل عمالة الرباط ليست فقط باهتمام ساكنة العاصمة بل باهتمام مختلف المتتبعين للشأن السياسي بالمملكة . إذ أن هذه الاستقالة عبرت عن الشد والجذب الذي يعرفه تصاعد التحرك النسائي في مختلف مجالات المشهد السياسي بالمغرب وبالأخص ارتفاع مستوى التمثيلية النسائية البرلمانية وضعف اختراقها  للمسؤولية المحلية.

  • تزايد الحضور النسائي بالمنظومة البرلمانية

    عرف الحضور النسائي تحت قبة البرلمان ارتفاعا ملفتا عكسه التطور المطرد لحضور النساء داخل البرلمان: حيث انتقل هذا العدد من نائبتين برسم الولاية التشريعية الخامسة 1993-1997 إلى 96 نائبة برلمانية برسم الولاية التشريعية الحالية 2021-2026. في الوقت الذي لم تحتضن قبة البرلمان خلال ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي أي عضو نسوي. وبالتالي ، فيمكن أن يعزى توسع هذه التمثيلية النسائية بالبرلمان إلى إرادة سياسية تمثلت في الانتقال من اعتماد اللوائح الوطنية المخصصة للنساء والشباب إلى اعتماد لوائح جهوية يمكن أن تضم كليهما في لائحة واحدة. وكذا إلى مساهمة بعض الأحزاب في هذه الدينامية وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية . إذ بعدما ارتفعت نسبة النساء داخل البرلمان من 10 في المائة في انتخابات 2002 و2007، أفرزت نتائج الانتخابات التشريعية الموالية عن دخول 18 امرأة من الحزب للبرلمان، يُضاف إليهن نساء برلمانيات من حزب الاستقلال ونائبة عن حزب الاتحاد الدستوري. حيث كان لافتا خلال جلسة مجلس النواب في الولاية التشريعية 2012 -2016الحضور الطاغي لنائبات مُحجبات، منهن وجوه تدخل قُبَّةَ البرلمان لأول مرة، خاصة اللواتي ينتسبن إلى حزب العدالة والتنمية. فقد حصل هذا الحزب ذو المرجعية الدينية على أكثر من مليون صوت نسائي خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في الخامس والعشرين من نوفمبر2011 .حيث  اشتهرت نساؤه البرلمانيات خصوصا بالعمل الجاد والدؤوب، وبالمواظبة في الحضور إلى جلسات البرلمان حين كان هذا الحزب ينتمي إلى صفوف المعارضة .

لكن بالإضافة إلى ذلك ، فقد كانت هناك إرادة ملكية واضحة وراء أحد أهم المكتسبات التي حققتها المملكة في مجال ترسيخ الحقوق الإنسانية للمرأة ومشاركتها السياسية والتعبير عن دخول المملكة لمرحلة جديدة من خلال التمكين السياسي للمرأة المغربية. وقد تجسدت هذه الإرادة الملكية مع توالي الولايات التشريعية بتخصيص ثلثي الترشيحات للنساء في اللوائح، مع اشتراط تخصيص المرتبتين الأولى والثانية في كل لائحة حصريا للنساء. فمنذ انتخابات 2002 ، اعتمد المغرب نظام اللائحة الوطنية المخصصة للنساء، وحدد لها 30 مقعداً من أجل ضمان تمثيلية النساء. وفي انتخابات 2011 تم رفع العدد المخصص للائحة النساء من 30 إلى 60 مقعداً، مما رفع عدد النساء في المجلس النيابي. وفي اقتراع 8 سبتمبر 2011 جرى رفع الحصة المخصصة للنساء إلى 90 مقعداً، ينتخبن على أساس لوائح جهوية. وانتقل عدد النساء في مجلس النواب من 81 امرأة في مجلس النواب السابق إلى 95 في الاقتراع الأخير، منهن نساء فزن في دوائر محلية، من أصل 395 مجموع أعضاء المجلس. وهكذا انتقلت تمثيلية النساء من 20.5 في المائة في مجلس النواب السابق (2016 – 2021)، إلى 24.3 في المجلس الجديد الذي أفرزته الانتخابات التشريعية 2021-2026. ولعل هذا ما دفع برئيس مجلس النواب رشيد الطالبي  العلمي ، بمناسبة اختتام الندوة الوطنية المنظمة بمناسبة الذكرى الستينية لإحداث برلمان المملكة المغربية ، إلى التعبير عن سعادته بتكريم أول نائبتين برلمانيتين في برلمان المملكة المغربية “لطيفة بناني سميرس” و”بديعة الصقلي”، مشيدا بمساهمتهما في تطوير العمل البرلماني وتعزيز الحضور النسائي في المؤسسة التشريعية.

-الاختراق النسائي للتسيير المحلي

على الرغم من الترشح النسوي للانتخابات المحلية و الحضور اللافت للنساء في نتائج الانتخابات المحلية ، إلا أن تشكيل المكاتب المسيرة للجماعات الترابية  عادة ما لا يحترم ما تم التنصيص عليه من نسبة تخصص للمرأة المغربية. فقد عرفت المجالس الجماعية في العديد من جهات وأقاليم المملكة غيابا واضحا للمرأة داخل تركيبة المكاتب المسيرة للشأن المحلي لا سيما ببعض الجماعات القروية. ولعل هذا ما أشار إليه أحمد درداري، أستاذ السياسات العامة بجامعة عبد المالك السعدي الكلية متعددة التخصصات تطوان ورئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات،  بأنه على الرغم من النصوص القانونية التي تفرض نسبة عشرين في المائة من أعضاء المجالس، فإن التمثيلية النسائية داخل مكاتب المجالس الترابية أبانت عن هيمنة ذكورية”. واضحة. فتشكيلة مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة التي تتكون من 11 عضوا من بينهم فقط ثلاث نساء ولا تحتل أي منهن المراتب الأولى وتموقعهن بالمرتبة السابعة والتاسعة والمتأخرة. وهذه المراتب النسائية تدل على التأثيث أكثر من تولي مناصب مسؤولة مستحقة قانونا وأخلاقا في تناقض تام مع ما أقره المشرع المغربي برفع تمثيلية النساء داخل المجالس المنتخبة إلى عشرين في المائة كعتبة، في انتظار تنزيل كامل لمضمون الفصل الـ19 من الدستور الذي يفرض نسبة خمسين في المائة تمثيلية نسائية داخل المجالس المنتخبة. وبالتالي كان من الملفت أن تترأس نساء عمودية بعض المدن الكبرى في كل من العاصمة الإدارية الرباط أو المجلس الجماعي للعاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء أو مدينة مراكش العاصمة السياحية للمملكة .

فقد شكل ذلك تطورا عميقا ضمن نظام هيمنة التسيير ” الذكوري” للعديد من المجالس المحلية جماعية وجهوية . حيث توبعت هذه التجارب النسائية بالكثير من الترقب والمتابعة. وبالتالي ، فالمحاصرة التي رافقت تسيير عمدة أسماء غلالو للعاصمة الإدارية والضجة السياسية التي أثيرت حول مظاهر تسييرها قد لا ترجع في عمقها إلى ضعف أو قصور في التسيير ، بل  أيضا لإثارتها ملفات شائكة ارتبطت دائما بطريقة تبادل المنافع ضمن المجالس المسيرة لأغلب الجماعات المحلية . فإثارة هذه العمدة في بداية ترؤسها لمجلس جماعة الرباط ملف الموظفين الأشباح أثار حولها زوبعة سياسية  حيث صرحت ضمن البرنامج التلفزيوني الأسبوعي “مع الرمضاني” الذي يعرض بالقناة الثانية مساء كل يوم أحد، في حلقة يوم 5 ماي 2022 بوجود 2400 من الموظفين الأشباح في المقاطعات والإدارات العمومية والولاية، يتقاضون أجورهم الشهرية بانتظام دون أن يؤدوا وظيفتهم. وأنها في إطار ضبط عددهم الحقيقي أعدت لذلك خطة، تتمثل في تنظيم امتحانات الكفاءة المهنية الخاصة بالترقية. وهو ما اعتبره الكثيرون فضيحة أخلاقية تقتضي عدم السكوت عنها، في الوقت الذي أدت إلى ردود فعل عنيفة من طرف رؤساء بعض مقاطعات العاصمة الإدارية ، حيث بعض رئيس مقاطعة حسان رسالة للعمدة يطالبها بتوضيح موقفها الحقيقي من وجود موظفين أشباح بمجلس الرباط يتجاوز عددهم 2400 دون اتخاذ الاجراءات الزجرية المعمول بها وفق المساطر الإدارية المنصوص عليها في القوانين معتبرا ذلك تغليطا للرأي العام . ومن ثمة شنت حملات انتقاد  من مكونات المجلس الجماعي “لطريقة التدبير الارتجالي واللامسؤول للسيدة العمدة والتي تضرب بعرض الحائط مبدأ المقاربة التشاركية وقواعد التسيير الجماعي واستئثارها بالقرارات في العديد من المواضيع والملفات دون الرجوع للمجلس أو الاستشارة مع مكونات الاغلبية ” وهكذا دخلت عمدة الرباط أسماء غلالو في حرب كسر العظام من خلال تعطيل عمل تسيير المجلس  من خلال ما تم نعته بالبلوكاج  ، واستعر أوارها بوضع الأغلبية لشكاية لدى وكيل الملك تتهم فيها العمدة أسماء اغلالو بـ”التحريض على تعنيف واستفزاز المستشارين”. لتنتهي هذه الحرب بتقديم العمدة لاستقالتها لوالي الجهة  اليعقوبي من خلال رسالة أكدت فيها بأنه “نظرا لحالة الاحتقان التي يعرفها المجلس منذ الشهور الأخيرة، ألتمس منكم قبول استقالتي، وذلك تغليبا لمصلحة ساكنة الرباط التي أعتز بالانتماء إليها”. في حين أوضحت في تصريح خصت به جريدة “آشكاين” أن “خطوة الإستقالة هاته كان يجب القيام بها”، مبرزة أن”مصلحة ساكنة الرباط فوق كل اعتبار”.وشددت على أن “الاختناق”، الذي وقع داخل المجلس الجماعي، كان يجب أن”يوضع حدا له”.وقالت أغلالو: “إذا كان سيوضع حد لحالة الاختناق باستقالتي فالله اكمل بخير وأتمنى التوفيق و النجاح لمن سيخلفني”.وحول سؤال عما إذا كانت تتحمل جانبا من المسؤولية في حالة “البلوكاج” التي شهدها المجلس الجماعي للرباط بسبب صراعها الذي امتد لشهور مع أعضاء المجلس؛ أجابت أغلالو: ” ما أراه إيجابي محض حالياً هو ما وراء الإستقالة، وكإبنة الرباط تحب مدينتها وساكنتها فضلت الإستقالة، رغبة في حل المشكل إذا كان تقديم الإستقالة سيحد من حالة الاختناق”.

من هنا يظهر أن المسألة ليست مسألة سوء تسيير فقط أو الاستفراد بالقرارات وإلا لتم عزل كل عمداء جماعات ورؤساء مقاطعات المملكة ، بل إن الأمر في العمق يتعلق بعدم الاندماج في طريقة ” هيمنة ذكورية ” وطريقة تسيير تقوم على الترضيات وتبادل المنافع.

ولعل هذه النزعة الانقلابية الذكورية قد عكسها ما أورده موقع “زون 24” حول استقالة عمدة مدينة الرباط السيدة أسماء غلالو حيث كتب ما يلي:

    “أفضل خبرٍ يمكن أن تسمعه ساكنة الرباط، وحتى الذين يزورونها للدراسة أو العمل، وكل من يحب شارع محمد الخامس وقبة البرلمان، هو إستقالة عمدة الرباط عن حزب التجمع الوطني للأحرار أسماء اغلالو. نهاية منتخبة وضعت بالخطأ على رأس الجماعة الاكثر أهمية في البلد، جماعة العاصمة وكل ما وصلت إليه الرباط من تقدم على مستوى البنيات التحتية، والرياضية والتعشيب مع الوالي اليعقوبي وفوزي لقجع وغيرهم الكثير.

هكذا إبتسمت رباط الأنوار فرحاً، لكن في الجهة المقابلة حيث أكبر المدن سكاناً مدينة بودريقة والناصيري والوالي امهيدية وغيرهم الكثير، لا زالت منهمرة بالبكاء، فمتى يحين الوقت ومتى تسمع ساكنتها خبراً يثلج الصدور، وورقة تشبه تلك التي توصل بها الزملاء في الصالون الاعلامي وصحافتنا الرقمية، نهاية عمدة الدار البيضاء نبيلة الرميلي. وحتى لا تفهنا الحركات النسوية في هذا البلد، وحتى لا تصدر ضدنا الزميلة رحاب بياناً، فإننا في “زون24” ندعم نساء المملكة ورجالها، لكن مشاكل الدار البيضاء ومتاعب الرباط تحتاج مسؤولاً خشناً يتحمل الضربات.”

Share
  • Link copied
المقال التالي