Share
  • Link copied

الحاج إبراهيم كمال المؤسس الفعلي لتنظيم الحركة الإسلامية المغربية

لأول مرة ومنذ 57 سنة، يغيب الشيخ إبراهيم كمال عن تلامذته وأتباعه ومحبيه في شهر رمضان، منذ أن انطلق في نشاطه الدعوي والحركي الإسلامي سنة 1963، من مسجده بدرب غلف بالدار البيضاء حيث كان خطيبا ومحدثا، ومن ثانوية محمد الخامس الشهيرة حيث كان أستاذا، إذ وافاه أجله المحتوم رحمه الله صبيحة عيد الأضحى من السنة الماضية.

وبغيبته في هذه السنة عن مسرح الحياة، تفتقد الحركة الإسلامية بالمغرب واحدا من أهم رجالاتها وقادتها، وتفتقد المؤسس الفعلي والميداني لتنظيمها في أوساط الشباب، والدينامو الذي ألهب الحماس الدعوي في صفوف الفتيان التلاميذ والطلبة، ليتحولوا إلى عمود فقري للحركة الإسلامية فيما سيعرف إعلاميا بعد سنة 1975 بحركة الشبيبة الإسلامية.

في ستينيات القرن الماضي، كان المغرب قفرا خاليا من التيار الإسلامي، في حين كانت الساحة الثقافية والسياسية والنقابية زاخرة بالتيارات الأخرى التي حلت محل الحركة الوطنية، وكان الوجود اليساري و كذا الشيوعي المستقوي بنفوذ الإتحاد السوفياتي، كان يهدر ويجلجل في الأوساط المثقفة والطلابية والتلاميذية.

ولم يبق للطرح الإسلامي والسلوك المتدين سوى أصوات فاترة محتشمة ومنهزمة، خطباء ومحدثون في المساجد دراويش مذبذبون ومستضعفون، وعلماء تقليديون جامدون على كثرتهم، وجمعيات دينية دعوية لا ريح لها ولا أثر لها، هذا بالرغم من أن النظام السياسي دستوريا ونمط الحكم هو نظام أمير المؤمنين، ودين الدولة الرسمي هو الإسلام، وبالرغم من أن المجتمع المغربي هو مجتمع المحافظة والتقاليد والطرق الصوفية، وبالرغم من أن الشعب المغربي كان قد خرج قريبا ومن توه من صراع دموي طويل وجودي وديني، وبحرب مقدسة جهادية، واجه فيها المسلمون المغاربة، أعداءهم النصارى الاستعماريين فرنسيين وإسبان، بوازع الدين ومرجعية القرآن وباعث الانتماء إلى الحضارة الإسلامية وسؤددها، وحافز سيادة الوطن واستقلاله، كما كانت تقود به وتوجه به الحركة الوطنية ومنزعها السلفي.

كل ذلك ومثله لم يحر جوابا ولم يستطع حيلة ولا سبيلا، ولم يمتلك طاقة ولا عزما أمام المد العارم الهائج الذي اختطفت أمواجه الأجيال الصاعدة لمغرب الاستقلال وحولتهم إلى منظمات وخلايا وطاقات مشبوبة بالحماس والإصرار، واعدة ببناء مغرب جديد على النمط الغربي، اشتراكيا أو ليبيراليا، متمرد على الماضي بكل أشكاله وحمولاته.

وكان لابد من فارس يقدم على صهوة الزمن، يشق هذه العتمة، وينجلي عنه ذلك الغبار، يمتلك الوسيلة والطريقة والوصفة السحرية، لتحويل العدم والخمول والضياع والضعة، إلى واقع حيوي إسلامي متجدد ومتحرك ومنبعث كما تنبعث النار من الرماد، وكان هذا الفارس هو الشاب الثلاثيني إبراهيم كمال، القادم من تجارب متلاحقة في العمل الوطني والانتظام الفدائي في المغرب السليب، والنضال السياسي المتحدي والمناهض في المغرب المستقل.

عندما التأم شمل المؤسسين الكبار أواخر الستينيات، محمد زحل، علال العمراني، عبد الكريم مطيع، عبد اللطيف عدنان، القاضي برهون، محمد نجمي، وإبراهيم كمال، وكانوا كلهم ومن معهم، كتلة ملتهبة من الحماس للبدء في عمل دعوي، تستأنف به الحياة الإسلامية في المجتمع، أخلاقا وقيما وعقائد وشعائر وشعارات و توجها بديلا ومنهج حياة، ولكنه وحده من بين هؤلاء، كان الفارس المخضرم إبراهيم كمال، من يملك المفتاح السحري، لإطلاق شلال الحركة الإسلامية.

ولأن شلال الحركة الإسلامية ما كان له أن يتفجر وتنبجس عيونه ثرة رقراقة تنساب بمنسوب عال عبر دروب المجتمع، لو لم يداخل فضاءات الدعوة الوعظية والخطابية، عنصر التنظيم والتأطير الحركي والتربوي للشباب والفتيان.

وإذا كان زمرة المؤسسين الأوائل قد قدموا من فضاءات ثقافية وعلمية عامة وتقليدية، ولم يسبق لهم أن خالطوا حالة سياسية أو انخرطوا في تجربة تنظيمية ما، ما عدا عبد الكريم مطيع الذي نشط نقابيا في الإتحاد المغربي للشغل، الجناح النقابي الموازي آنذاك والمرتبط بالإتحاد الوطني للقوات الشعبية، فإن إبراهيم كمال هو وحده بين رفاقه الذي كان يملك التجربة التنظيمية، ويتوفر على القدرة التأطيرية التنظيمية، لما كان قد حازها وعاركها، ممارسا لها في خلايا الحركة الوطنية التي انتسب إليها يافعا، وفي تنظيمات المقاومة الفدائية التي شارك فيها شابا فتيا، وفي حزب الاستقلال الذي كان في طليعته، وفي الحزب اليساري الوطني، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والذي كان واحدا من قادته ومسؤوليه على صعيد مدينة الدار البيضاء قبل انسحابه سنة 1963.

كان إبراهيم كمال مسؤولا تنظيميا لحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، يقود ثلث قطاعات الدار البيضاء، إذ كان المسؤول القيادي لمنطقة لمعاريف درب غلف المدينة القديمة الحي الحسني والأحياء الراقية وهي ثالث ثلاثة أفرع تنظيمية للاتحاد بالدار البيضاء.

وبهذه التجربة الواسعة والمتضلعة سيتمكن إبراهيم كمال من قيادة رفاقه المؤسسين إلى العبور من فضاء الدعوة إلى فضاء التنظيم والتأطير، وتحويل البيوت إلى ورشات عمل وخلوات صامتة لهذا التأطير والتنظيم للأجيال الفتية الناشئة.

*محام بهيئة الدار البيضاء

Share
  • Link copied
المقال التالي