رحلت الفنانة المغربية الشهيرة و”حارسة البحر” الحاجة الحمداوية، إلى دار البقاء عن عمر ناهز 91 سنة، بعد مسيرة ثرية في ريادة فن “العيطة”، خولّت لها أن تُهدي إلى أجيال على مدار تسعة عقود، أحد أقوى وأشهر أغانيها نظير “مقابلة لبحر ليرحل” و”ها لكاس حلو” وغيرها من الأغاني الشعبية.
وولدت الحاجة الحمداوية عام 1930، ونشأت في درب سلطان بالدار البيضاء حيث بدأت الغناء منذ صغرها، وغنت أمام الأوركسترا “المرقعة”، كما ابتكرت أسلوبها الخاص في الموسيقى الشعبية الأصيلة مع التشبت بالقفطان المغربي التقليدي.
وتعتبر أغانيها من كلاسيكيات فن “العيطة” التي تم تكييفها من قبل العديد من موسيقيي الشعبي المغربي الحاليين، كما غنت مع فنانين مشهورين، مثل الشاب خالد وحميد بوشناق.
ورحلت الحمداوية ولم يرحل البحر، ولن رتحل كلماتها التي جعلت كل مغربي يحفظ كلماتها في أغنية “أنا بعدا مقابلة البحر لا يرحل، وأنا بعدا وخايفة عشيري لا يمشي، وأنا بعدا وخاصني جيلالا ونفيق، يمشي ويجي بحاجتو مقضية أ جلول ..”
الراحلة بين الفن والفاقة
وتعد الحاجة الحمداوية، من أقدم الفنانات المغربيات في مجال فن العيطة الموغل والضارب في القدم، إذ ارتبطت به منذ ظهورها على الساحة الفنية، في وقت كان المجتمع المغربي المحافظ، ينظر فيه إلى هذا الفن بنوع من التحفظ والحذر.
وعاشت المجد الذهبي للأغنية المغربية في عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وفي غشت سنة 2008 التقت ميريام فارس مع الحاجة الحمداوية في تطوان، وتقدمت لها بطلب إعادة إحدى أغانيها في ألبومها القادم وهو ما وافقت عليه الحمداوية.
كما تعرضت في إحدى مراحل مسيرتها الفنية لتعثرات وظروف صحية ومادية مؤلمة جعلتها في فترة من الفترات، تعرف أسوأ أيام حياتها، وكانت عاجزة عن تلبية أبسط حاجياتها اليومية مثل الدواء والسكن وغيرهما، قبل أن تنهض من جديد، بعد أن التفتت إليها جهات عليا نافذة في الدولة، وأولتها العناية اللازمة.
الحاجة الحمداوية .. “أم كلثوم” العيطة المغربية
ويرى الدكتور جمال الدين بنحدو، المتخصص في فن الملحون، أن الحاجة الحمداوية، كانت، قيد حياتها، أم الفنانين المغاربة وهي من أولى الأصوات “الطروبة” في فن العيطة في زمن الخمسينات والسيتينات والسبعينيات، حيث كان فن العيطة في بداياته الأولى يغلب عليه طابع القروية والبدوية.
وأضاف بنحدو في تصريح لـ”بناصا” أنّ الراحلة افترعت نموذجا جديدا في فن “جوقة العيطة”، بمعنى أنها كانت أول مغنية تؤدي أغانيها مع الجوق الوطني، وبطريقة منفردة ورائعة، لافتا إلى أنه ولأول مرة في التاريخ نجد مغنية وراءها جوق وتوزيع موسيقي بجمالية قلّ نظيرها.
وأحدثت الحاجة الحمداوية بأسلوبها المتفرد فارقا في مشهد الأغنية الشعبية: ما قبل فن الحاجة الحمداوية وما بعدها، حيث أصبحت الأوركسترا والجوقة الموسيقية حاضرة في أغاني الراحلة، بعد أن كان فن العيطة يقتصر على أربع “شيخات” أو “شيخ” بآلة الكمنجة أو “الهجهوج”.
وخلص رئيس جمعية عشاق فن الملحون بمدينة الدار البيضاء، إلى أن الحاجة الحمداوية هي “أم كلثوم” العيطة المغربية، وأنها رغم رحيلها فهي لم تمت، وستظل أغانيها في فن العيطة خالدة وتهز كل من يعشق هذا الفن المغربي الأصيل.
ومنذ اللحظة الأولى للإعلان عن وفاة الحاجة الحمداوية، في حدود الساعة الثانية صباحا من يومه الإثنين، بمصحة الشيخ زايد بالرباط، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالنبأ، تفاعلا وحزنا على رحيل رائدة فن العيطة بالمغرب.
وغرد سياسيون واعلاميون ونشطاء بعبارات النعي والتعزية ونشروا صور الراحلة عبر حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل المختلفة، تناولوا في محتواها سيرة الراحلة ومحطاتها الفنية الحافلة بالإبداع والتفرد في أداء الأغاني الشعبية بطريقتها الخاصة.
توقفوا عن السخرية السمجة.. يا من استكثروا أن يمتد العمر بالحاجة الحمداوية حتى التسعين
وعلى موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” تسارع النشطاء في نعي الراحلة، حيت كتب الصحافي المغربي هشام تسمارت عبارات تعزية جاء فيا: رحيل “حارسة البحر”؛ الحاجة الحمداوية، بعد مسيرة فنية جعلت كل مغربي تقريبا يحفظ أغانيها ويطربُ إذا سمعها وهي تمسك الدف.
وأضاف، آن لكم أن توقفوا السخرية السمجة، يا من استكثروا أن يمتد العمر بالحاجة الحمداوية حتى التسعين، لكأنكم كنتم تدفعون مبلغا من المال مقابل كل يوم إضافي تعمره، ولن تحتاجوا بعد اليوم إلى إطلاق شائعة وفاة، لأن الحاجة الحمداوية رحلت بالفعل.
وزاد في التدوينة ذاتها، لن تسخروا بقبحكم لتقولوا إنها استعصت عن الموت، لأنه خطفها فعلا، فهل سترتاحون، أم إنكم ستبحثون عن ضحية رمزية جديدة؟ مردفا: حظ الحاجة الحمداوية كان أدنى من موهبتها وأقل خفوتا من توهجها، فالفنانة لم تنل سوى الفتات، رغم كونها جبلا مغربيا شامخا، وبعدما غنت للأحداث وللوطن وللحب.
وختم تسمارت بالقول إن الراحلة عاشت ببساطة أقرب إلى الفقر وهي تدخل السعادة إلى أجيال من المغاربة، فيما وجد بهلوانيون كثيرون أنفسهم يرفلون في الدعم الحكومي وأموال أخرى كثيرة بدون وجه حق، تحت يافطة الفن.
بدورها كتبت الإعلامية، عبادي جيهان، حول رحيل الحاجة الحمداوية في تدوينة لها على صفحتها بالـ”فيس بوك” قائلة، “إن الفنانة رحلت ولم يرحل البحر كما غنت، وأن موتها هذه المرة ليست بإشاعة بل حقيقة، وأن هذة المرة لم تقتلها الإشاعات كما اعتدنا مؤخرا بل قتلها المرض”.
جميل و رائع