انتشر خبر عزل رئيس مجلس جماعة إمزورن كالنار في الهشيم، على منصات المواقع الاجتماعية؛ حيث جاء فيه أن المحكمة الإدارية بفاس هي التي قضت بذلك؛ وبعد محاولة التنقيب عن مصدر الخبر تبين أن من نشره أول مرة هو شخص يمارس مهنة المحاماة، وبعده تبعه غيره في التوزيع على أساس أن الخبر خبر يقين لا يشوبه نقص، لاسيما أن ناشره رجل قانون يدرك قيمة ذلك وآثاره القانونية والسياسية؛ غير أن هناك من تساءل عن صحة الخبر ومصدره بعدما أصبح الفايسبوك مكان نشر الإشاعات والأخبار الزائفة.
ومن أجل التفاعل مع الخبر، ومحاولة تسليط الضوء على ما تم تجاهله عند نشره، وكذا التصديق به من طرف الكثير دون أن يتم طرح أي سؤال بخصوصه، لاسيما من بعض من لا يُقبل منهم بشكل نهائي أي مبرر لحملهم الخبر على أنه سليم وصحيح، ولا داعي من وصف حالهم ولا ذكر أسمائهم؛ لكن قبل التأكد من صحة الخبر، أحببنا الاطلاع على مضمون المادة التي تنظم طريقة عزل الرئيس، والتي تتمثل في المادة 64 من القانون التنظيمي للجماعات 113.14؛ ولا بأس من إيرادها كما هي حتى يألف المتابعون قراءة النصوص القانونية والتعامل معها بشكل مباشر بعيدا عن الوسطاء وسماسرة الأزمات السياسية:
“إذا ارتكب عضو من أعضاء مجلس الجماعة غير رئيسها، أفعالا مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل تضر بأخلاقيات المرفق العمومي ومصالح الجماعة قام عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه عن طريق رئيس المجلس بمراسلة المعني بالأمر للإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأفعال المنسوبة إليه داخل أجل لا يتعدى (10) أيام ابتداء من تاريخ التوصل.
إذا ارتكب رئيس المجلس أفعالا مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، قام عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه بمراسلته قصد الإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأفعال المنسوبة إليه، داخل أجل لا يتعدى عشرة (10) أيام ابتداء من تاريخ التوصل.
يجوز للعامل أو من ينوب عنه، بعد التوصل بالإيضاحات الكتابية المشار إليها في الفقرتين الأولى والثانية أعلاه، حسب الحالة، أو عند عدم الإدلاء بها بعد انصرام الأجل المحدد، إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية وذلك لطلب عزل عضو المجلس المعني بالأمر من مجلس الجماعة أو عزل الرئيس أو نوابه من عضوية المكتب أو المجلس.
وتبت المحكمة في الطلب داخل أجل لا يتعدى شهرا من تاريخ توصلها بالإحالة.
وفي حالة الاستعجال، يمكن إحالة الأمر إلى القضاء الاستعجالي بالمحكمة الإدارية الذي يبت فيه داخل أجل 48 ساعة من تاريخ توصله بالطلب.
يترتب على إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية توقيف المعني بالأمر عن ممارسة مهامه إلى حين البت في طلب العزل.
لا تحول إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية دون المتابعات القضائية، عند الاقتضاء.”
وعليه، حسب مقتضيات المادة السالفة الذكر، فإن عزل الرئيس يستوجب إجراءات محددة كما هو مبين؛ ما يعني أنه قبل تصديق أي خبر عن عزل الرئيس التأكد من وجود الأسباب التي بني عليها الحكم القضائي، وبعدها التأكد من صدور الحكم حقيقة وليس على منصات المواقع الاجتماعية الافتراضية؛ أي أن أول إجراء يمكن القيام به هو التواصل مع المعني بالأمر لأن مثل هذا القرار ليس قرارا عاديا، وإنما له من الأهمية والتأثير ما له؛ أو على الأقل التواصل مع الجهات ذات الصلة إن تعذر الاتصال بالشخص المعني؛ وعلى العموم فإن هناك من القنوات الكثير حتى يتم التأكد من صحة الخبر وسلامته.
لكن عند النظر في ما نشر وطريقة التفاعل مع الخبر تبين أن الكثير من المهتمين صدقوا الخبر دون التساؤل عن استيفاء أبسط الإجراءات التي حددها القانون المنظم لعزل الرئيس؛ بل الغريب في الأمر أن هناك من الأشخاص من يعلم كل صغيرة وكبيرة على الجماعة ورئيسها ورغم ذلك صدق الخبر وبدأ ينشره بين الناس، دون أن يتساءل عن مدى تنفيذ كل الإجراءات الواجب سلكها؛ وإنما تم تسجيل جهل أو تجاهل، من طرف أغلبية هؤلاء، لأهم إجراء أتى به القانون والمتمثل في مضمون الفقرة السادسة التي تنص على ضرورة توقيف المعني بالأمر عن ممارسة مهامه إلى حين البت في طلب العزل؛ ما يعني: كيف لخبر عزل الرئيس أن يحدث دون أن يتم توقيفه عن ممارسة مهامه؛ بل لو قدر أن حدث مثل هذا الأمر، هل كان سيخفى على كل أعضاء المجلس، وموظفي الجماعة، ورجال السلطة، وأعوانهم، ومحبي التقاط المعلومات من هنا وهناك، وغيرهم؟
وفي ضوء كل الأسئلة التي أوردناها وغيرها، جعلتنا نتحسر على حالنا، لاسيما حال من درس القانون ومن نصب نفسه مدافعا عليه وعلى مصالح الناس؛ بل تركتنا نتساءل عن جدوى كل الشعارات التي ترفع هنا وهناك من أجل نشر ثقافة سياسية وقانونية، لكن في المقابل يتم اغتيال ذلك في رمشة عين دون أي تأنيب للضمير، ومن أشخاص ينتظر منهم المساهمة في نشر ثقافة القانون والوعي السياسي وليس إشاعة الأخبار الزائفة والمساهمة في تكريس الجهل بالقانون؟
وعلى سبيل الختم، نقول: إن أمر عزل الرئيس في جماعة ما ليس بالأمر المستحيل ولا القرار غير المقبول إن اكتملت شروطه؛ لكن أن يتم نشر مثل هذه الأخبار البين زيفها ممن يجب في حقه إدراك عواقب ذلك هو قمة الحمق والجهل، مهما كانت التبريرات؛ لأن جهل مقتضيات القانون المنظم وكذا حال مجلس الجماعة ورئيسها، في مثل هذه الحالات، خطأ جسيم لا يغتفر لاسيما من طرف من أشرنا إليهم أعلاه؛ وأما إن تم تجاهل كل ذلك بغية نشر الإشاعات وخلق البلبلة دون أي وجه حق، فليعلم أن القانون يمنح حق إعادة الاعتبار لكل من تضرر من الخبر، لاسيما رئيس الجماعة، سواء بالالتجاء إلى رفع دعوى قضائية لإنصافه، أو على الأقل فضح الجهل بأبجديات القانون لمن ينصب نفسه أستاذا للقانون ومدافعا عنه، حتى يكون عبرة لمن يستغل ثقة الناس فيه وهو أجهل الناس بالقانون.
وأخيرا نختم بالمثل الذي يقول: “إذا كان المُتكلم مجنون فالمُستمع عاقل”، بمعنى لا يجب أن يكون المُتكلم مجنونا والمُستمع مجنونا في آن واحد.
تعليقات الزوار ( 0 )