استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أول يوم أمس (الثلاثاء) رسميًا في الجزائر العاصمة ضيفًا مرموقًا يعتبر من أكثر الشخصيات نفوذاً وأكثرها إثارة للجدل في منطقة الساحل، ويتعلق الأمر بإمام الطريقة الكنتية لجمهورية مالي، محمود ديكو.
وخلال هذا اللقاء عبر إمام جماعة الإخوان الكونتية صراحة عن “اعتزازه بالتواجد في الجزائر، بلد الشهداء والأحرار، ولقائه مع رئيس الجمهورية”، قبل أن يعرب أيضا عن شكره “لحسن الاستقبال وكرم الضيافة”.
كما أكد الإمام ديكو، في تصريح آخر عقب لقائه برئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أن الجزائر ومالي “ليستا جارتين فحسب، بل بلد واحد وجزء لا يتجزأ”، معربا عن شكره للجزائر التي “كانت إلى جانب مالي في كل المراحل والأزمات التي مرت بها”.
وسرعان ما تصدرت هذه المبادرة الجزائرية للترحيب بهذه الشخصية الدينية التي لها أهمية كبيرة في مالي عناوين الأخبار، مما أثار غضب باماكو في اليوم التالي حيث استدعى المجلس العسكري السفير الجزائري احتجاجا على “لفتات غير ودية” من قبل السلطات الجزائرية في بسط السجادة الحمراء لشخصية معارضة للسلطة الانتقالية الحالية في مالي.
وكان الإمام ديكو بالفعل زعيمًا لحركة احتجاجية سبقت الإطاحة بالرئيس المدني إبراهيم بوبكر كيتا على يد الجيش في عام 2020، ولكن منذ أن استولى الجيش على السلطة، أعرب علنًا عن خلافاته مع الحكومة المؤقتة.
ويعتبر ديكو أحد العناصر السياسية النادرة القادرة على التعبئة في سياق تقييد الحريات في ظل النظام العسكري، الذي سجن العديد من المعارضين، وتسعى تنسيقية الحركات والجمعيات والمتعاطفين مع الإمام ديكو (CMAS) منذ سبتمبر/أكتوبر 2023 إلى إطلاق احتجاجات شعبية من أجل تغيير طبيعة النظام المالي الحالي.
وكان الإمام ديكو قد عارض علناً الاستفتاء على دستور جديد في يونيو الماضي، ولدى عودته من مؤتمر في موريتانيا في 22 يونيو، تم سحب جواز سفره في مطار باماكو، وأشار أحد عناصر الأجهزة الأمنية، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إلى وجود “أخطاء فنية” في جواز السفر، ومن خلال إظهار نفسه بحرارة تجاه الإمام ديكو، يعطي النظام الجزائري الانطباع بأنه يريد دعم أو رعاية المعارضة المالية، التي لا تفشل في إثارة توترات قوية للغاية مع الجنود الانقلابيين.
وكشفت صحيفة “مغرب أنتليجنس” الفرنسية، أن مجيء الإمام محمود ديكو إلى الجزائر العاصمة هو عملية تم التخطيط لها وتطويرها بالكامل من قبل مديرية التوثيق والأمن الخارجي (DDSE)، المخابرات الخارجية الجزائرية، برئاسة اللواء جبار مهنا.
ومارست المخابرات الخارجية الجزائرية، ضغوطا مكثفة على الرئاسة الجزائرية حتى تتجه أكثر نحو الشخصيات المعارضة للمجلس العسكري المالي من أجل تعزيز الروابط مع هذه الحركات التي يمكن أن تفرض قريبا تغييرا في حكم المجلس العسكري الحاكم.
ويأتي هذا العمل الذي بدأته المديرية الديمقراطية للأمن الخارجي الجزائرية، في سياق سوء التفاهم وعدم التفاهم مع المجلس العسكري المالي الذي سخر منذ النصف الثاني من 2023 علناً من المقترحات الجزائرية ورفض منح الجزائر دوراً مرجحاً كما كان الحال في الماضي مع الأنظمة المالية السابقة في حل النزاعات الداخلية داخل مالي.
وأشارت المصادر ذاتها، إلى أن هذا التكوين السيادي الجديد للجيش المالي يخيف الجزائر العاصمة، ويخشى القادة الجزائريون من أن يرفض الجيش المالي بشكل نهائي مصالحهم في هذه المنطقة الحساسة من الساحل، وردًا على ذلك، نفذت الأجهزة الجزائرية عملية ديكو لإرسال رسالة واضحة إلى الجيش المالي: الجزائر لا تقبل العزلة عن مجال نفوذها المالي.
تعليقات الزوار ( 0 )